Les années du trou noir

Husayn Mihran d. 1450 AH
41

Les années du trou noir

سنوات الثقب الأسود

Genres

صخب وضجيج وحركة دائبة لكن بلا حياة، كل شيء هنا ميت، ولم تكن الشجرة تطيق الموت، كانت تحب الحياة، تحب حياتها التي عرفتها، وأرضها التي لم تعد موجودة، ورفيقاتها اللاتي رحلن إلى حيث لا تعلم، كانت الوحدة تقتلها، وكانت الغربة في وطنها تعتصر قلبها، فحتى تلك الطيور الصغيرة ذات الريش كاحل السواد والمنقار الأصفر لم تعد تأتي إلا بالمصادفة، كما لو أنها ضلت الطريق، لم تعد تتقافز بين الشجيرات أو تتلاقى على الأغصان في نهاية النهار، كانت الشجرة تريد الرحيل من هنا ولو بالموت، ولو بخنق جذورها حتى تتوقف عن التنفس.

ظلت تسحب جذورها من الأرض، ظلت تغادر أرضها بالتدريج وهي لم تزل واقفة في مكانها، ظلت تسلخ عنها تلك الرمال التي لم تعد وطنها، ولم تعد فيها رائحة رفات أسلافها بعد أن دنستها تلك البقايا الرمادية اللعينة، وبعد أن عبثت بها أيدي البشر ووحوشهم ميتة القلوب، ظلت تسعى جاهدة نحو الموت، ربما تجد عنده حياتها المفقودة.

الفصل التاسع

يوليو 2018م

كان القطار قد اقترب من ضواحي الإسكندرية، حيث بدأت تلك الكتل المكدسة من الخرسانة والطوب الأحمر المكشوف تنتشر بشكل أكبر وتلتهم نسبة أعلى من الخلفية الخضراء التي سادت المشهد لمسافة طويلة، بدأت تظهر تجمعات متلاصقة من البنايات غير متناسقة الارتفاعات، تقطعها شوارع ضيقة ظهرت فيما يبدو كيفما اتفق دون أي تخطيط مسبق، وباتت تلك الكتل تقترب بالتدريج من مسار القطار حتى حجبت اللون الأخضر بالكامل عن ناظريه. تابع ياسين الثاني ذلك المشهد باستياء ثم تساءل بنبرة متحسرة: ما كل هذه المباني؟ ما كل هذه الكتل الخرسانية الرمادية القبيحة؟ ومتى بنيت؟ ألم تكن تلك المساحات كلها في الماضي حقولا ومزارع؟

التفت إليه الأول باستخفاف من يدرك كل شيء: لم تعد ثمة حقول هنا؛ توقف الفلاحون عن ممارسة الزراعة منذ زمن طويل، وصاروا إما سائقي توكتوك أو مهاجرين. غدت المزارع كلها مناطق سكنية، عشوائيات سكنية إن أردت الدقة. لا أعرف اسم هذه المنطقة بالذات؛ فقد ظهرت مناطق كثيرة مشابهة مؤخرا، لكنني أضمن لك أنه من الآن وحتى نصل إلى سيدي جابر لن تقع عيناك على أي حقول.

أجاب الثاني - أو ربما لم يجب؛ فقد كان ذهنه في مكان مختلف تماما - في تغيير مفاجئ لمسار الحديث: هل أنت سعيد في حياتك؟

لم يبد على الآخر كثير من الاندهاش؛ فربما كان يدور في ذهنه السؤال نفسه على نحو ما: هل أنت ... سعيد في حياتك؟

ابتسم الثاني رغما عنه؛ ربما لأنه توقع أن يجيبه الآخر بنفس السؤال، كان يعرف أن السؤال نفسه يؤرق كليهما. أجاب محاولا امتصاص التحفز البادي على الآخر: أنا فقط أحاول الفهم، أريد أن أعرف إجابة السؤال الذي سهرت ليلة بأكملها منذ سنوات طويلة لأفكر في إجابته، ثم ركبت القطار في الصباح التالي على غير هدى لأرى أين سيوجهني. أينا اختار الطريق الصحيح؟ هل أنا الذي على الصواب أم أنت؟ أينا الأفضل؟

مط الآخر شفتيه في تعبير واضح عن عدم الاكتراث، أو ربما عدم الرضا، وأجاب في لهجة فيها بعض التهكم والمرارة: ألا ترى أن إجابة هذا السؤال بسيطة للغاية؟ انظر أين أنت وأين أنا، قارن بين ما حققته أنت وبين ما حققته أنا، أنت سافرت ونجحت وأصبحت - بسم الله ما شاء الله - مواطنا من العالم الأول، تحمل جواز سفر كندي أزرق اللون، وكونت أسرة مستقرة، أما أنا فما زلت قابعا هنا ، أتقافز بين القاهرة والإسكندرية لأختطف ساعة أقضيها مع أولادي، ثم أعود إلى دوامة العمل والوحدة والملل.

Page inconnue