Salat al-Eidayn
صلاة العيدين
Maison d'édition
مطبعة سفير
Lieu d'édition
الرياض
Genres
٣٧
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
_
صلاة العيدين
مفهوم، وفضائل، وآداب، وشروط، وأحكام
في ضوء الكتاب والسنة
Page inconnue
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في: «صلاة العيدين» وما يتعلق بهما من أحكام، بينت فيها بتوفيق الله ﷿: مفهوم صلاة العيدين، وحكمهما، وآدابهما، وشروط وجوبهما، ووقتهما، وأن خطبة صلاة العيدين بعد الصلاة، وذكرت التكبير أيام العيدين، وأنواعه، وحكم اجتماع العيد والجمعة، وبينت أحكام زكاة الفطر، وأحكام الأضحية، وذكرت بعض المنكرات التي تحصل أيام العيدين، كل
1 / 3
ذلك مقرونًا بالأدلة من الكتاب والسنة.
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى، ورفع درجاته في جنات النعيم.
والله أسألُ أن يجعل هذا العمل القليل: مباركًا، نافعًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، نبينًا، وإمامنا، وقدوتنا، محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
ليلة السبت الموافق ٥/ ٧/١٤٢٢هـ
1 / 4
أولًا: مفهوم العيدين: العيدُ: كل يوم فيه جمع، والعيد: ما عاد عليك، ويقال: عيَّدوا: شهدوا العيد. واشتقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، وقيل اشتقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، والجمع: أعياد، ويقال: عيَّد المسلمون: شهدوا عيدهم، قال الأزهري: «العيد عند العرب: الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن». وقال ابن الأعرابي: «سمي العيد عيدًا؛ لأنه يعود كل سنة بفرح مجدَّد» (١). قال الإمام النووي ﵀: «قالوا: وسمي عيدًا، لعوده، وتكرره، وقيل: لعود السرور فيه، وقيل: تفاؤلًا بعوده على من أدركه، كما سميت القافلة حين خروجها تفاؤلًا لقفولها سالمة، وهو رجوعها وحقيقتها الراجعة» (٢). وقيل: سمي عيدًا؛ لكثرة عوائد الله تعالى على عباده في ذلك اليوم؛ لأن له عوائد الإحسان على عباده في ذلك اليوم كل عام (٣).
_________
(١) لسان العرب لابن منظور، باب الدال، فصل العين، ١٣/ ٣١٧ - ٣١٩، وانظر: القاموس المحيط للفيروزآبادي، ص٣٨٦.
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم، ٦/ ٤٢١.
(٣) انظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن،، ٤/ ١٩٢، وحاشية الروض المربع، لابن قاسم، ٢/ ٤٩٢.
1 / 5
واصطلاحًا: العيد: جمع أعياد: يوم الاحتفال بذكرى سارَّة، أو إعادة الاحتفال بذكرى سارة وأحد العيدين: يوم الفطر، والآخر يوم الأضحى (١)، والمسلمون لهم ثلاثة أعياد لا رابع لها: عيد الفطر، وعيد الأضحى، ويوم الجمعة (٢).
ثانيًا: الأصل في صلاة العيدين: الكتاب، والسنة، والإجماع:
١ - أما الكتاب فقول الله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ (٣). والمشهور في التفسير أن المراد بذلك صلاة العيد (٤).
٢ - وأما السنة، فثبت بالتواتر أن رسول الله ﷺ كان يُصلِّي صلاة العيدين (٥)، فعن ابن عباس ﵄ قال: «شهدت العيد مع رسول الله ﷺ، وأبي بكر، وعمر،
_________
(١) معجم لغة الفقهاء، للدكتور محمد روَّاس، ص٢٩٤.
(٢) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ٨/ ٣١٧.
(٣) سورة الكوثر، الآية: ٢.
(٤) المغني لابن قدامة، ٣/ ٢٥٣.
(٥) المرجع السابق، ٣/ ٢٥٣.
1 / 6
وعثمان ﵃، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة» (١). وعن ابن عمر ﵄ قال: «كان رسول الله ﷺ، وأبو بكر، وعمر ﵄ يصلون العيدين قبل الخطبة» (٢).
٣ - وأما الإجماع، فأجمع المسلمون على صلاة العيدين (٣).
ثالثًا: حكم صلاة العيدين: قيل: صلاة العيد فرض كفاية، والصواب أن صلاة العيد فرض عين (٤)؛ لقول
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب العيدين، باب الخطبة بعد العيد، برقم ٩٦٢.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب العيدين، باب الخطبة بعد العيد، برقم٩٦٣.
(٣) المغني لابن قدامة، ٢/ ٢٥٣.
(٤) اختلف العلماء ﵏ في حكم صلاة العيد على ثلاثة أقوال:
أ - ظاهر مذهب الإمام أحمد أن صلاة العيد فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين.
ب- مذهب الإمام أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد أن صلاة العيد فرض عين.
ج- وقال ابن أبي موسى: قيل: إنها سنة مؤكدة غير واجبة، وبه قال الإمام مالك، وأكثر أصحاب الإمام الشافعي؛ لقول رسول الله ﷺ للأعرابي حين ذكر خمس صلوات، قال: هل عليّ غيرهن؟ قال: (لا، إلا أن تطوع) [البخاري، برقم ٢٦٧٨، ومسلم، برقم ١١].
انظر: المغني لابن قدامة، ٣/ ٢٥٣ - ٢٥٤، والشرح الكبير، ٥/ ٣١٦، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع، ٢/ ٤٩٣، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن، ٤/ ١٩٤، وشرح النووي على صحيح مسلم، ٦/ ٤٢٨.
1 / 7
الله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر ْ﴾ (١)؛ ولحديث أم عطية قالت: أمرنا - تعني النبي ﷺ أن نُخرج في العيدين: العواتق (٢)، وذوات الخدور (٣)، وأمر الحيَّض أن يعتزلن مصلى المسلمين (٤)، ومما يؤكد فرضيتها، وأنها واجبة على الأعيان: أن النبي ﷺ واظب عليها، وقد اشتهر في السِّير أن أول صلاة صلاها رسول الله ﷺ يوم عيد الفطر في السنة الثانية للهجرة، ولم يزل يواظب عليها حتى فارق الدنيا، صلوات الله وسلامه عليه، وواظب عليها الخلفاء بعد النبي ﷺ، وهي من أعلام الدين وشعائره الظاهرة،
_________
(١) سورة الكوثر، الآية: ٢.
(٢) العواتق: جمع عاتق، وهي الجارية البالغة، وقيل: التي قاربت البلوغ، وقيل: هي ما بين أن تبلغ إلى أن تعنس ما لم تتزوج، والتعنيس طول المقام في بيت أبيها بلا زوج حتى تطعن في السن، وقالوا: سميت عاتقًا؛ لأنها عتقت من امتهانها في الخدمة والخروج في الحوائج. شرح النووي على صحيح مسلم، ٦/ ٤٢٨.
(٣) ذوات الخدور: وهن الأبكار، والخدور: البيوت، وقيل: الخدر: ستر يكون في ناحية البيت. شرح النووي على صحيح مسلم،٦/ ٤٢٨،وانظر: الإعلام لابن الملقن،٤/ ٢٥٠.
(٤) متفق عليه: البخاري، كتاب العيدين، باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد، برقم٩٨٠، ومسلم،، كتاب صلاة العيدين، باب إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال، برقم٨٩٠.
1 / 8
وهذا كله يؤيد الوجوب (١).
قال العلامة السعدي ﵀: «والصحيح أن صلاة العيد فرض عين، والدليل الذي استدلوا به على فرض الكفاية هو دليل على أنها فرض عين؛ ولأن النبي ﷺ كان يُحرِّض عليها حتى يأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور، وأمر الحيَّض أن يعتزلن المصلى، ولولا رجحان مصلحتها على كثير من الواجبات لم يحضَّ أمته هذا الحضّ عليها، فدل على أنها من آكد فروض الأعيان» (٢).
وقال شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ﵀: «صلاة العيد فرض كفاية عند كثير من أهل العلم ويجوز التخلف من بعض الأفراد عنها، لكن حضوره لها ومشاركته لإخوانه المسلمين سنة مؤكدة لا ينبغي تركها إلا لعذر شرعي. وذهب بعض أهل العلم إلى أن صلاة العيد فرض عين: كصلاة الجمعة، فلا يجوز
_________
(١) انظر: المغني لابن قدامة، ٣/ ٢٥٤، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع،
٢/ ٤٩٣، والشرح الممتع لابن عثيمين، ٥/ ١٥١ - ١٥٢.
(٢) المختارات الجلية من المسائل الفقهية، ص٧٢.
1 / 9
لأي مكلف من الرجال الأحرار المستوطنين أن يتخلف عنها، وهذا القول أظهر في الأدلة وأقرب إلى الصواب، ويسن للنساء حضورها مع العناية بالحجاب والستر، وعدم التطيُّب» (١)، وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين ﵀ في القول: إن صلاة العيد فرض عين: «وهذا عندي أقرب الأقوال» (٢)، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى القول بأن صلاة العيد فرض عين (٣)، وقال ﵀: «... ولهذا رجحنا أن صلاة العيد واجبة على الأعيان كقول أبي حنيفة وغيره، وهو أحد أقوال الشافعي وأحد القولين في مذهب أحمد» (٤)، واختاره تلميذه الإمام ابن القيم ﵀ (٥).
رابعًا: آداب صلاة العيد على النحو الآتي:
_________
(١) مجموع الفتاوى، ١٣/ ٧،وقرره ﵀ أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم ٥١٣.
(٢) الشرح الممتع، ٥/ ١٥١ - ١٥٢.
(٣) الاختيارات العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص١٢٣.
(٤) مجموع الفتاوى لابن تيمية، ٢٣/ ١٦١.
(٥) كتاب الصلاة للإمام ابن القيم، ص١١، وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ٨/ ٢٨٤.
1 / 10
١ - الغسل يوم العيد، ثبت من فعل الصحابة ﵃، فعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى (١).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ﵀ يقول: «لم يرد في ذلك حديث صحيح عن النبي ﷺ»، وقال العلامة محمد ناصر الدين الألباني ﵀: «وأحسن ما يستدل به على استحباب الاغتسال للعيدين، ما روى البيهقي من طريق الشافعي عن زاذان، قال: سأل رجل عليًَّا عن الغسل؟ قال: «اغتسل كل يوم إن شئت» فقال: لا، الغسل الذي هو الغسل؟ قال: «يوم الجمعة، ويوم عرفة (٢)، ويوم النحر، ويوم الفطر» (٣). وعن سعيد بن المسيب أنه قال: «سنة الفطر ثلاث: المشي
_________
(١) أخرجه مالك في الموطأ، كتاب العيدين، باب العمل في غسل العيدين، والنداء فيهما والإقامة، برقم ٢، وانظر: آثارًا نقلت في وقفات للصائمين، للشيخ سليمان بن فهد العودة، ص٩٧.
(٢) أي يوم عرفة للحاج.
(٣) قال في إرواء الغليل، ١/ ١٧٧: «وسنده صحيح» أي موقوف على علي ﵁.
1 / 11
إلى المصلى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال» (١).
قال الإمام ابن قدامة ﵀: «يستحب أن يتطهر بالغسل للعيد، وكان ابن عمر يغتسل يوم الفطر، وروي ذلك عن علي ﵁، وبه قال: علقمة، وعروة، وعطاء، والنخعي، والشعبي، وقتادة، وأبو الزناد، ومالك، والشافعي، وابن المنذر ...» (٢)، وقال ابن قدامة أيضًا: «وروي أيضًا أن النبي ﷺ قال في جمعة من الجمع: «إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل، وإن كان طيبٌ فليمسَّ منه، وعليكم بالسواك» (٣)، فلعل هذه الأشياء بكون الجمعة عيدًا؛ ولأنه يوم يجتمع الناس فيه للصلاة فاستحب الغسل فيه كيوم الجمعة، وإن اقتصر على الوضوء أجزأه؛ لأنه إذا لم
_________
(١) قال الألباني في إرواء الغليل، ٣/ ١٠٤: «رواه الفريابي وإسناده صحيح».
(٢) المغني لابن قدامة، ٣/ ٢٥٦.
(٣) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة، برقم ١٠٩٨، من حديث ابن عباس ﵄، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه،١/ ٣٢٦.
1 / 12
يجب الغسل للجمعة مع الأمر به فيها فغيرها أولى» (١).
٢ - يستحب أن يتنظف، ويتطيب، ويتسوك، كما ذكر في الجمعة؛ لحديث ابن عباس المذكور آنفًا، وفيه: «وإن كان طيب فليمسَّ منه وعليكم بالسواك» (٢).
٣ - يلبس أحسن ما يجد؛ لحديث ابن عمر ﵄ قال: أخذ عمر جبة (٣) من إستبرق (٤) تباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله ابتع هذه فتجمَّل بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله ﷺ: «إنما هذه لباس من لا خَلاقَ (٥) له» (٦)، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: «وهذا يدل على أن التجمُّل عندهم في
_________
(١) المغني لابن قدامة، ٣/ ٢٥٧، وانظر: زاد المعاد لابن القيم، ١/ ٤٤٢.
(٢) الحديث تقدم تخريجه في الذي قبله، وانظر: المغني لابن قدامة، ٣/ ٢٥٧.
(٣) جبة: ثوب جمعه: جبَبٌ وجباب. القاموس المحيط، ص٨٣.
(٤) إستبرق: هو ما غلظ من الديباج، والديباج: هي الثياب المتخذة من إبريسم. هدي الساري مقدمة فتح الباري لابن حجر، ص٧٨، وص١١٤.
(٥) من لا خلاق له، الخلاق: النصيب. تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص٤٢.
(٦) متفق عليه: البخاري، كتاب العيدين، بابٌ: في العيدين والتجمل فيه، برقم ٩٤٨، ومسلم، كتاب اللباس، باب تحريم لبس الحرير وغير ذلك للرجال، برقم ٢٠٦٨.
1 / 13
هذه المواضع كان مشهورًا ... وقال مالك: سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد، والإمام بذلك أحق؛ لأنه المنظور إليه من بينهم» (١). وقال الحافظ ابن حجر ﵀: «روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين» (٢)، وقال الإمام ابن القيم ﵀: «وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه، فكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة، ومرة كان يلبس بُردين أخضرين (٣)، ومرة بُردًا أحمر، وليس هو أحمر مُصمتًا (٤) كما يظنه بعض الناس، فإنه لو كان كذلك لم يكن بردًا، وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية فسمي أحمر باعتبار ما فيه من ذلك ...» (٥).
٤ - يستحب أن يأكل قبل خروجه إلى المصلى في عيد
_________
(١) المغني لابن قدامة، ٣/ ٢٥٧ - ٢٥٨.
(٢) فتح الباري، ٢/ ٤٣٩.
(٣) البُردُ: ثوب مخطط، القاموس المحيط، ص٣٤١.
(٤) مصمتًا: الثوب المصمت: هو الذي لا يخالط لونه لون. القاموس المحيط، ص١٩٩.
(٥) زاد المعاد، ١/ ٤٤١.
1 / 14
الفطر تمرات، والأفضل أن تكون وترًا، أما عيد الأضحى فالأفضل أن لا يأكل حتى يرجع من المصلى، فيأكل من أضحيته (١)، فعن أنس ﵁ قال: «كان رسول الله ﷺ لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وترًا» (٢).
وعن بريدة ﵁ قال: «كان النبي ﷺ لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي» (٣)، وقد قيل: الحكمة في الأكل قبل صلاة الفطر: أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد، فكأنه أراد سد هذه الذريعة، وقيل: لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى، ويشعر بذلك اقتصاره على القليل من ذلك، ولو كان لغير الامتثال لأكل قدر الشبع، وقيل: لأن الشيطان
_________
(١) زاد المعاد، ١/ ٤٤١.
(٢) البخاري، كتاب العيدين، باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج، برقم ٩٥٣.
(٣) الترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء في الأكل يوم الفطر قبل الخروج، برقم٥٤٢، وابن ماجه، كتاب الصيام، باب في الأكل يوم الفطر قبل أن يخرج، برقم١٧٥٦، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، ١/ ٣٠٢.
1 / 15
الذي يُحبس في رمضان لا يطلق إلا بعد صلاة العيد، فاستحب تعجيل الفطر بِدارًا إلى السلامة من وسوسته، وقيل: وقع أكله ﷺ في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما، فإخراج صدقة الفطر قبل الغدوِّ إلى المصلى، وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها، فاجتمعا من جهة وافترقا من جهة أخرى (١)، وذكر ابن قدامة ﵀ أن الحكمة من الإفطار يوم الفطر؛ لأن يوم الفطر حرم فيه الصيام عقب وجوبه فاستحب تعجيل الفطر؛ لإظهار المبادرة إلى طاعة الله تعالى، وامتثال أمره في الفطر على خلاف العادة، والأضحى بخلافه؛ ولأن في الأضحى شرع الأضحية، والأكل منها، فاستحب أن يكون فطره على شيء منها (٢).
٥ - يخرج إلى العيد ماشيًا وعليه السكينة والوقار، قال الإمام ابن قدامة ﵀: «وممن استحب المشي: عمر بن
_________
(١) انظر جميع هذه الحكم: فتح الباري لابن حجر، ٢/ ٤٤٧، ٤٤٨.
(٢) انظر: المغني لابن قدامة، ٣/ ٢٥٩.
1 / 16
عبد العزيز، والنخعي، والثوري، والشافعي وغيرهم» (١)، وقد جاء في ذلك أخبار: فعن سعد أن النبي ﷺ «كان يخرج إلى العيد ماشيًا ويرجع ماشيًا» (٢)، وعن ابن عمر ﵄ قال: «كان رسول الله ﷺ يخرج إلى العيد ماشيًا ويرجع ماشيًا» (٣).
وعن علي ﵁ قال: «من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيًا ...» (٤)، قال الإمام الترمذي ﵀: «والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم: يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشيًا، وأن يأكل شيئًا قبل أن يخرج لصلاة الفطر،
_________
(١) المغني، ٣/ ٢٦٢.
(٢) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشيًا، برقم١٢٩٤، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، ١/ ٣٨٨.
(٣) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشيًا، برقم ١٢٩٥، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، ١/ ٣٨٨.
(٤) الترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء في المشي يوم العيد، برقم ٥٣٠، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشيًا، برقم١٢٩٦، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، ١/ ٢٩٦، وفي صحيح ابن ماجه، ١/ ٣٨٨، وقد حسنه الترمذي، وذكر الألباني في الإرواء، ٣/ ١٠٣: أن له شواهد كثيرة أخرجها ابن ماجه من حديث سعد القرظي، وابن عمر، وأبي رافع، وقد ذكرتها في المتن.
1 / 17
ويستحب أن لا يركب إلا من عذر» (١)، وعن أبي رافع ﵁ أن رسول الله ﷺ كان يأتي العيد ماشيًا» (٢)، وعن سعيد بن المسيب أنه قال: «سنة الفطر ثلاث: المشي إلى الصلاة، والأكل قبل الخروج، والاغتسال» (٣).
٦ - السنة أن تُصلَّى صلاة العيدين في المصلى، ولا يُصلى في المسجد إلا لحاجة؛ لحديث أبي سعيد الخدري ﵁ قال: «كان النبي ﷺ يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة» (٤)، والمصلى بالمدينة قال عنه الحافظ ابن حجر ﵀: «هو موضع بالمدينة معروف بينه وبين باب المسجد ألف ذراع، قاله عمر بن شبة في
_________
(١) الترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء في المشي يوم العيد، بعد الحديث رقم٥٣٠.
(٢) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشيًا، برقم١٢٩٧، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، ١/ ٣٨٩.
(٣) ذكره الألباني في إرواء الغليل، ٣/ ١٠٤، وعزاه إلى الفريابي، وقال: «وإسناده صحيح»، وذكر الألباني أيضًا في الإرواء ٣/ ١٠٣ عن الزهري مرسلًا: «أن رسول الله ﷺ لم يركب في جنازة قط، ولا في خروج أضحى ولا فطر»،ثم قال الألباني ﵀: «وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات ولكنه مرسل» إرواء الغليل،٣/ ١٠٤.
(٤) متفق عليه: البخاري، كتاب العيدين، باب الخروج إلى المصلى بغير منبر، برقم ٩٥٦، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب كتاب صلاة العيدين، برقم ٨٨٩.
1 / 18
أخبار المدينة، عن أبي غسان الكناني صاحب مالك» (١).
وقال الإمام النووي ﵀ عن حديث أبي سعيد ﵁: «هذا دليل لمن قال باستحباب الخروج لصلاة العيد إلى المصلى وأنه أفضل من فعلها في المسجد، وعلى هذا عمل الناس في معظم الأمصار، وأما أهل مكة فلا يصلونها إلا في المسجد من الزمن الأول» (٢). قال العلامة ابن الحاج المالكي: «والسنة الماضية في صلاة العيدين أن تكون في المصلى؛ لأن النبي ﷺ قال: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» (٣)، ثم هو مع هذه الفضيلة العظيمة خرج ﷺ وتركه (٤)، وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: «السنة أن يُصلَّى العيد في المصلى،
_________
(١) فتح الباري، ٢/ ٤٤٩.
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم، ٦/ ٤٢٧.
(٣) متفق عليه: البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم ١١٩٠، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة، برقم ١٣٩٤.
(٤) المدخل، ٢/ ٢٨٣ نقلًا عن أحكام العيدين في السنة المطهرة، للشيخ علي بن حسن عبد الحميد الحلبي الأثري.
1 / 19
أمر بذلك علي ﵁، واستحسنه الأوزاعي، وأصحاب الرأي، وهو قول ابن المنذر» (١)، وقال ﵀ بعد أن ذكر بعض الأقوال المخالفة: «ولنا أن النبي ﷺ كان يخرج إلى المصلى ويدع مسجده، وكذلك الخلفاء بعده ولا يترك النبي ﷺ الأفضل مع قربه، ويتكلف الناقص مع بعده، ولا يشرع لأمته ترك الفضائل؛ ولأننا قد أُمرنا باتباع النبي ﷺ، والاقتداء به، ولا يجوز أن يكون المأمور به هو الناقص والمنهي عنه هو الكامل، ولم ينقل عن النبي ﷺ أنه صلّى العيد بمسجده إلا من عذر؛ ولأن هذا إجماع المسلمين» (٢).
وإن حصل عذر يمنع الخروج إلى المصلى: من مطر، أو خوف، أو ضعف، أو مرض، أو غير ذلك صلى في المسجد ولا حرج عليه إن شاء الله تعالى (٣).وسمعت شيخنا الإمام ابن باز ﵀ يقول: «فإذا أصاب الأرض دحض صلوا في المسجد، أما مكة فيصلى العيد في المسجد
_________
(١) المغني، ٣/ ٢٦٠.
(٢) المرجع السابق، ٣/ ٢٦٠.
(٣) انظر: المغني لابن قدامة، ٣/ ٢٦١.
1 / 20
مطلقًا، ومن صلى في المسجد صلى تحية المسجد» (١).
٧ - السنة أن يذهب إلى المصلى من طريق ويرجع من طريق آخر؛ لحديث جابر ﵁ قال: «كان النبي ﷺ إذا كان يوم عيد خالف الطريق» (٢).
وأعظم الحكم التي يعتمدها المسلم: متابعة النبي ﷺ، وهذه الحكمة أعلى حكمة يقنع بها المؤمن: أن يقال: هذا أمر الله ورسوله، ودليل ذلك قول الله تعالى (٣): ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا﴾ (٤)، وقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا﴾ (٥)، وقول عائشة ﵂ وقد سُئلت: لماذا
_________
(١) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم ١٦٦٠.
(٢) البخاري، كتاب العيدين، باب من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد، برقم ٩٨٦.
(٣) انظر: الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين ﵀، ٥/ ١٧١.
(٤) سورة الأحزاب، الآية: ٢١.
(٥) سورة الأحزاب، الآية: ٣٦.
1 / 21