قال: «أتى الموكب، انظر نظرة عامة إليه في هذا الشارع الداخلي قبل خروجه.»
قال: «إني أرى الأعلام تخفق، والخيول تصهل، والرماح تتلألأ، والسيوف تلمع، والشارع يموج بمن فيه كالنيل في فيضانه. يا حفيظ! أشكرك يا عم حسن على هذه الفرجة ... قل لي الآن وقد أخذوا يخرجون من باب الفتوح، من منهم هو الخليفة؟ هل هو هذا الراكب على هذا الفرس الأشهب وعليه الثياب القصبية؟»
قال: «يظهر أنك لم تشاهد أحدا من رجال الدولة في حياتك. إن الذين يتقدمون موكب الخليفة كثيرون. وهل تظن الخليفة يلبس القصب؟ إنه لباس بعض أتباعه. أما الذين تراهم في مقدمة الموكب فهم الأمراء وأولادهم وأخلاط من العسكر، ووراءهم أرباب القصب ثم أرباب الأطواق والأساتذة وهم أكبر رجال الدولة. انظر إلى ألبستهم الفاخرة التي تأخذ بالأبصار وإلى سروج خيولهم المفضضة ومن في ركابهم من الخدم الأتراك وغيرهم. إن ذلك كله ليس شيئا بالنظر إلى موكب الخليفة. انظر. انظر، هذا هو موكب الخليفة عند تلك المظلة.»
قال: «إن المظلة تغطيه فلا أراه جيدا. وإنما أرى فرسه وما يحدق بها من الأعلام والفرسان بجانبه، من هم؟»
قال: «لا تستعجل في الاستفهام. إن الموكب يسير ببطء وأنا شارح لك كل شيء. هل ترى فرس الخليفة؟ تأملها جيدا إن سرجها من الديباج الأحمر مصوغ بالذهب ومنزل فيه الميناء، ولو تأملت مقدم السرج لرأيت عليه أحجارا كريمة. وفي عنق الفرس قلائد الذهب، ولو استطعت النظر إلى قوائم الفرس لرأيت حولها الخلاخل الذهب. ويقدرون كل فرس بما عليها من العدة بألف دينار، وأفراس الوزراء والأمراء أيضا في مثل هذا الترتيب وهي كلها في الأصل هدية من الخليفة يهبها لأمرائه في الأعياد.»
قال: «هنيئا لك يا عم حسن، لا بد أنك ذقت الركوب على هذه الأفراس وأنت من غلمان القصر الكبير.»
قال: «ذقت يا بني أشياء كثيرة كدت أنساها الآن. ورأيت جواهر ومصوغات تبهر العقل. فكيف بما يلبسه الخليفة؟ انظر إلى هذه المظلة فإنها تشبه الهرم بشكلها وهي من الديباج الأزرق السماوي وثوب الخليفة تحتها في هذا اللون أيضا. ولو كانت حمراء لكان ثوبه أحمر. انظر إلى الأهلة الذهبية التي تتدلى من حواشي المظلة وكيف أن أضلاع المظلة أو قوائمها ملبسة بالذهب. وفي قمتها رمانة ذهب كبيرة فوقها رمانة ذهب صغيرة مرصعة بالجواهر. انظر إلى لمعانها فإنه يخطف البصر.»
قال: «صحيح. ولكني لا أرى حامل المظلة. وكيف يستطيع حملها وهي ثقيلة؟»
قال: «إن حاملها راكب فرسه بجانب فرس الخليفة. وللمظلة قناة يركزها ذلك الفارس في قربوس فرسه. وهمه في أثناء الركوب أن يراقب موقف الخليفة من جهة الشمس بحيث لا تقع أشعتها عليه.»
قال: «وماذا يحدث إذا وقعت الأشعة عليه؟ ها أنا ذا أرى رأس الخليفة، فإن صاحب المظلة انحرف عنه. ما هذا الذي على رأسه؟» قال: «تمهل لأتم حديثي. انظر إلى هذه العمامة على رأس الخليفة فإنها بيضاء وشكلها إهليجي. وفي أعلاها فوق الجبهة حلية بشكل الهلال من ياقوت أحمر ليس له مثال في الدنيا، وفي وسط الهلال جوهرة عظيمة مشهورة يقال لها اليتيمة لا يعرف لها قيمة. ويقال إن وزنها 7 دراهم ووزن الهلال كله 11 مثقالا وبدائرة اليتيمة قصبة زمرد ذبابي له قدر عظيم.»
Page inconnue