قال: «إن سيدي الأستاذ قيم القصور حديث العهد في هذا القصر لا يعرف دخائله وسراديبه وممراته. وفي جملتها سرداب بينه وبين منظرة اللؤلؤة، ربما جاء عماد الدين فيه.»
فلما سمع ذكر منظرة اللؤلؤة أجل البحث إلى وقت آخر وختم الحديث بقوله: «على كل حال إن هذا القصر ليس فيه أحد من الرجال الغرباء الآن، وإذا كان فيه أحد فإنه لا يفلت منه، وسينال جزاءه؛ لأن مولاي السلطان أوصاني خيرا بالقصر وشدد علي بالمحافظة عليه لصيانة أهله. وإني شاكر للشريف أبي الحسن غيرته.»
فقطع أبو الحسن كلامه قائلا: «إني أفعل ذلك غيرة على النسب الشريف الذي يجمعني بأهل هذا القصر، ولكن لا بأس سيظهر الحق.» ثم خرج وهو يقول: «لقد أزعجناك الليلة بلا طائل.» وانصرف.
فلما خلا قراقوش بنفسه عاد إلى التفكير واستعاد ما سمعه من ذلك الغلام عن وجود الممرات والسراديب. وبعد إعمال الفكر ترجح له صدق التهمة، فرأى أن يرفع الأمر إلى صلاح الدين. فلما كان الضحى ركب إلى منظرة اللؤلؤة، ولكنه رأى أن يلقى صديقه ضياء الدين الهكاري ليستشيره في الأمر قبل الدخول على صلاح الدين؛ لأنه أصبح في أثناء ذلك أكثر مخالطة له منه. فلما وصل إلى المنظرة سأل عن الفقيه عيسى الهكاري، فقيل له إنه منفرد في غرفته. وهم الحراس أن يرحبوا بقراقوش ويبلغوا خبره إلى صلاح الدين، فأشار إليهم ألا يفعلوا وتحول عن فرسه وطلب غرفة الهكاري في بعض أطراف البستان. فلما علم الفقيه بقدومه وقف له ورحب به، وكانا صديقين اصطحبا في خدمة صلاح الدين وتعبا في إسناد الوزارة إليه بعد عمه كما تقدم. وهما يتفانيان في سبيل مصلحته.
رحب الهكاري ببهاء الدين قراقوش ترحيبا كثيرا وقال له: «ماذا جرى؟ إني لم أشاهدك من عهد بعيد، شغلوك بحراسة النساء وما أجدرك بقيادة الرجال.» وأشار إليه أن يجلس على وسادة فوق الطنفسة.
فجلس بهاء الدين وهو يقول: «إن حراسة النساء أصعب مراسا من قيادة الجند؛ لأنها تشتمل على حراسة النساء من الرجال. وأنت ماذا تعمل؟ هل دبرت شيئا جديدا في خدمة هذا السلطان العظيم؟ إني لا أذكر اسمه إلا ويتهلل قلبي فرحا.»
فقطع الهكاري كلامه قائلا بصوت خافت: «خصوصا لما تتذكر أننا استطعنا أن نضعه في هذا المنصب كما تعلم.»
فابتدره بهاء الدين قائلا بلهفة: «احذر يا صاح أن تقول هذا ويسمعك أحد؛ إذ ليس على الملوك أثقل وقعا من المن. والآن ماذا تفعل؟»
فضحك الهكاري وقال: «أنا ساع الآن في أمر لا أستغني فيه عن يدك. وإذا نجحنا فيه يحق لنا أن نفاخر بما أديناه من الخدم الجليلة للسلطان صلاح الدين.»
فتطاول بهاء الدين بعنقه نحوه وقال: «وماذا عسى أن نفعل فوق ما فعلناه، إنه سلطان مطلق وليس بعد هذا المنصب مطمع.»
Page inconnue