فجهدت على أن لا أظفر بنكتة طريفة إلا نمقتها ، أو فائدة ظريفة إلا علقتها ، أو شعر فائق إلا كتبته ، أو نثر رائق إلا أثبته ، حافظا لذلك حفظ الجفن لمقلته ، والصدر لمهجته ، والشحيح لدرهمه ، والجريح لمرهمه. حتى كأني استدبرت وطنا واستقبلت وطرا ، وسلوت عن قديم ما سلف بحديث ما طرا ، فاجتمع لدي من نخب اللطائف ما رق وراق ، واقتطفته النواظر من ثمرات الأوراق ، وانتخبته نتائج الأفكار ، وجنحت إليه جنوح المفرخ إلى الأوكار ، وتملت به النفوس ، وتحلت به المهارق (1) والطروس.
ملح إذا ذكرت بناد خلته
من نشرها البادي تضمخ طيبا
فأزمعت على أن أجمع ما وقع لي من ذلك رحلة تكون لأولي الألباب من ذوي الآداب نحلة ، أثبت فيها ما وقفت عليه ، وما سأقف إن شاء الله تعالى جانحا إليه ، إلى أن يمن الله سبحانه بالعود إلى الوطن ، والأوب إلى العطن ، وأورد خلال ذلك من الطرائف المستظرفة ، والظرائف المستطرفة ما يروق النواظر ، ويجلو صدأ الخواطر ، وتقرط به المسامع ، ويطرب له الناظر والسامع. فإذ أشرق من أفق الكمال بدرها المنير ، وتفتق عن حجب الكمام زهرها النضير سميتها :
* «سلوة الغريب وأسوة الأريب»
ليطابق الاسم مسماه ، ويوافق اللفظ معناه ، وفيها أقول :
رحلتي المشتهاة تزري
بالروض عند الفتى الأريب
Page 16