إهداء
أسماء الممثلين
المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
إهداء
أسماء الممثلين
المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
صلاح الدين الأيوبي
صلاح الدين الأيوبي
تأليف
نجيب الحداد
إهداء
إلى سيدي الخال الفاضل الشيخ إبراهيم اليازجي فسح الله في أيامه
هذه أول رواية تمثيلية وضعتها من عند نفسي، غير مستند على التعريب فيها، أتجاسر أن أرفعها إلى مقام علمك الباهر هدية على مقدار مهديها؛ جريا على آثار من تقدمني من الأدباء في الإهداء، وإن خالفتهم في السنة التي جروا عليها من التماس القبول، وهم يريدون التماس العطاء، ومن أنهم يقدمونها للأمراء تشريفا لها بأسمائهم، وهم يقصدون غير تشريف الأسماء، فإنه يكفيني من إهدائها أن تحوز من لديك نظر قبول وإقبال، ويكفيها أن يكون اسمك المحبوب في صدرها عنوان كمال، وإن فاتتها حقيقة الكمال؛ فإنما هي تقدمة تلميذ استعان على تأليفها بما اقتبسه عنك، فإن أخطأ فخطأه منه، وإن أصاب ففضل الإصابة منك، وغاية سؤلي أن تقبلها على علاتها؛ فحسنها من رضاك القبول، ونهاية مأمولي أن تغض الطرف عن هفواتها، فقد عودتني أن لا يخيب لي عندك مأمول، والله أسأل أن يطيل بقاءك للأدب، وآله إنني أخلص سائل وهو أكرم مسؤول.
ابن أختك المخلص
نجيب الحداد
أسماء الممثلين
صلاح الدين:
سلطان العرب.
عماد الدين:
نديمه.
بكر، زيد، خالد، حسان، عامر:
وزراؤه.
ريكاردوس قلب الأسد:
ملك الإنكليز.
ملك فرنسا، ملك النمسا.
الماركيز دي منسرات:
مزاحم وليم على جوليا (شاب).
وليم:
عاشق جوليا (ويظهر ولي عهد اسكوتلندا).
الملكة:
امرأة قلب الأسد.
جوليا:
أخت قلب الأسد.
مارتين:
خادم جوليا.
ديفو:
نديم قلب الأسد.
الكونت دي ملبورن:
سفير اسكوتلندا.
ضابط إنكليزي.
أوجين:
خادمة جوليا.
خدم وأتباع وجنود على قدر الإمكان.
المقدمة
هي رواية أخذت قاعدة موضوعها عن بعض التواريخ الصليبية، مما جرى بين السلطان صلاح الدين الأيوبي والملك ريكاردوس قلب الأسد، ومن كان معه من الملوك المحالفة، حفظت فيها الأصل التاريخي ما أمكن في نسق حوادثه وبيان أحوال رجاله وأخلاقهم في ذلك العهد، وزدت عليه ما لا بد منه لكل رواية من أحاديث الغرام وفكاهة الصبابة والغزل؛ مما تتلاحم به فصول الرواية وأجزاؤها، ويكون داعية إلى إقبال القلوب واشتغال الخواطر والأفكار واستمرار عقدة الموضوع إلى آخرها بين الخوف والرجاء كما هو الشأن المألوف في هذا الفن.
وما أدعي لنفسي أنني بلغت الغاية التي تراد من الإتقان والكمال في هذا القصد، ولكنني اجتهدت في أن أبلغها أو طرفا منها؛ فإن فاتني فضل الإجادة وبلوغ المراد؛ فما فاتني عذر النية الحسنة وحق الاجتهاد، ولقد مضى على وضع هذه الرواية وتمثيلها مدة، وكثير من الإخوان يطالبني بطبعها، وأنا أنازعهم في ذلك علما بما فيها من القصور في التصنيف، والوقوف دون الحد الذي يتقاضاه الإبداع في هذا العلم، وبأن ما يجوز من الهفوات على مسرح التمثيل بما يخفيه من سرعة إلقائه، وزخرف تمثيله لا يجوز على القارئ اللبيب والمنتقد البصير في قراءته وانتقاده، حتى لج داعي الطلب من الإخوان وغلب على جانب العذر واجب الإجابة والإذعان؛ فلبيت إلى طبعها كما أشاروا، بعد أن أصلحت فيها ما بلغ إلى إصلاحها النظر الضعيف، وتداركت من هفواتها ما تمثل لي على مسرح التمثيل ووجه التأليف، وأنا أرجو من الواقفين عليها أن يغضوا الطرف عما بقى فيها من الخلل، وأسأل الله أن يوفقنا إلى ما به خدمته ورضاه، إنه الموفق في كل قول وعمل.
الفصل الأول
المنظر الأول (في معسكر صلاح الدين)
الجزء الأول
صلاح الدين :
إن لم أصن بمهندي ويميني
ملكي فلست إذا صلاح الدين
تحمي الممالك ربها أما أنا
فأريد أحمي الملك لا يحميني
زعم الفرنج بأنني أعنو لهم
كرها وأرضى صفقة المغبون
وأعود عنهم تاركا ملكي الذي
أهداه لي ربي الذي يهديني
قد غرهم ماضي انتصارهم الذي
عرفوه قدما قبلما عرفوني
حتى كأنهم نسوا ما كان في الإسك
ندرية عندما شهدوني
لما رددت الخيل دامية الطلى
وهزمتهم مثل الظباء العين
وفتحت ما قد أغلقوا وحللت
ما قد أوثقوا وعدلت إذ ظلموني
وأخذت غزة والشآم وساحت ال
بيت الحرام الطاهر الميمون
بيت له أسرى الرسول فكان لي
بيتا أقيه من العدى ويقيني
ملك وصلت إلى ذراه مجاهدا
فيه بنصر كالصباح مبين
مارسته وأنا ابن عشرين وقد
نافت سني به على الخمسين
لكنني ما زلت صاحب عزمة
أرمي بها الغارات إذ ترميني
ليس المشيب بخافض العالي ولا
سن الشباب برافع للدون
أنا مثل نصل السيف أخلق غمده
من طول ما صقلته كف قيون
هادنتهم كرما لحقن دمائهم
طوعا لشرع إلهي المسنون
مع ذاك لست بمنكر أبطالهم
وشديد بأسهم ولو نكروني
فلقد رأيت لهم بساحات الوغى
هجمات ليث دون باب عرين
رهنا تكون شجاعة الأبطال إذ
يبدو قرين منهم لقرين
لا خير في نصر الشجاع إذا بدا
منه على ذا الضعف أو ذي الهون
لكنما فخر الشجاع بنصره
قهرا على ذي عزة مأمون
وأنا بهذا أزدهي وستظهر ال
أيام من منا يقول خذوني
الجزء الثاني (صلاح الدين - عماد الدين)
صلاح الدين :
ما وراءك يا عماد الدين؟
عماد الدين :
جيش يا مولاي يهدر كالبحر الزاخر وقد مل من هذه الهدنة حتى اشتاق إلى القتال، وأمره معقود بلفظة من ألفاظك فمتى تأمر به؟
صلاح الدين :
تعلم يا عماد الدين أن الإفرنج هم الذين طلبوا الهدنة فهم الذين يجب أن يبدأوا بقطعها، وفوق ذلك فماذا تنفع الحرب ونحن قد حاربناهم حتى مللنا وملوا؛ وذهب من رجالنا ورجالهم عدد كثير سالت نفوسهم على شرفات السيوف وظبى الرماح في سبيل الله وجهاده؟ ألا تعلم أنني أفضل هذه الهدنة على القتال؟
عماد الدين :
وكيف ذلك يا مولاي؟
صلاح الدين :
ذلك أنني أرجو أن يعقبها صلح وسلام ترجع به السيوف إلى أغمادها، أو أن يطول أمرها فيقع الشقاق بينهم فيختلفوا؛ فيكون لنا من اختلافهم تمام النصر غير أن نسفك دماء الرجال؛ لأنك تعلم أنهم قوم كثير والملوك والرؤساء وكل منهم يدعي السيادة لنفسه، وينازعها أخاه، ومن كان ذلك أمرهم فإن القتال إليهم أقرب من نصال سيوفهم إلى أغمادها، ولعلهم لا يطول شأنهم حتى يثور فيهم الشقاق؛ فينهض بعضهم على بعض، ويكفينا العدو حرب العدو.
عماد الدين :
إنها سياسة حسنة يا مولاي، وبها بلغت الملك لا بالسيف وحده، ولكنني أرى أنهم متفقون على رئيس قد جعلوه سيد أمورهم وولي شئونهم، وهو قلب الأسد صاحب جيش الإنكليز؛ لأنه أشدهم بأسا وأصدقهم عزيمة، وله قوة هائلة وشأن خطير.
صلاح الدين :
طالما سمعت عن بأس هذا الملك، وطالما رأيته في ساحة الوغى غارقا في حديد درعه وهو يضرب بسيفه الطويل حتى لقد أحببته، وملت إليه، وودت أن يجري لي معه حديث، وأن أرى وجهه في مقابلة بيني وبينه.
عماد الدين :
أنت يا مولاي تميل إلى مثله؟
صلاح الدين :
نعم. فما يحب الشجاع إلا الشجاع، ولا يميل إلى العظيم إلا العظيم؛ فخل الغيرة والحسد إلى قلوب النساء، فما نحن إلا رجال، ومع ذلك فكيف تحسبني أميل إليه؟ ألا تعلم أنني أحب أن أراه خصمي في ساحة الحرب، ومنازلي في معترك الخيل، وإنني إذا أردت النصر فعليه، وإذا رغبت فخرا في قتال فلكي أنال ذلك في قتاله؟ وإلا فأي فخر لصلاح الدين إذا لم يقهر أبطالا ولم تنازله أبطال؟ وفوق ذلك فإنهم إذا كانوا قد جعلوا هذا الملك رأسا لهم؛ فإنه لا يمنع اختلاف أحوالهم واضطراب أمورهم، وما هي إلا نار يغطيها رماد، وسينكشف لك لظاها متى نسفت ريح الحسد رمادها عن قلب ملك فرنسا وملك النمسا وغيرهما من ملوك هذا الجيش الذي لم أر أحدا منهم رضي بقلب الأسد إلا بلسانه، ولا سلم بإقامته رئيسا إلا خجلا من إخوانه، وأقل كلمة بينهم تظهر الحقد من خباياه؛ فيكشف بها كل واحد منهم عن دخائل لبه، وباطل نياته، بل هم ليسوا على اتفاق إلا في ساعة الصدام، ولكنهم متى رجعوا إلى أنفسهم فكل واحد منهم الملك الهمام؛ فلا يغرنك منهم هذا السكون الآن، فيا ويل القتال من القتال.
عماد الدين :
ولكن ألا يعلم مولاي السلطان أسباب هذه الهدنة؟
صلاح الدين :
ذلك ما لم أعرفه إلى الآن، ولا بد أن يكون له سر خفي ستظهره لنا الأيام، ومهما يكن من أمر هذه الهدنة فلا خوف علينا منها؛ لأننا في بلادنا، ومنازلنا بين قومنا وعشائرنا، ولكن الخوف عليهم لأنهم غرباء، ولكل ملك منهم مملكة تدعوه شئونها وأحكامها، بل لكل رجل منهم أهل وأوطان يشتاقها ويصبو إليها، ولا بد من أن ينتهي أمرهم إلى ما قلت لك من الشقاق والنفور ... ولكن من بالباب.
الجزء الثالث (صلاح الدين - عماد الدين - خادم)
خادم :
الشعراء يا مولاي ومعهم مدائح السلطان.
عماد الدين :
أفي مقام قصائد نحن؟ وهل هذا موضع الشعراء؟!
صلاح الدين :
إن السلطان سلطان يا عماد الدين في السلم والحرب، والشعراء شعراء في كل حال، فلا ينبغي أن يشغلنا عنهم زمان ولا مكان؛ فإنما هم ناشرو فضلنا، وألسن مدائحنا، والمخلدون لتذكارنا على أعقابنا، وكفى من فضلهم علينا أنهم لا يذكرون لنا إلا الحسنات، وما ظنك بهرم لولا سنانه؟ والرشيد لولا أبو نواسه؟ بل ما ظنك بسيف الدولة لولا متنبيه وأبو فراسه؟! الشعراء يا عماد الدين زينة مجالسنا، ومؤرخو أعمالنا، وفاكهة ندمائنا، وأدلاء فضلنا ومآثرنا، وحكماء عصورنا وممالكنا، وقد وصفهم رسولنا
صلى الله عليه وسلم
وامتدح شعرهم فقال: «إن من الشعر لحكمة» وقصارانا أو نقتدي برسول الله ونعم المقتدى.
يا غلام، قم بواجب إكرامهم إلى أن أحضر، وقل للوزراء والقواد أن يدخلوا (يخرج الخادم)
وأنت أيها الصديق فاكتم ما دار بيني وبينك من أمر الهدنة والأمل بانشقاق العدو وخلافه؛ فإني أخشى أن يفشو ذلك في الجيش فتوهن عزائمهم ويتولاهم الغرور والانخداع في نفوسهم، ويتكلوا في أمرهم على هذا الأمل من عدم القتال، وقد لا تصدق الآمال فتسوء العقبى وينقلب المصير.
الجزء الرابع (صلاح الدين - عماد الدين - بكر - عامر - خالد - زيد - حسان)
صلاح الدين :
لقد دعوتكم لأسألكم عما في أيديكم من أمر الجيش، وأمر الرعية، وأنا واثق من أنكم قائمون في شئونكم قياما تشكرون عليه، وتؤجرون من بعده، ولكنني أريد أن أزيد في حضكم على الزيادة في أعمالكم، فكيف حال الجيش يا بكر؟
بكر :
بخير يدعون لمولانا السلطان، وكلهم رهن أمره وإشارته.
صلاح الدين :
لقد جلت فيهم أمس متنكرا فسمعت أحدهم يشتمني ويندد بي.
عامر :
يشتم السلطان؟!
صلاح الدين :
نعم، ويزعم أنه ذو عيلة وأن راتبه قليل لا يكفيه.
خالد :
إنه يستحق الموت.
صلاح الدين :
لم تصب أيها الوزير، بل هو يستحق إجابة طلبه وإمساك لسانه عنا؛ فإنما نريد أن ينقاد إلينا الجند عن محبة لنا لا عن خوف منا، فابحث عنه أيها القائد، وزد في أجرته، فإنه يدعى سالم بن حسان، ولا تخبره أن ذلك كان من قبلي؛ وأنني علمت بالأمر لئلا يكبر ذلك عليه، وأنت أيها الوزير، قد أمسكت أمس رجلا كان يحاول قتلي، فأطلق الآن سراحه؛ فإنني أعفو عنه وقل له ذلك عني، وأنت قد سلمت إليك أمر الرجل الذي شكا إلي من خصمه، فأنصف بينهما فالعدل أساس الملك.
حسان :
ما هذا الملك العظيم الماجد؟ أيعطي ويعفو ويعدل في حين واحد؟!
زيد :
لا تعجبن فكم له من مثلها، والشيء من مأتاه لا يستغرب.
صلاح الدين :
ماذا تقول يا زيد، ويا حسان؟
حسان :
نذكر ما رأينا من العدل.
زيد :
نمدح أعمال السلطان.
صلاح الدين :
لا مدح على الواجب؛ فكلنا في قضاء الحق أعوان، ولعمري إذا لم يكن الملك مصدر العدل والعفو والإحسان؛ فمن يقدر أن يفعل ذلك ومن يرجو الخير من الإنسان!
الخادم :
مولاي بالباب رسول من قبل الإفرنج.
صلاح الدين :
قل له أن يدخل، ماذا عساه أن يحمل إلي؟
الخادم :
إنه أبى أن ينزع سيفه كما هي العادة.
صلاح الدين :
خل سيفه عليه؛ فنحن لا نخاف السيوف (يدخل وليم) .
الجزء الخامس (المذكور - وليم)
وليم :
السلام عليك أيها السلطان ورحمة الله وبركاته.
صلاح الدين :
وعليك السلام أيها الرسول، إنني أراك تحسن العربية.
وليم :
قد درستها يا مولاي حق دراستها؛ فوجدتها من أتم لغات الدنيا وأكملها إتقانا في أنواع البلاغات، لو لم يكن فيها إلا قرآنكم الشريف لكفاها فخرا في الفصاحة على كل اللغات.
صلاح الدين :
يسرني أن أرى فيكم ذلك معاشر الإفرنج، فإنكم تعرفون الصواب، والآن فماذا تريد؟
وليم :
إن مولاي قلب الأسد مريض بالحمى.
صلاح الدين (بنفسه) :
قد عرفت الآن سبب الهدنة.
وليم :
وقد أرسلتني امرأته الملكة، وأخته الأميرة جوليا أستأذنك بالسماح لهما بزيارة دير هنا وراء معسكركم؛ تسألان الله فيه شفاء المريض.
صلاح الدين :
قد أذنت لهما، فاذهب يا بكر مع الرسول، ورافقهما إلى حيث تريدان، وإذا مسهما سوء فأنت مسئول عنه؛ فإن الضيف يجب أن يكرم.
وليم :
وقد أرسل لك سيدي الملك هذا الكتاب.
صلاح الدين :
سأنظر فيه. اخرجوا عنا الآن (يخرج الجميع إلا عماد الدين) .
الجزء السادس (صلاح الدين - عماد الدين)
صلاح الدين (بعد أن يقرأ الكتاب) :
ما بالك لم تخرج معهم؟
عماد الدين :
أنا خارج عن هذا الأمر.
صلاح الدين :
إذن أنت تدري أنني أحبك يا عماد الدين.
عماد الدين :
نعم يا مولاي؛ لأنني أحبك أنا أيضا، والقلب دليل على القلب؛ ولكنني خائف من أن يكون في زيارة هذه الملكة سر يعود إلينا بالشر؛ فكيف ترى؟
صلاح الدين :
إننا لا نخاف منهم رجالا
أترانا نخاف منهم نساء
قد رأوا من قتالنا ما ثناهم
عن لقانا أو أن يعيدوا اللقاء
يفعل الله ما يشاء فلا تج
زع وكن شاكرا لما قد شاء
إنني قد عزمت عزما ستدري
ه وأرجو أن لا تزيل الخفاء
وسألقي عليك ما قد حوى ال
قرطاس فاذهب لنسمع الشعراء
المنظر الثاني (في ساحة أمام دير)
الجزء السابع (جوليا - أوجين)
أوجين :
سيدتي ما بالك حزينة واقفة في هذا المكان، ألا تتبعين الملكة إلى الهيكل، وتطلبين شفاء الملك كما تفعل الآن؟
جوليا :
آه يا أوجين، إنك لا تعرفين سبب أحزاني، ولو علمت لعذرتني على مصابي وأشجاني، بل رأيت أنني أحق بالبكاء من أخي قلب الأسد، لأنني مريضة القلب يا أوجين، وما هو إلا مريض الجسد، ولا يبعد أن يزول مرضه ويشفى من هذا الداء، أما أنا فهيهات أن يكون لي دواء، وإن كان فهيهات أن يكون لي منه شفاء.
أوجين :
سيدتي لقد مضت عليك شهور، وأنت تكتمين أمرك عني، ألست أنا رفيقة صباك، فما بالك تخدعينني، وأنت كأنك تخافين مني؟
جوليا :
هل قلت لهذا الفارس الذي أوصلنا أنني أريد أن يأتي وأن أراه هنا؟
أوجين :
نعم قد أمرته بحسب أمرك، ولكن ما معنى هذه المقابلة وما أدخل هذا الفارس في سرك؟
جوليا :
إن عليه يتوقف هنائي أو مصابي، وهو وحده سبب سروري بل سبب حزني واكتئابي، فإنني لا أكتم عنك ولا أخجل إذا بحت بالغرام؛ فأنا أحبه يا أوجين وليس الحب بحرام.
أوجين :
أنت تحبينه ...؟
جوليا :
نعم، فإن جوليا ابنة الملك العظيم، وأخت الملك القادر، قد أحبت هذا الفارس الجميل وخضعت لأوامر حسنه الباهر، فاعجبي من سلطان الغرام، واعلمي أن الحب هو الحاكم الآمر.
أوجين :
سيدتي، ما هذا الكلام؟! بل ما هذا الغرام؟ أنت تتنازلين عن مقامك إلى مثل هذا المقام، ألا تعلمين أنك ابنة ملك وأخت أمير، فكيف تعشقين أحد أصاغر النبلاء، ومن يسمح لك بذلك؟
جوليا :
إني أعرف ذلك يا أوجين، ولكن ليس في الحب سلطان ولا نبيل؛ بل إن السلطان فيه من كان كريما جميلا، وهو ذلك الفارس الجميل، ولا تحسبي أنني غير نادمة على حبي إياه، بل أنا أعلم أنني مجرمة في كوني أحبه وأهواه؛ لأن نسل المقام له مقام لا يجب أن يدانيه أحد، فكيف بمن كانت مثلي ابنة ملك إنكلترا وأخوها قلب الأسد! آه يا أوجين، لو تعلمين كم أتمنى ألا أكون قد عرفت هذا الإنسان، بل كم أتمنى أن أكون في أبعد دركات الذل، وأدنى حالات الهوان؛ حتى لا يمنعني عنه رعية، ولا يمنعه عني سلطان، بل كم تمنيت أن أفقد سنين من عمري، وأن أنحط بمقدارها درجات من رفعة قدري، ولكن كل هذه أماني باطلة لا تنال، والحقيقة أنني عاشقة لا أمل لها، وأشد الحالات قطع الآمال. يا رب، لماذا لا تكون الناس طبقة واحدة في المقام؟ بل لماذا لا يكونون طبقات متفاوتة في القلوب والغرام؟ فقد كان يجب أن تكون القلوب على حسب المراتب والشأن؛ حتى لا يعشق الوضيع إلا الوضيع ولا السلطان إلا السلطان.
أوجين :
كم أشفق عليك يا سيدتي من هذه الأحزان، ولكن إذ لم يكن لك به أمل فما هذه المقابلة الآن.
جوليا :
هي تعلة ساعة يا أوجين، أعلل بها قلبي الولهان، وما أدري لعل الدهر يرفع الناس على حسب الاستحقاق؛ فيكون حبيبي أميرا عظيما بما حواه من حسن الصفات ومكارم الأخلاق.
أوجين :
أنا ذاهبة عنك يا سيدتي؛ فإنني أسمع وقع خطاه.
جوليا :
اذهبي وأخبريني بقدوم الملكة، حتى لا تراني وإياه.
الجزء الثامن (جوليا - وليم)
جوليا :
هل بلغك أمري أيها الفارس أني أريد أن أراك؟
وليم :
إني أتيت إليك طوع غرامي
فهو الذي يقتادني بزمام
حب أطيع لأمره متسترا
بالطوع خوف ملامة اللوام
فأنا مطيع طاعتين لأمرك العالي
وللسن البديع السامي
فمري بأيهما أردت فإنني
عبد إن عبد هوى وعبد مقام
جوليا :
إني دعوتك كي أراك فلا تزد
فيما تقول عن الهوى آلامي
فأنا أحبك لست أخشى اللوم من
نفسي فخذ حبي ودع إكرامي
واكتم غرامي فهو شؤم أمره
ولقد يعود عليك بالإعدام
وليم :
يا حبذا الإعدام لكن ما ترى
أرجو فعيشي الآن مثل حمامي
عيشي إذا أبعدت عنك منيتي
ومنيتي في أن أراك مرامي
إن لم يكن ما بيننا نسب فلا
بدع فلي قلبي وحد حسامي
قلب حويت به هواك وصارم
سأنال منه رئاسة الأقوام
يكفي فؤادي أنه لك عاشق
شرفا ويكفيني المقام غرامي
جوليا :
ويلاه ما أمر الشرف الذي يبعدني عنك، بل ما أحلى الحب الذي يقربني منك، ولكن ما لنا ولهذا الشرف؛ فهو وهم باطل، ولندع كل شيء غير الوداد، فهو الصحيح الحاصل، ويكفيني إذا لم تجمع الأيام بيننا بعقد القران أن يجمع الحب بين قلبينا وأن يكون حبيبي فارس الفرسان.
وليم :
لا تجزعي أيتها الحبيبة؛ فغدا تدور رحى الحرب، وإذا لم أقدر على أخذك في ميدان الشرف، فأنا آخذك في معترك الطعن والضرب.
جوليا :
بالله أيها الحبيب لا تعرض نفسك للخطر، واصرف عن فؤادك أميرة حزينة حكم عليها القدر، وعش سعيدا بالبعد عني؛ فإنه يكفيني أنك تهواني، وقد كفاني أنك شاركتني في فؤادي، فلا تكن شريكي في أحزاني.
وليم :
لا يا سيدتي بل اتركي الحزن والتعاسة علي؛ لأنه شتان بين أن أنظر إليك وأن تنظري إلي؛ أنا أنظر إليك نظرة طامع يمد طرفه إلى الشمس في علائها، وأنت تنظرين إلي نظرة الراحم كما تشرق الشمس على الأرض من سمائها، فابقي في مقامك وعزك، ودعيني في حزني وذلي، فإن لك أسوة بالملكات قبلك ولي أسوة بالعاشقين قبلي، وقصارى القول أني أركع على قدميك وأضع على يدك قلبي وودادي، هذه أول مرة لمست يدك ...
جوليا :
ولكنها ليست أول مرة لمست بها فؤادي.
وليم :
آه، ما أجمل هذه اليد، وما ألطف هذا الخاتم فيها، إن مهجتي مثله في يدك، وهي رهن أمرك فمتى شئت فاطلبيها.
جوليا :
أنت أسد يا حبيبي في ملابس الفرسان.
وليم :
وأنت ملك يا حبيبتي في صورة إنسان.
جوليا :
آه، كيف يفرق الشرف الجسمين وما هذا الوهم؟
وليم :
ويلاه، كيف يجمع الغرام القلبين وما هذا الحكم؟
جوليا (تشير إلى الهيكل) :
إني أقسم بهذا الهيكل المقدس أن الشرف لا يفرق بين قلبينا.
وليم (يشير إلى جسمها) :
وأنا أقسم بهذا الهيكل الشريف أن هذا السيف يجمع بين جسمينا.
جوليا :
لماذا لا نهرب معا أيها الحبيب، ونفارق هذه البلاد؟
وليم :
ماذا؟ ... أنا أهرب بك وأترك هذه الحرب وهذا الجهاد! لا يا سيدتي، فإني قد نذرت أن أجاهد في سبيل الله، وها أنا أجاهد في سبيله، وفي سبيل من أهواه، أنت تدرين أني من إيكوسيا ولا أمر لأخيك علي، ولكنني قد أويت إلى لوائه لأجلك، فإن أخا الحبيب حبيب لدي، فكيف أتركه وأترك رجاله الأمناء، ولم يسئ أحد منهم إلي. فاصبري يا سيدتي فكل حال لا بد أن تتحول، ولا بد أن يصل القدر إلى الأخير كما وصل إلى الأول ...
ولكن من أرى، هذا صلاح الدين السلطان، فادخلي يا سيدتي إلى الهيكل، وأنا أتوارى عن هذا المكان.
الجزء التاسع (صلاح الدين - عماد الدين)
صلاح الدين :
هذا هو الهيكل الذي دخلته الملكة، ولننظرها لنؤدي لها واجب الإكرام والضيافة؛ وقد قيل لي: إن معها أخت الملك، وأنا أريد أن أراها.
عماد الدين :
وأي دخل يا مولاي لأخته في هذا الشأن؟
صلاح الدين :
ألا تذكر الكتاب الذي أتاني من أخيها، ألا فهو قد كتب لي فيه أنه مريض في حالة الخطر، وأنه يريد أن يضع حدا لهذه الحرب التي لم تبق ولم تذر، وأنه يود أن تكون نهايتها بسلم، وأن يكون ذلك بقضائي، وهو يعرض علي لتأكيدها أن آخذ أخته لتكون من نسائي.
عماد الدين :
أتأخذ أخته يا مولاي، أتأخذ نصرانية؟
صلاح الدين :
وأي مانع في ذلك، وهي لا كافرة ولا وثنية؟! ألا تعلم أن النصارى أقرب الناس إلينا، وأننا إذا دخلنا معهم في شأن كان لهم ما لنا، وعليهم ما علينا؟ أولم تسمع ما قاله الله في كتابه الكريم:
ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون
وفوق ذلك فما هم إلا جيراننا المقربين، تجمعنا بهم وحدة المكان إن لم تجمعنا وحدة الدين، ولا عبرة بهذه العداوة الحاضرة؛ فإنها حرب ستنقضي بعد حين، وإننا وإياهم جيرة، وإنما نحن كلنا من ماء وطين، والآن فقد عزمت على أن أرى في أمر السلام، وسواء أخذت أخت الملك أم لم آخذها؛ فقد آن لنا ولهم أن نكف عن الصدام، وفي قصدي أن أزور هذا الملك المريض فأداوي سقامه، فإن دام السلام كان صديقي، وإن ثارت الحرب قابلت فيها حسامه؛ لأنه يعز علي أن يموت هذا البطل من غير طعني وضربي، كما يعز علي أن يسلم من غير دوائي وطبي؛ فأبق هذا في سرك الآن؛ فإني أرى الملكة مقبلة بأتباعها إلى هذا المكان.
الجزء العاشر (صلاح الدين - عماد الدين - الملكة جوليا - أوجين - وليم - أتباع حراس من نساء ورجال)
صلاح الدين :
إنه يسر صلاح الدين يا سيدتي أن يستقبلك في هذا المقام، وأن يقدم لك في ملكه ما يجب لملكك من التعظيم والإكرام ، فإننا كما حاربنا زوجك الملك في معترك النزال، نقدر أن نقوم بواجب حقك في موقف الاحترام والإجلال؛ فإن النساء جديرات بإكرام الوفادة في مواطن الاستقبال، كما أن الرجال جديرون بضرب الصوارم في ساحات القتال، فمري أيتها الملكة بما تشائين؛ فأنت صاحبة الأمر في هذا المكان، كما أرجو أن يكون لي مثل ذلك إذا سمح لي بزيارتكم الزمان.
الملكة :
يعجبني يا سيدي، أن أرى في ملوك المسلمين مثل هذه الشهامة؛ فإنني لم أكن أنتظر منك هذه التجلة والكرامة.
فأنت بالعدل قد أصبحت سلطان هذه البلاد، وعسى أن تنقضي هذه الحرب بيننا فنرجع إلى الصلح والوداد.
صلاح الدين :
وأنا أرجو أن تبلغا الملك سلامي؛ فإن مرضه قد ساءني كما ساء سراة أقوامي؛ لأننا نحب أبطال الرجال لأجل الهدنة والمسالمة، مثلما نحب أن ننال الفخر بقتالهم في ساحات الفتنة والمصادمة. (لوليم)
وأنت أيها الفارس، فقل له: إنني سأجيبه على كتابه، وإنني سأنظر فيما عرضه علي، ولا يبعد أن يرجع بيننا السيف إلى قرابه، ولعل الدهر لا يبخل علي فأراه بعد حين، فاذهبوا الآن بالسلامة؛ فأنتم في ذمام صلاح الدين.
الفصل الثاني
المنظر الأول (خيمة ريكاردوس قلب الأسد)
الجزء الأول (ريكاردوس (مريض على سريره) - ديفو (جالس بجانب السرير))
ديفو :
يعز على الناس قلب الأسد
بأن يبصروك مريض الجسد
وأنت إمامهم المرتضى
وأنت رئيسهم المعتمد
تقابل عنهم سيوف العدو
وتمنع عنهم زحام العدد
وتحميهم من صروف الزمان
كأنك درع لهم من زرد
مرضت وأنت فؤاد الجميع
فأضحى جميع الورى في كمد
فأخمدت الحرب نيرانها
وأطفئ من جمرها ما اتقد
وعادت نصال الظبى للغمود
كأن لم تسل ولم تستحد
شديد علي بأن ألتقيك
طريح الفراش قليل الجلد
وقد كنت ألقاك قطب القتا
ل ليث النزال ورب المدد
فليتك كنت سليما لنا
وكان جميع الورى في نكد
فإنك تغني غناء الجميع
وشخصك لم يغن عنه أحد
ريكاردوس (يفيق) :
صديقي أنت هنا واقف؟
ديفو : ... نعم، أنا أحرس قلب الأسد، وأدعو له بالشفاء القريب.
ريكاردوس : ... هيهات برح سقمي وجد .
فلا تحسبن أني جزوع
من الموت أو خائف إن وفد
ولكنني قد مللت الفراش
وترك قتال عدوي الألد
لذلك صممت أن أنتهي
إذا لم يكن لمماتي مرد
ديفو :
وكيف تنتهي يا مولاي؟
ريكاردوس :
أترك هذا القتال، ألم تر كيف أن الملوك أصحابي أوقفوا الحرب والنزال؟ ألم تبصر كيف دار بهم سكر الغرور والكسل، وكيف سلموا أنفسهم إلى السلم، واستطابوا هذا التوقف والفشل؟ أقادمون نحن إلى مسرات وشرب راح؟! ألا يعلم كل واحد منهم أنه هجر وطنه للحرب والكفاح؟ أإذا مرضت إنما يمرض الجيش بأسره؟! آه أيها الصديق، ما هذا السكوت الطويل؟ لقد حرت في أمره!
ديفو :
رويدك يا مولاي، ألا تعلم أنك القلب والرأس؟ فإذا مرض القلب فكيف تنشط الأعضاء، وكيف تتحرك الحواس!
ريكاردوس :
كفى يا ديفو؛ فإن الملك يحسب رأسا يدير الأعضاء، متى كان في عنفوان صحته، أو يعد من الأحياء، أما أنا فقد صرت كما تراني أليف الداء عزيز الدواء؛ فليفرض الخائنون أنني قضيت نحبي الآن، ولينظروا ملكا غيري يكلون إليه أمرهم في هذا الشأن، آه يا صلاح الدين! ما أشد خجلي منك! وكم أخجل عن هذا الجيش الجرار أن يرجع عنك! من لي بأن أراك فأبت إليك دخيلة مرامي؛ فإما أن نفترق صديقين، وإما أن تموت بحد حسامي؛ فإن شرفي لا يكون إلا في قتلك أو في سلامك؛ فأنت تشرف صديقك في حياتك، كما تشرف عدوك من حسامك.
ديفو :
أنت تمدحه يا سيدي ... ما هذا الكلام؟!
ريكاردوس :
نعم أمدحه أيها الصديق؛ فإنه يستحق المديح والإكرام، وشهد الله أنني لم أر أثبت منه في موقف الحرب، ولا شاهدت فارسا يفعل فعله عند اختلاف الطعن والضرب، وكفى بمروءته أنه قبل بهذه الهدنة، وهو السلطان القادر الملك الأجل، وكفاه فخرا أنني أمدحه على حسن فعله؛ فما يمدح البطل إلا البطل.
ديفو :
ما هذه الفضيلة يا مولاي، وما هذه المكارم؟ من لي بأن يكون كل هذا الجيش مريضا، وأن تكون الصحيح السالم؟ إلى هذا الحد تبلغ مروءتك ورفعة علائك، حتى تمدح من هم خصومك، وتثني على أعدائك؟!
ريكاردوس :
بل أنا قد فعلت أكثر من ذلك في هذا الشأن؛ حتى كتبت إليه أمس، أعرض عليه الصلح، وتقرير الأمان، ثم عرضت عليه أختي لتكون عروسا له في عهد القران.
ديفو :
أختك يا مولاي ...؟
ريكاردوس :
نعم، فلماذا تعجب من هذا القصد؟ ألا تعلم أن الملوك إذا لم تجمعهم جامعة الدين جمعتهم علائق المجد؟ فأي كفء أجد لأختي خير من هذا السلطان العادل، الذي وجدته في السلم خير أمير كما وجدته في الحرب خير مقاتل، فاكتم الآن هذا الخبر لنرى ما يكون؛ فإني قد عزمت على عقد الصلح معه إذا يئست من الحياة.
ديفو :
ولكنك ستشفى يا مولاي بإذن الله.
ريكاردوس :
إذا شفيت يا ديفو؛ فلا يكون لي عدو سواه؛ فعند ذلك أنازله؛ فإما أن أنتصر عليه، وإما أن أموت ملكا كريما ويكون مماتي من يديه؛ لأنه عار على قلب الأسد إذا شفي من السقام أن يفضل راحة الهدنة على الحرب، ويميل إلى عقد السلام، كما أنه عار عليه إذا أشرف على الحمام، أن يدع جنده في قبضة غيره تحت خطر القتال وحد الحسام.
ديفو :
ولماذا لا تنتخب لهم سواك يا مولاي، وأنت رأسهم وسيدهم، وأعلم الناس بهم؟
ريكاردوس :
ليس فيهم من يستحق الإمامة
وإذا كان فالنزاع أمامه
كلهم طامع بأن يفتدي السي
د فيهم ورب كل كرامة
فإذا اخترت واحدا أصبح الك
ل عدوا له وراموا خصامه
ودليلي في ذاك أنهم للآ
ن لم يعرفوا طريق السلامة
لو أقاموا على صفاء لأضحى
واحد منهم ولي الإمامة
آه من سقم قلبهم وسقامي
ليس فينا من ليس يشكو سقامه
سمعت أن ملك إيكوسيا سيرسل ولي عهده إلى هذه البلاد، فلماذا لا يرسله الآن لأقيمه إماما على جميع القواد؟ فقد بلغني عن صفاته ما يبيح له بالعدل هذا المنصب ... آه ما هذا الدوار الذي أصابني! لماذا تهتز أطناب المضرب؟ (يغشى عليه) .
ديفو :
لقد أخذته نوبة الحمى، يا رب، عجل بشفائه، ولا تتركنا نموت بفقده ويموت بدائه.
الجزء الثاني (المركيز - مارتين)
المركيز :
تعال نبعد قليلا عن خيمة الملك، واسمع ما أقول لك.
مارتين :
لا تقل يا سيدي المركيز ولا أقول لك؛ فإن الأمر قد انتهى.
المركيز :
ويحك يا مارتين وكيف انتهى؟
مارتين :
إنك يا سيدي قد غمرتني بأنعامك وطوقتني بعطاياك، وأنا أعلم أن ذلك ليس من محبتك لي؛ لأنني قبيح لا أستحق المحبة، وفقير لا تطيب معي الصحبة، ولكنك تحب الأميرة جوليا أخت الملك، وتريد أن تقترن بها، وهي لا تحبك، ولا تريد أن تقترن بك، بل تحب ذلك الفارس الأسكتلندي الجميل كما قلت لي، ولما كنت أنا خادمها المقرب إليها؛ فقد وعدتني بمائة دينار إذا كنت أقدر أن أسرق لك خاتمها أو شيئا منها؛ لكي تجعلها تحبك بالسحر لأنك غير قادر على قتل حبيبها البطل، ألم تعدني بذلك؟
المركيز :
نعم، فما معنى هذا السؤال الآن؟
مارتين :
أقول لك معناه إذا أعطيتني المال ووفيت بالوعد.
المركيز :
ولكن كيف أفي بوعدي، وأنت لم تقم بوعدك؟!
مارتين :
لا يا سيدي بل قد قمت بوعدي.
المركيز :
عجبا، وهل حصلت على شيء منها؟
مارتين :
نعم، سرقت منها خاتمها وها هو، فماذا تريد أن تفعل به؟
المركيز :
وحقك لا أدري، ولكن كن على ثقة من أنني لا أضرها، ولا أسعى لها بسوء، فهاته وخذ المال (يعطيه المال ويأخذ الخاتم)
اذهب الآن واكتم الأمر.
مارتين :
وأنت يا مولاي فاحرص على الكتمان.
الجزء الثالث (ريكاردوس وديفو إلى جانب)
المركيز :
أهلا بخاتم من أحب فإنه
بدلا لقلب في هواها هائم
قد نلت خاتمها بكفي بعدما
أضحى الفؤاد بكفها كالخاتم
أثر يذكرني بحسن أصابع
منها ويحكي حسن ثغر باسم
قد مس منها كفها فغدا به
من طيبها آثار طيب دائم
ماذا عساني صانع بك والتي
حملتك لم تنظر لدمعي الساجم
يا رب كيف أنالها بل ما الذي
أجري لتغدو ذات قلب راحم
كيف السبيل ترى لنزع حبيبها
منها فأنجو من عذاب مزاحمي
سأرى الذي أجريه ها هو قد أتى
فلأذهبن فذاك أشأم قادم
الجزء الرابع (صلاح الدين - عماد الدين (متخفيين) - وليم - ريكاردوس - ديفو)
وليم :
هل أقدر أن أثق بكلامك أيها الطبيب؟ وهل تقدر أن تشفيه؟
صلاح الدين :
نعم أشفيه بقوة الله؛ فإنما نحن واسطة لما يريد الله، ولكن يجب أن أراه أولا وأجس يديه.
وليم :
لا أدري إذا كان يسمح لك بالدخول عليه؛ فإن هذه الحمى قد غيرت أخلاقه؛ حتى لم يعد يطيق أحدا أمامه، ولكن عجبا كيف يرسلك صلاح الدين لشفائه، وهو خصمه العنيد بل من ألد أعدائه؟!
صلاح الدين :
إن مولاي السلطان رجل كريم الأخلاق، وقد سمع بكرم سلطانكم، فأراد أن يشفيه من هذا الداء، فأرسلني إليه لأنني عنده رأس الأطباء، ووعدني بأجل الهبات إذا نال مولاكم مني الشفاء.
وليم :
احذر أيها الرجل، أن تكون العدو في صورة الطبيب، وأن يكون قدومك قدوم خصم منتقم وجاسوس مطلع؛ إذن والله لا يكون نصيبك إلا الموت العاجل، ولكن لا فأنت رجل حقير لا تسأل عن حياتك في قتل ملك باسل.
عماد الدين :
لا تقل حقيرا.
صلاح الدين :
اسكت يا عماد الدين؛ لئلا ينفضح الأمر.
عماد الدين :
كيف يقول أنك حقير؟
صلاح الدين :
إنه لا يعرف السر، ادخل أيها الفارس واستأذن لي على مولاك، ولا تخف عليه من سوء؛ فأنا عندكم رهن الهلاك، ولعله يريد أن أعالجه، فلماذا تمنع عنه الشفاء؟!
وليم :
اصبر لأسأله أولا ثم تفعل بعد ذلك ما تشاء (يتقدم للخيمة) .
صلاح الدين (لعماد الدين) :
إياك أن يبدو منك شيء يفضحنا فنحن بين الأعداء.
ديفو :
من هذا؟ ... ماذا تريد؟
وليم :
رجل يريد شفاء الملك من دائه.
ديفو :
إن الملك نائم الآن والحمى شديدة عليه.
وليم :
لا بأس فأيقظه ليأذن لهذا الطبيب بالدخول عليه، فهو طبيب أرسله صلاح الدين، ويزعم أنه يشفي الملك ويرد إليه عافيته!
ديفو :
قل له أن يرجع على أعقابه، فإنا نفضل أن يبقى الملك حيا، ولو بقي في أوصابه؛ أطبيب عدو يرسله عدو يشفي الملك من السقام! إنك أحمق فقل لهذا الطبيب أن يرجع بسلام.
وليم :
قلت لك إنه طبيب ماهر أرسله السلطان إلينا، وهو يقول: إنه يشفي الملك ويرد حياته علينا، وإن لم يقدر ومات الملك؛ فإن حياته وحياة خادمه بين أيدينا، فقل للملك ذلك عساه أن يسمح بدخوله.
ديفو :
لو جاء صلاح الدين بنفسه ما أيقظت الملك، فكيف أوقظه لأجل رسوله! قل له أن يرجع فهو غادر ماكر وطبه حيلة، فلو أصاب الملك بسوء فإن دماء قومه به قليلة، أعجز القوم عن قتالنا بسلاح الأعداء؛ فأرسلوا لنا بدلا له عنها سموم الأطباء؟
صلاح الدين :
لا أيها الفارس، إن القوم لم يعجزوا عن قتالكم، ولكنهم كرام الأخلاق، يريدون نفعكم وشفاء رجالكم، فادخل على مولاك واستأذن لي عليه، عسى أن يكون شفاؤه على يدي ونجاحي على يديه، عجبا أريد أن أشفيكم ولا تريدون، إن ذلك عار عليكم، ولا شك أنكم تخافون؛ فأنتم إذا لا تستحقون النعمة عليكم، وقد أخطأ مولاي صلاح الدين في أنه أرسلني إليكم. (يهم بالرجوع.)
ديفو :
قف فنحن لا نخاف على نفوسنا، ولكننا نخاف على ملوكنا أكثر مما نخاف على رءوسنا، ولو كان الأمر يتعلق ...
ريكاردوس :
من هذا الذي يتكلم؟ أنت يا ديفو توقظني لكي أتعذب وأتألم؟!
ديفو :
لا يا مولاي، بل هذا طبيب أرسله السلطان إليك، وقد مضى عليه مدة يريد أن يراك، وأنا أمنعه من الدخول عليك.
ريكاردوس :
أيرسله صلاح الدين ثم تمنعه الدخول؟! ادخل أيها الطبيب إلى هنا، تعال أيها الرسول؛ فقد بلغني عن سلطانكم كل مروءة وشهامة، فهو يستحق كل إكرام ويستحق رسوله كل كرامة، أنت تشفيني من دائي وأنت طبيب عدوي الألد، هل فعل هذا الفعل سلطان؟ وهل بلغت المروءة هذا الحد؟! ولكن من يضمن لي أنك صادق في ادعائك؟
صلاح الدين :
يضمن لك ذلك قدومي إليك وأنا عدوك تخشاني وأخشاك، وأنت تعلم أن مولاي صادق لا يكذب، وأنه لا يخشى من قتالك، ولا يحتاج لأن يسقيك السم في الشراب، ولكنه يريد أن تشفى؛ لتكون خصمه في النزال، لأنه يأسف عليك أن تموت على فراشك بغير موت الأبطال.
ريكاردوس :
صدقت أيها الطبيب؛ ذلك ما قاله السلطان، ولكن تعال قبل أن تجس يدي، واسمح لي أن أجس يديك (يجس يدي السلطان)
إنه لا يضطرب يا ديفو بل هو ثابت الأعضاء، افعل ما تريد أيها الطبيب ليس ذلك حال من يسم الأمراء، (السلطان يهيئ الدواء)
إذا شفيت يا ديفو كافأت هذا الرجل، وإن مت فلا يطالبه أحد بدماء.
صلاح الدين :
اشرب يا مولاي هذا الكأس، والله الشافي من كل داء.
ريكاردوس :
أشرب الكأس حبا بمن
يستقبل الحرب بقلب شديد
ومن يرد الخصم عن ملكنا
ويحتوي من أرضه ما يريد
ومن نراه أولا داخلا
في باب أورشليم قبل الجنود
واسأل الله بأن أغتدي
أول من يدخل تحت البنود (تسمع ضجة عظيمة من الخارج؛ فيلتفت لها الجميع، ويجلس الملك على سريره.)
ما هذه الضجة يا ديفو؟ انظر ما الخبر فإني أظن أن العرب قد هاجمتنا وأن الجيش قد انكسر.
صلاح الدين :
إن العرب لا تهاجمكم إلا بأمر صلاح الدين السلطان، وهو قد سمح لكم بالهدنة، وهيهات أن يعبث بالأمان.
جندي :
مولاي إن ملك النمسا قد خرج من مضربه الآن، ونصب علم دولته بجانب علم إنكلترا في ساحة الميدان، وهو يزعم أن الدولتين سواء، وأنك وإياه متساويان.
ريكاردوس (ينهض غاضبا) :
ويل لملك النمسا من قلب الأسد، بل ويل لعسكره إذا برق هذا السيف في هذه اليد، اتبعني يا ديفو اتبعوني أيها الأمراء.
صلاح الدين :
مهلا أيها الملك، فإني أخاف عليك من تأثير الدواء.
ديفو :
ارجع يا مولاي بالله ولا تعرض نفسك للخطر.
ريكاردوس :
إنه خير لي أن أموت بدائي من أن أترك مثل ملك النمسا يساويني في علائي، وإن هذا العلم الذي رفعه إلى جانب علمي لا بد من أن أكسره الآن بيدي، ثم أدوسه بقدمي؛ لتعلموا أنني في كل مكان لا يساويني أحد، ويعلم الأعداء من هو ريكاردوس بعد الآن؛ فيرهبوا قلب الأسد، اتبعوني، (يخرجون) .
الجزء الخامس (صلاح الدين - عماد الدين)
عماد الدين :
مولاي ما هذه الفعال؟
صلاح الدين :
هذه أسباب انشقاقهم وتوقفهم عن القتال؛ إن كل واحد منهم يريد أن يكون الملك الأعظم، وكل منزل ينقسم على نفسه لا بد أن يتهدم، وسترى من أمورهم أكثر من ذلك إذا مات قلب الأسد، ولكن إذا تيسر شفاؤه فإن له عليهم حكم الوالد على الولد، ولست أدري ما سيكون من عواقب هذا الشأن، فتعال نتبعهم لنرى ما سيكون في الميدان.
المنظر الثاني (رابية عليها جنود وعلمان منصوبان)
الجزء السادس (ملك النمسا - الجنود)
ملك النمسا :
هنا يجب أن يكون علمي بعد الآن، أنا ملك النمسا، أقول لكم ذلك فاخضعوا أيها الشجعان.
ضابط إنكليزي :
لا نسلم لك بذلك، ولا نرضى بهذا الشأن، وأنا أكلمك بلسان الإنكليز، فكن على حذر وأنزل العلم قبل أن يعرف قلب الأسد فتقع في الضرر، أنزل العلم قلت لك؛ فهو خير وأولى.
ملك النمسا :
اسكت أيها الجبان، فنحن لا نخاف الجندي ولا نخاف المولى، وهنا قد نصبت علمي فلا ينزعه أحد.
الجزء السابع (ملك النمسا - ريكاردوس - ديفو - وليم - المركيز - مارتين - صلاح الدين - عماد الدين - جنود)
ريكاردوس :
غلطت يا جبان، بل ينزعه قلب الأسد من مكانه.
إني وضعت على هام السهى قدمي
فكيف ينزل عن هام الربى علمي
هذي هي الراية العلياء أرفعها
بالرغم عن جمعكم في هذه القمم
لا راية تغتدي في جنب رايتنا
ولو حمتها أسود الغاب في الأجم
وتلك رايتكم ما بين أرجلكم
ألقي بها وهي مني موطئ القدم
من ذا يدافع عن تمزيقها فأنا
له ... ... ... ... ...
ملك النمسا : ... ... ... ... ...
لقد فت حد الجور والنقم
أنا أدافع عنها بالحسام فخذ
ضربا له قسمة الإنصاف في القمم
فقد تماديت في ظلم وزدت بما
لم نلتق بمثله في سابق القدم
ريكاردوس :
أأنت تلقى حسامي في النزال لقد
غرتك نفسك في الهيجاء فانهزم
واسلم بنفسك مني إنني رجل ... ... ... ... ...
ملك النمسا : ... ... ... ... ...
ستغدي مطعم العقبان والرخم
فيليب ملك فرنسا (يدخل بين المتحاربين) :
مهلا أيها الملكان! ارجعا عن هذا العناد، كيف ينشب هذا القتال بين أخوين متحالفين! بل ركنين من أركان الجهاد، أتريدان أن يشمت الأعداء فينا؟ أتحبان أن ينشب القتال بيننا ونسفك دماءنا بأيدينا؟ ألا تعلمان أن الجيش إذا انقسمت قواده كان نصيبه الانكسار، وأن المملكة إذا انقسمت على نفسها كان حظها الخراب والدمار؟ وإذا كنتم قد مللتم من هذه الهدنة وعدم القتال فحولوا سيوفكم إلى أعدائكم؛ فهو أشرف لكم في مواقع النزال، فإنه خير للمرء أن يموت من كف من يعاديه من أن يقتل نفسه بيده أو يموت من سيف أخيه، فانتصحا لي وارجعا عن هذا العمل، ولا تكونا عدوين لأصحابكما ومساعدين على الانكسار والفشل.
ريكاردوس :
مهلا أيها الملك، فإن هذا الرجل الواقف أمامي قد تعدى على حقي فأدبته، ولا أزال مستعدا لتأديبه بحد حسامي.
ملك النمسا :
إليك يا ملك فرنسا، وإلى كل أمير أرفع شكواي، فإن هذا الملك قد أهانني ورمى علمي وأنا إليكم أعرض دعواي.
ريكاردوس :
أهنتك لأنك رفعت علمك إلى جانب مجدي، وهذا المكان مختص برايتي، ولي فيه حق التصرف وحدي.
ملك النمسا :
قد رفعت رايتي بجانب رايتك؛ لأن منزلتي مساوية لمنزلتك.
ريكاردوس :
إذا كنت صادقا فأثبت هذه المساواة في الميدان، فهناك أجعل رأسك أيها الملك كما جعلت رايتك الآن.
فيليب :
مهلا أيها الملك فإني أرى ملك النمسا مخطئا فيما قال، وأنت أيها الصديق، لا تظن أننا رفعنا علم إنكلترا عن خضوع وإذلال، بل نحن لما كنا قد دخلنا في أمر هذا الجهاد، رأينا أن نقيم علينا رئيسا يرجع إليه أمر الجيوش والقواد؛ فأقمنا ملك إنكلترا باختيارنا رئيسا علينا، لأنه أشد منا قوة وبأسا وأحسن قائد لدينا، ولكن هذه السلطة التي أعطيناه إياها الآن لا تكون له في غير هذا الزمان والمكان، ألا ترى علمي أنا ملك فرنسا الذي يخضع له الجميع، كيف تنازل لعلم إنكلترا، وسمح له بالمقام الرفيع؛ وذلك حبا بهذا الجهاد وفوزه ورغبة في النصر السريع، فاصطلحا الآن فيما بينكما فهو أولى، واذكرا أنكما تخدمان الله في جهاده، وأن الله أعظم وأعلى.
ريكاردوس :
قد قبلت حكمك أيها الملك؛ فإن القبول بالصلح أحرى، لكن على شرط ألا يعود ملك النمسا إلى مثل ذلك مرة أخرى، وأنت يا ديفو، احرس الراية في هذا المساء.
ديفو :
لا يا مولاي، لا أحرس راية إنكلترا وأترك ملكها تحت خطر الداء.
ريكاردوس :
ما أشد عنادك، أنت يا وليم احرس العلم عنه، واعلم بأن رأسك يسقط إذا سمحت لأحد أن يمسه أو يدنو منه، والآن فلنصطلح كما حكم الملك؛ حتى لا يبقى نفار ولا عداوة بيننا.
المركيز (على حدته) :
وا بشراي؛ لقد نلت هلاك مزاحمي كما أشاء. (لمارتين)
تعال أيها الشيطان، فإني أريدك في هذا المساء، أنت قد سرقت لي هذا الخاتم، ولكن لا فائدة له إلا الآن، فقم بما آمرك به وإياك أن يطلع أحد على ما كان، أنت تدري أن هذا الفارس الذي تولى حراسة العلم هو الذي تحبه جوليا من دوني، وتميل إليه وهو رهن أمرها وإشارتها، ولا يخرج في شيء من أموره عن حبها وطاعتها، فمتى انتصف الليل وانصرف هذا الجيش إلى خيامه تأخذ هذا الخاتم وتأتي إليه مسرعا، وتقول له: إن حبيبته جوليا تريد أن تراه، وإنها أرسلت له معك خاتمها ليذهب إليها، وأن هذا الخاتم علامة منها إليه، وحينئذ فلا بد من أن يذهب إليها ليطارحها الغرام، ويترك العلم وحيدا في هذا المقام، فآتي أنا ... ولكن لا ... افعل ما قلته لك، والسلام، وهذا الخاتم احرص عليه، وإياك أن يطلع أحد على الأمر.
عماد الدين :
أسمعت يا مولاي ما قاله هذان الرجلان؟
صلاح الدين :
نعم سمعته، ولكن اسكت لنرى في خاتمة الأمر ماذا يفعلان، فإني قد خلصت قلب الأسد من دائه، وأنا أريد أن أجري العدل على يده بين أتباعه فاكتم الأمر الآن، وإياك أن يعلم به أحد.
فيليب :
قد تم الاتفاق والحمد لله، وحصلنا على مرامنا؛ فهلموا نذهب الآن إلى معسكرنا ونستريح في خيامنا.
الفصل الثالث
المنظر الأول (رابية عليها علم وبجانبها وليم مفكرا، ثم يدخل صلاح الدين وعماد الدين)
الجزء الأول (صلاح الدين - عماد الدين - وليم)
صلاح الدين :
لقد شفي قلب الأسد من دائه تمام الشفاء، وكان شفاؤه على يد الله ويدي بفعل هذا الدواء، والآن فإني أريد أن أتم نعمتي عليه، وأسعى في إظهار العدل له ليعلم أنه لقي مني في الحرب بطلا من أشد الأبطال، كما لقي من مكارمي في السلم رجلا من أكرم الرجال، وقد علمت ما نوى عليه ذلك الرجل الآن، وكيف أنه يريد الشر لهذا الفتى الحارس في هذا المكان فهو يريد أن يخدعه ليسرق منه العلم، مؤملا بذلك أن يغضب عليه قلب الأسد فيورده العدم، وأنا أحب الآن أن أنصر العدل حتى أخلص قلب الأسد من الظلم، وأخلص هذا الفتى من القتل.
عماد الدين :
ولكن ألم تسمع يا مولاي أنه عاشق لأخت قلب الأسد، أولم تخبرني أن أخاها قد وعدك بها، وأنه لا يزال على ما وعد؛ فكيف تريد الآن أن تخلص عاشقها من الحمام، وهي عن قريب ستكون قرينتك فيكون بقرانها عقد السلام؟!
صلاح الدين :
أنا أريد أن أخلص العدل من الظلم، وأنقذ البراءة الطاهرة من تهمة الذنب والجرم، فإذا كان هذا الفتى عاشقا هل أتركه يقضي نحبه؟ وهل سمعت بعادل قتل رجلا لكونه عاشقا، وكون العشق ذنبه؟! وفوق ذلك فإنه لا يعلم أنني موعود بها، وأنا على ثقة أنه لو علم لجهد في أن يخلص من حبها، ولكنني لا أريد أن يعلم؛ بل أنا أريد أن يسلم، وسأبذل جهدي في أن أزفهما بعد حين، فقد طالما سعت الخلفاء قبلي في التنازل عن جواربهم، وإهدائها للعاشقين، أما أمر السلام بيني وبين أخيها فأقدر أن أتمه بنفسي من غير أن أطمع فيها، فإن قلب الملوك يجب أن يكون أرفع من الغرام؛ حتى إذا عقدوا صلحا كان أساسه الشرف، أو أثاروا حربا كان قائمها الحسام، بل أنا أقدر أن أعقد الصلح معه من غير أن تكون أخته عندي، كما أقدر بعد ذلك أن أثير عليه الحرب، ولو كانت قرينتي وموضوع مجدي، فقف الآن هنا متسترا وراقب ما يجري وإياك أن تعارض أحدا منهم فيما يجريه.
وليم :
إن كنت في الجيش أدعى صاحب العلم
فإنني في هواكم صاحب الألم
يا من تملكتم قلبي فكان لكم
عبدا وكنت لهذا العبد كالخدم
أقضي الليالي وحيدا بعدكم وأنا
أسامر البدر في داج من الظلم
ينوب لي حسنه عنكم إذا نقصت
فيه الصبابة من لحظ ومن كلم
أصبحت فيكم نظير البدر منفردا
وأنتم الشمس لم تدرك ولم ترم
يا ليتني ما نذرت الكتم من قدم
ولا جرت لفظة من حلقه بفمي
نذرت إخفاء أصلي عن رجالكم
والله يقضي بحفظ المرء للقسم
لكنني لم أكن أدري بأنكم
ستجعلون فؤادي في لظى الضرم
يا نظرة خلتها في بدئها نعما
فأصبحت في الهوى من أعظم النقم
حلت بقلبي ممن بات يعشقها
فخلتها وردت عن قوس منتقم
الله حسبي بهذا الحب فهو لقد
أضحى يخيم فوقي مثل ذا العلم
الجزء الثاني (وليم - مارتين - عماد الدين (مستترا))
عماد الدين :
لقد أقبل الخادم المحتال، وأظن أن الخاتم معه، فلنسكت لنرى ما يكون منه.
مارتين :
أبشرك يا سيدي؛ فإن سيدتي جوليا قد أرسلتني أستدعيك الآن إليها، وأقول لك إنها مشتاقة لأن تراك.
وليم :
جوليا أرسلتك إلي! يا رب ماذا تريد مني؟!
مارتين (بنفسه) :
لنعظم له الأمر حتى يذهب ... لا أدري يا سيدي ولكنني رأيتها حزينة كئيبة تبكي أحيانا ثم تناديك كأنها تطلب أن تراك.
وليم :
أفي مثل هذه الساعة، هيهات لا يمكن أن يكون ذلك.
مارتين :
ما بالك يا سيدي مرتبكا تحدث نفسك؟
وليم :
أفي مثل هذه الساعة؟! ويلاه، وفي مثل هذا الموقف، لا، لا، إن ذلك لا يكون، إنك كاذب أيها الخادم.
مارتين :
قد حسبت يا سيدي هذا الحساب، وعرفت أنك لا تصدقني؛ وذلك لأنني خادم حقير، ولأنك بطل شريف، ولأنكم معاشر الأمراء لا تعتبرون من غير أمير، عجبا كيف يكون لنا مثلكم جسم ونفس ولحم ودم؛ نحس كما تحسون، ونفرح كما تفرحون، ونحب كما تحبون، ثم يحول بيننا الشرف كل هذه المسافة، حتى كأننا لسنا بناس، أو كأنكم أرفع من رتبة الناس؟! نعم، إننا لا نقدر أن نساويكم في بأسكم، ولا في أموالكم، ولا في نعيمكم، ولا في حروبكم؛ لأننا لا نقدر عليها ولكن ألا نقدر أن نساويكم في كلمة نصدق بها، ونماثلكم في أمر لا نكذب فيه، ونحن قادرون على ذلك؟ والآن فإن الأميرة قد أرسلتني إليك أدعوك إليها وهي في انتظارك، أفلا تريد أن تصدقني وأنا أتكلم بلسانها وهي شريفة مثلك؟
وليم :
من يضمن لي أنك صادق؟
مارتين :
أتعرف هذا الخاتم؟
وليم :
يا رب، هذا خاتمها هذا الذي رأيته في يدها، ويل لك من أوصله إليك؟
مارتين :
هي التي أعطتني إياه؛ لأنني علمت أنك لا تصدقني بدونه.
وليم :
العفو أيها الخادم، إنك صادق أمين، ولكن ألم تخبرك ماذا تريد مني؟ ألم تبصر حولها ما يدعو إلى وجودي؟ ويلاه ماذا جرى وكيف أقدر أن أذهب؟!
مارتين :
ما بالك خائفا يا مولاي؟ أتدعوك حبيبتك إليها وتخاف من لقائها؟ أتكون عاشقا، وتكون بطلا وتجزع من مقابلة النساء؟!
وليم :
إنه أحب إلي أن ألقى الموت هنا الآن، ولا ألقى السعادة في غير هذا المكان، فأنا أخاف على شرفي أن يضيع مني أو أضيع منه، وهذا شرفي منصوب لدي فكيف تريد أن أتركه وأذهب عنه؟ نعم إن في ترك هذا العلم ترك حياتي، ولكن هذا غير صعب علي، ألا تعلم أخت الملك أنني أحرس العلم هنا؟ فكيف تطلب مني تركه الآن، وتجعلني بين المنية والمنى، ألم تدر أنني أمين شريف؟ ويلاه، إنها لا تعرف من أنا!
يا من تعرض مني المجد للخطر
أما كفى القلب ما لاقى من النظر
كفى بعينيك إني قد سفكت دمي
فلا تضمي إليه المجد واصطبري
عشقت حسنك فيما مر عن قدر
فكنت بين قضاء الله والقدر
طوعا لعينيك في حكم الغرام فلا
تعرضي شرفي في معرض الخطر
مارتين :
عجبا يا سيدي، ما هذا التردد الطويل في غير مكانه؟ أيمكن أن يمنعك علم إلى الذهاب إلى من تهواها وتهواك؟!
وليم :
أعدائي كثيرون أيها الرفيق، وأخشى أن يسرقوا العلم مني؛ فيكون بذلك ضياع مجدي، إنك لا تعرف منزلة العلم ومقامه، بل ينبغي لك أن تكون جنديا، وأن تخرج من بلادك من طرق وجبال غير طرقك وجبالك، وأن تبتعد عن أهلك وعن وطنك؛ وأن يكون الحسام إلى جانبك وتحت يدك، وأن تعلم أنه لم يبق لديك من دولتك إلا هذه الراية الخافقة أمامك تخوض المعارك، وتلتقي الحتوف وتمزقها سهام العدى، وهي واقفة ثابتة تذهب من دونها أرواح الرجال على شفرات البوارق والسيوف، ولا يذهب عن نسيجها مثقال ذرة، وأن تعرف أن في ثناياها حين تخفق فوقك شرف أمة ومجد مملكة وقوام جيش وعز رجال وفخر عساكر أبطال، وأن في ألوانها سطورا خطتها يد المجد، وكتبتها أنامل النصر، ورقمها مداد العز والشرف، وهي كلها مجموعة في كلمة واحدة «الوطن»، وأن في فقدها عارا دائما وعزا ساقطا ومروءة ذاهبة ونصرا ضائعا وعيبا خالدا لا يمحى ولا يزول، وتلك هي الراية أيها الرفيق؛ فكيف تريد أن أتركها وهذا هو شرف الأمة! فكيف تطلب مني أن أتخلى عنه! ويلاه يا مليكة قلبي، أفي مثل هذه الساعة تطلبين عبدك!
مارتين :
إذن أنا راجع يا سيدي فماذا أقول لها؟
وليم :
قف لا تذهب اصبر قليلا لأرى. ويلاه كيف العمل؟
مارتين :
أذكر أن خاتمها لا يزال في يدك.
وليم :
نعم وأذكر أن الراية فوق رأسي، وأن الشرف في فؤادي، وأن والمجد جار في عروقي، وأنني قد وعدت ولا أخلف الوعد، ويلاه، ولكنني أذكر أيضا أنني أهواها وأنها أميرة قلبي، وأنها مالكة لي، وأن حياتي في يديها، وأنها في انتظاري الآن، ولعلها تكون في ضيق وكرب وفي حاجة أن تراني وتكلمني، وتشكو إلي همها ومصابها، ويلاه ضاع رشادي ...
مارتين :
إذن أعطني الخاتم ودعني أرجع إليها.
وليم :
ترجع إليها وحدك وهي تنتظر أن تراني! لا ... إن هذا لا يكون، قف أنت مكاني، وأنا أمضي إليها ثم أعود في الحال، يا رب، ليكن ما تريد. احرس الراية وأنا ذاهب، إياك أن يمسها أحد أو يدنو منها إنسان؛ فإنك تموت قبلي، (للراية)
آه، ما أمر فراقك وما أحلى لقاها.
الجزء الثالث (مارتين - عماد الدين (مستترا))
مارتين :
لقد ذهب الحارس وعن قريب يأتي الخاطف ، ولا لوم علي لأن حبل الكذب عندي، ولو قالوا: أنه قصير؛ لقد أخذت من المركيز مالا كثيرا، وعن قريب أكون غنيا قادرا، ومتى صرت غنيا أصير حرا صادقا أمينا، لا أعود محتاجا؛ فأصلح السابق باللاحق، وعفا الله عما مضى، أين المركيز الآن؟ فإنه قد أبطأ (ينظر إلى الراية)
ما أجن هذا العاشق، وكيف يحرص على هذه الخرقة، وأنا أستحي أن ألبسها قميصا تحت ثيابي، ويلاه ما أمر الشرف، وما أشد هذا الوهم الباطل السائد على عقول الناس حتى في الخفاء.
عماد الدين :
ويل له ما أشد مكره، ها قد أقبل صاحبه فلنصبر لنرى ما يكون.
الجزء الرابع (مارتين (جالس يتأمل العلم) - المركيز - عماد الدين)
المركيز (في آخر المسرح) :
هذا العلم، وهذا الخادم، إنه لم يرني، ولا أدري ما الذي يشغل أفكاره؛ لقد نجحت بحمد الله وستقتل أيها العاشق الذي يزاحمني على غرامي ... ولكن لا ... ينبغي أن أقتل الخادم أيضا؛ فإني أخاف منه، وأخشى أن يفضح الأمر فيكون نصيبي الدمار، إنه لا يزال غافلا فلأقتله الآن بحيث لا يدري ولا يشهد علي أحد.
عماد الدين (على حدة) :
الله يشهد وأنا شاهد أيها القاتل؛ فبئست عقبى الغادرين.
يتقدم المركيز نحو مارتين ويطعنه بالخنجر فيسقط قتيلا، ثم يخطف العلم ويفر هاربا.
مارتين :
آه قتلتني يا قاتل؟ (يتقدم عماد الدين يريد اتباع المركيز بخنجره، فيعترضه صلاح الدين من الجهة الأخرى.)
صلاح الدين :
مكانك يا عماد، وكن شاهدا لا سيافا، فأنا أشهد أيضا معك.
عماد الدين :
أنت يا مولاي أنت، تراقب أعمال الظالمين؟
صلاح الدين :
ويل لهم من عذاب الدنيا قبل عذاب الدين، اتبعني قبل أن يرانا أحد، فإني أريد أن ترى العدالة عندي وعند قلب الأسد.
المنظر الثاني (خيمة واسعة، ثم تدخل جوليا وحدها)
الجزء الخامس
جوليا :
يا بعد عذبت قلبي في محبتهم
يا بعد ليتك لم تخلق على الناس
أبعدت عني الذي أهواه من قدم
يا ليت لان كقلبي قلبك القاسي
لا بعد يحجبه عني سوى شرف
توهموا مجده تاجا على رأسي
يا ليتهم علموا قدر الهوى قدروا
أن ليس في الحب من عار ولا باس
إذن لرقوا لما ألقى فوا أسفي
أغدو وحيدة قومي بين جلاسي
يا رب ما أشد حضور الناس علي، وما أسمج الدنيا في عيني، إنني قد هربت من مجلس الملكة؛ لأخلو وحيدة في مخدعي، وأناجي قلبي بغرامي؛ لأن حبيبي ليس معي، ولكن هيهات أن تفيدني هذه النجوى، وهيهات أن تخفف وحدتي مصابي بل إنها تزيد البلوى، ويلاه ما هذا الشرف الذي يحول بيني وبين من أهواه، هذا الوهم الباطل الذي يبعدني عن حبه، ولا يجعلني أراه، أيها العرش العالي الذي أجلسني عليه القدر، ألا تزول من أمامي، وأنت أيها الملك السامي الذرى، ألا تقدر أن تبرح من سبيل غرامي.
وأنت أيها التاج الذي يزين رأسي، ألا تنكسر على أقدامي، انكسر انكسر فإنك نقمة علي، وإن حب حبيبي أحسن منك عندي، وأجمل منك لدي، واهبط أيها العرش من مقامك؛ فإنك لا خير فيك عندي، وانتزع أيها اللقب عن اسمي؛ فإنك تزيد مصائبي، ولا تزيد مجدي، وانخفضي أيتها الدرجات من أمامي كما انكسر هذا التاج على أقدامي، وانزلي أيتها الكرامة عن أقدامي؛ فإنك ذل وإهانة علي؛ عساني بذلك أن أصل إلى حبيبي، ويصل حبيبي إلي، ماذا يفيدني أن أكون أميرة في كل بلد؟ ماذا يفيدني أن أكون بنت ملك إنكلترا وأخت قلب الأسد؟ ما هذا البلاء الذي لم يذقه قبلي أحد، ولا يفرجه عني أحد.
الجزء السادس (وليم - جوليا)
وليم :
سيدتي، ما هذا البلاء، ومن أي شيء تشكين؟ لقد قيل لي: إنك في ضيق، وإنك حزينة تبكين، انظري ها أنا أمامك فمري بما تريدين واحكمي؛ فإن عبدك راكع لديك وهو لأمرك رهين.
جوليا :
أنت هنا ... أنت أمامي ... هل علمت أنني في حاجة لأن أراك وأنني مشتاقة إليك؟
وليم :
إذا كنت في شوق إلي فإنني
أشد اشتياقا منك في معرض الحب
وإن الذي تبدينه من محبتي
يزيد على الأيام حبك في قلبي
فما ملكت أيدي النساء قلوبنا
بأحسن من حب وألطف من قرب
يزدن بنا حبا فنزداد لوعة
بهن كذاك الحب ينبت من حب
كذا أنا في حبك أزداد والهوى
يزيدك حبا بي فحسبي الهوى حسبي
جوليا :
آه يا ملاكي الحبيب! ما ألطف هذه المقابلة، وما أحسن هذه الفجأة، كيف هذا وما هذه السعادة. أنت عندي وحدك ... في وسط الليل ... بلا رقيب ولا عذول ... نحن وحدنا كلانا محب ومحبوب ... كلانا مشتاق وأنت جميل! ما أجمل الحب، وما أحلى هذه الساعة.
وليم :
ألا تعلمين أنني إذا كنت أحب الحياة فلأجل هذه الساعة؟ وإذا كان لي في الدنيا أمل فهو أن أنالها، أو كنت أحب شيئا فهو أن أراك فيها، وكنت أشتاق إلى أمر فهو أن أحصل عليها. يا رب كم أنا سعيد.
جوليا :
آه ما أحلى اللقاء لو كان يدوم.
وليم :
بل قولي ما أحلى الغرام لو كان يتناسب فيه المقام، إنني أراك عالية عظيمة شريفة رفيعة النسب باذخة المجد والأصل، وأرى بيني وبينك الآن مهواة بعيدة، وفرقا عظيما وبعدا شاسعا، ومع ذلك فأنا أحبك وأهواك، وأجسر على أن أدنو منك، وأقبل يدك وأبوح بغرامي، وأبسط لك قلبي، وأضع عندك آمالي، وأقول لك أخيرا: إنني أحبك، كلمة لم أقلها لفتاة سواك، وأكاد لا أتجاسر أن أقولها لك، لولا أمر واحد يهون الصعاب، ويصغر العظائم وهو الحب؛ وأمر آخر يقرب البعيد ويرفع الوضيع، ويمكن المستحيل، ويزين وجه الدنيا وهو الأمل، إذن فأنا بالحب أؤمل بك، وبالأمل أحبك وأهواك، فانظري كم أحبك على هذا الأمل، بل انظري كم أؤمل بك على هذا الحب ... ولكن لا، فأنت بعيدة عني وخطر الموت أقرب إلي.
جوليا :
آه ما أشقاني.
وليم :
ما هذه الكلمة التي لا أزال أسمعها منك، اتركي الشقاء الآن كما تركته أنا؛ فإنني تركت حياتي أيضا، ألم ترسلي في طلبي إلا لتقولي لي أنك شقية؛ فأزيد حزنا على أحزاني، أهذا الذي تريدين أن أسمعه منك بعد هذا الطلب؟
جوليا :
أنا أرسلت في طلبك؟! ... بالله من قال لك ذلك؛ فإنه قد خدمني من غير أن أدري .
وليم :
عجبا يا سيدتي! ألم ترسلي خادمك في طلبي، ألم تشددي عليه بحضوري؟
جوليا :
إنني لا علم لي بشيء مما تقول، ولكن مهما يكن فإن الأمر حسن، وقد أفادني أن أرسلك إلي.
وليم :
ولقد أفادني أنا أيضا يا سيدتي؛ لأنه أسعد فؤادي ونظري، ولكنه كان خطرا وشؤما على شرفي وحياتي، ويلاه قد أدركت الحيلة الآن، أليس هذا الخاتم من يدك؟
جوليا :
هذا الخاتم هو خاتمي، وقد ضاع مني اليوم، وأنا أحسب أنه سقط من يدي، فمن أوصله إليك؟ بالله أين وجدته؟
وليم :
لم أجده بل وصل إلي من طريق الحيلة، وسبيل المكر والخداع؛ قلت: إنك لم ترسليه ... إذن فكيف وصل إلى الخادم؟ ومن الذي سلمه إياه؟ ويلاه ضاعت الراية وضاع الشرف.
جوليا :
بالله ما هذا الكلام الذي لا أفهم منه شيئا؟ أية راية وأي شرف؟ كيف ضاعت الراية وضاع الشرف؟ وما هي الحيلة وما هو الخداع ... ويلاه ألا ترد علي؟
وليم :
عفوا يا جوليا؛ فإن الأمر خطر والعقبى شديدة هائلة، فلقد كنت الآن أمامك باسما مسرورا أحمد الله على لقاك، وأنسى الدنيا بحسن محياك، ولكن كان ينبغي لي أن أكون باكيا حزينا، وكان ينبغي لك أن تندبيني وتبكي علي؛ فإني خئون والناس غدارون محتالون، أما الآن فابك علي واندبيني إذا كان لا يزال في قلبك حب أو كنت تتنازلين بعد الآن إلى أن تنظري إلي؛ فإني أصبحت شقيا تعسا محكوما علي بالموت، ولعلي ألقاه بعد ساعة أو ألقاه الآن.
جوليا :
يا رب ما هذا ... ويلاه ماذا جرى؟
وليم :
اندبيني فإني هالك قتيل، ولكن لا تندبي ولا تبكي؛ فأنا لا أستحق دمعة من دموعك، ولا أساوي زفرة من زفراتك، قد كنت أستحق ذلك أمس، بل اليوم بل الليلة بل الساعة؛ لأنني كنت شريفا طاهرا لا عار يلحقني، ولا ذنب علي، أما الآن فأنا أثيم خائن يتبعني العار، وتوقفني الجرائم والذنوب وكل ذلك في ساعة؟ ويلاه من هذه الساعة!
جوليا :
سيدي ألا تخبرني بأمرك؟ ألا تعلمني بما جرى لك؟ إنك قد مزقت قلبي بأقوالك من غير أن أفهم ما تريد، أتحب أن أركع على قدميك حتى أعلم ما في صدرك.
وليم :
انهضي ولا تركعي؛ فأنا الذي يجب أن أركع، ولكن أركع ركعة الموت؛ لأستقبل سيف السياف.
جوليا :
سيدي، ويلاه! بالله أخبرني.
وليم :
قد بلغك ولا شك ما حدث بين أخيك وملك النمسا؛ لأنه رفع علمه إلى جانب علمه، وكيف أن أخاك نزع راية النمسا بالرغم عن صاحبها، وأبقى علم إنكلترا وحده، والآن فاعلمي أن أخاك لما انصرف الجيش دعاني إليه، وقال لي: يا وليم احرس العلم، واعلم أن رأسك يسقط إذا سمحت لأحد أن يمسه أو يدنو منه، فأقمت أحرسه وحدي، حتى أظلم الليل وطلع ضوء البدر، وإذا بخادمك قد أقبل إلي يدعوني إليك، وأنك في حاجة إلي.
جوليا :
كذب وبهتان ويلاه، يا رب، أتمم بالله.
وليم :
اسمعي فليس ذلك الأمر: إنني لم أصدقه في بادئ الحديث، وظننته كاذبا كما ظهر الآن، ولكنه لم يلبث أن أظهر لي خاتمك هذا، وأنه قادم به علامة منك إلي؛ فصدقته، وأتيت بعد أن أقمته حارسا مكاني، وقد ظهر لي أنه كاذب خادع فكيف العمل؟
جوليا :
قد فقدتك أيها الحبيب فوا أسفاه؛ فإن أخي ظالم قاس لا يرق ولا يرحم، وهو قد توعدك بالقتل إذا فقدت الراية، ولا شك أن الراية قد فقدت وأن في الأمر حيلة لا ندريها؛ فاذهب بالله وانظر، اذهب وعد إلي.
وليم :
إذن ودعيني قبل أن نتفرقا
فليس لنا من بعد ذا اليوم ملتقى
أسير عن الدنيا لديك إلى الفنا
وأترك سعدي كي أسير إلى الشقا
فلا تحسبي أني أخاف من الردى
ولكنني أخشى الفراق بلا لقا
جوليا :
حبيبي مهلا لا تسر لا أريد أن
تسير فكن لي راحما مترفقا
إذا سرت سارت مهجتي معك فاصطبر
ولا تخش من شيء فإني لك الوقا
أصونك من موت وأبذل مهجتي
فداك فما في العيش بعدك لي بقا
وليم :
رويدك إن الأمر جل عن الفدى
ولا بد من موتي فموتي تحققا
جوليا :
أدافع عنك الموت
وليم : ... ليس بممكن
فإن مماتي بالحسام تعلقا
وإن عدوا غادرا خانني وقد
غدا علمي في كفه متمزقا
ومزق مجدي آه من سوء فعله ... ... ... ... ...
جوليا : ... ... ... ... ...
أنا سبب الأكدار والحزن والشقا
فأنت لأجلي قد أتيت أنا التي
أموت إذن ...
وليم : ... ... ... ... ... ... ويلاه قلبي تمزقا
أنا المذنب الجاني دعيني ... ... ... ... ... ...
جوليا : ... كفى فلا
أريد بأن تمضي وأن نتفرقا
تمهل رويدا كي ترى الأمر أقبل
الجنود فقف واسأل لكي نتحققا
الجزء السابع (وليم - جوليا - جند)
جندي :
عفوا يا سيدتي ... أنت هنا يا سيدي ونحن نبحث عنك؟
وليم :
أين الراية؟
جندي :
الراية مفقودة، وإلى جانبها رجل قتيل، وقد بلغ الأمر الملك فلا تسل عن غيظه وغضبه؛ وقد أمرنا بأن نبحث عنك.
وليم :
جوليا، ألم أقل لك إن في الأمر حيلة، وإن الراية قد سرقت؟ ويل لمن أخذها فإنه يموت، سيروا أمامي.
جوليا :
اصبروا ... أنا الأميرة جوليا، أنا أخت الملك، إنني أنا الآمرة هنا، وأنا المطاعة فيما أقول، إياكم أن تخبروا أحدا بأنه كان عندي وإلا فرؤوسكم جميعا تسقط. ولكن لماذا؟ تعال، أنا أذهب معك.
وليم :
لا يا سيدتي، يجب أن نكتم الأمر وألا يدريه أحد، فكيف تسعين في إظهاره؟ لا أريد أن تذهبي، ابقي هنا بالله وأنا أذهب وحدي.
الفصل الرابع
خيمة الملك
الجزء الأول (ريكاردوس - ديفو)
ريكاردوس :
الراية تسرق من مكانها في وسط المعسكر، رايتي أنا تسرق! ما هذا الأمر المنكر؟
ديفو :
لا شك يا سيدي أن في الأمر دسيسة وخيانة.
ريكاردوس :
أين حامي الراية؟ أين الخائن؟ أين الذي يدعي الأمانة؟
ديفو :
لقد أرسلت من يبحث عنه، ولكن اصبر لنرى في هذا الشأن.
ريكاردوس :
هذا الخائن قد أقبل، لا أريد أن أسمع شيئا الآن.
الجزء الثاني
ريكاردوس :
تعال يا ناكث العهد، تعال تقدم، أنت الذي أضاع الراية، أنت الذي حلف وأقسم. آه يا كافر، ما لك لا تجيب؟! حقك أن تصمت يا غادر وأن تطرق خجلا بعد فعلك المريب.
وليم :
لا تقل غادرا يا سيدي، وقل ما تشاء فإن من حقك أن تعاقب المذنب لا أن تهين الشرفاء، فإن كنت قد أذنبت فعلى رأسي يقع هذا الجرم، ولكن لا أسمح لك أن تهينني بالسب والشتم؛ فإن سلطانك على دمي لا على شرفي فاحكم وأنا أقبل الحكم.
ريكاردوس :
أترفع رأسك أيضا يا قليل الحياء! أتنكث بعهدك وتخون ثم تزعم أنك من الشرفاء! أين أضعت الراية ومن أخذها منك؟ آه يا خائن، من يقدر أن يسمع منك أو يعفو عنك!
وليم :
قلت لك: لا تهني، واحكم بما تريد، ولا تحسب إذا كنا نخدمكم أننا من العبيد؛ لا فإنما سلطانكم على الأجسام لا على الشرف وإن من كان مثلي ...
ريكاردوس :
اسكت يا خائنا مولاه بعد أن حلف، نعم قلت لك خائنا ولا أزال أقول، ألم أقل لك: إن زالت الراية فإن رأسك يزول؛ إذن فاستعد للموت في الحال؛ فإنك لا بد مقتول.
وليم :
الآن نطقت بالصواب وحكمت بالعدل المقبول، فلا تحسب أنني أرتجي عفوك أو أخاف من عقابك، وإذا كنت أجبتك فذلك لأنك أهنت شرفي في خطابك، فإن إهانة الرجل للرجل لا تكون من الصواب إلا إذا التقى السيف بالسيف في موقف الطعن والضراب، وهناك يظهر من يرد الإهانة إلى صاحبها وكيف يكون الجواب.
ريكاردوس :
كفى كفى، ألا تزال ترفع رأسك أمامي، آه لو لم أكن أخاف أن أدنس بك حسامي.
وليم :
اضرب فلا أمل لي بعد الآن، ولو كنت أريد أن أحيا لما أتيت مع جندك في هذا المكان، اضرب وخلصني من حياتي، وخلص نفسك من الهوان، (لنفسه)
ويلاه من داء الغرام، من داء الشرف؛ كلاهما حلو لذيذ وكلاهما يؤدي إلى التلف، والآن بماذا تأمر؟
ريكاردوس :
إنني لم أر أجرأ من هذا الرجل في حياتي، قل من أخذ العلم منك؟ قل كيف يؤخذ منك شرف إنكلترا وتظل حيا واقفا؟ دافع عن نفسك وقل إنك قتلت من اللصوص الذين سرقوه واحدا، قل إنك أهرقت نقطة دم في سبيل الدفاع عنه، ثم أنا أطلقك حرا متمتعا بحياتك، تكلم فإن نقطة دم على سيفك في الوفاء والدفاع تحجب دمك بأسره، وتوجب لك العفو، ما بالك ساكتا مطرقا! اعتذر على الأقل وأنا أعفو عنك الآن؛ فإنك فتى شجاع، وأنا أحب الشجاع.
وليم :
مولاي، لقد سرق العلم، سرق ولم يشهر في سبيل الدفاع عنه سيف ولم تهرق نقطة دم، ولا تسألني كيف سرق؛ فليس لي عذر ولا جواب، فاعف عني إذا شئت أو عاقبني إذا أردت العقاب.
ريكاردوس (يهم أن يجرد سيفه فيمسكه ديفو) :
بل أعاقبك يا خائن فلم يعد للصبر مجال، دعني يا ديفو فلا بد من قتله في الحال.
ديفو :
أتدنس سيفك بدمه.
ريكاردوس :
لقد دنس شرف إنكلترا من قبل.
الجزء الثالث (المذكورون - جوليا)
جوليا :
مولاي، العفو العفو ...
ريكاردوس :
من هذا؟
جوليا :
مولاي، العدل.
ديفو :
الأميرة ...
وليم :
جوليا!
ريكاردوس :
أختي ...
جوليا :
نعم أختك يا مولاي تركع على قدميك، يا رب، من أين أبدأ، وبماذا أتكلم؛ حتى أرجو العفو منك؟ مولاي، اصبر علي بالله؛ فإن لساني قاصر وقلبي مضطرب حزين.
ريكاردوس :
ما ذا الحادث المدهش؟ لماذا أنت هنا؟ لماذا تركعين؟!
جوليا :
يا رب، ماذا عساني أن أقول سيدي؟!
وليم :
انهضي يا سيدتي؛ فأنا الذي يجب علي أن أركع، إنما يركع القتيل أمام قاتله، أما الملك فيركع أمام الله؛ انهضي بالله فأنت ملك شريف، وهذا الموقف لي لا لك، فلماذا تدنسين به ركبتيك؟!
ريكاردوس :
أيتها الأميرة، ما هذا العمل؟ ماذا تريدين؟
وليم :
اكتمي ودعيني أموت.
ريكاردوس :
ماذا يقول؟
جوليا :
أنا أكتم وأدعك تموت؟ ولماذا؟ أتموت لأنك بريء مكذوب عليك؟ أتموت البراءة يا مولاي وتكون قاتلها بيدك؟!
ريكاردوس :
تكتمين ماذا؟ ما الذي يهمك أنت من كل هذا الشأن؟ أنت تأتين لخلاص أثيم مذنب، وفي مثل هذا الموقف، وبمثل هذا الخضوع تكلمي ماذا تريدين، من قال لك إنه بريء، وما هذا الركوع، من طلب منك خلاصه والشفاعة فيه؟
جوليا :
أنا التي أطلب له الخلاص؛ لأنه بسببي يقتل الآن، بل هو بسببي قد وقع في هذه التهمة الشديدة الهوان.
وليم :
لا تتكلمي بالله.
ريكاردوس :
أي دخل لك في أمره؟ وأية علاقة له بك في خيانته وغدره ؟
وليم :
مولاي لا تسمع لها.
ريكاردوس :
دعها تتكلم، لماذا تمنعها من إظهار السبب إذا كنت تعلم؟
وليم :
إنه سبب أشر من الذنب.
جوليا :
بل سبب يدل على شرف النفس وسلامة القلب، فلقد خدعوه يا مولاي وسرقوا خاتمي مني، ثم زعموا أنه علامة له، وكذبوا بذلك عني؛ فأقبل مطيعا لأمري حتى سرقوا منه العلم، وكان الذنب خيانة منهم وهو بريء من التهم.
ريكاردوس :
الآن قد بلغت الخيانة الغاية؛ ماذا يقصد بذهابه إليك، وكيف يترك الراية؟
جوليا :
إذن فاسمع فقد برح الخفاء
وعاقب بعد ذاك كما تشاء
أنا أهواه من زمن طويل
لذلك ... ... ... ...
ريكاردوس : ... ... ... ... ... ... آه ما هذا البلاء!
وما هذه الفضيحة (يسقط على كرسي) .
جوليا : ... لا تلمني
فخير أن أموت ولا أساء
أحب نعم فما في الحب عار
ولا عيب بأن تهوى النساء
لذلك قد أتى طوعا لأمري
وغالبه على العهد الولاء
فخانك كارها ووفى بعهدي
على كره فحالانا سواء
فعاقبني أنا واتركه حيا
كذا تقضي المروءة والوفاء
أنا سبب الخيانة منه فاضرب
وعاقبني ...
وليم : ... ... ... ... ...
اسكتي فلي الجزاء
ريكاردوس :
صديقي ما الذي ألقاه؟ أختي تحب؟
جوليا : ... ... ... ... ...
نعم أحب ولا خفاء
فكن لي راحما ... ... ... ... ...
ريكاردوس : ... ويل عليه
وويل منك ما هذا الشقاء
لماذا لم أمت ... ... ... ... ...
ديفو :
مولاي مهلا ... ... ... ... ...
ريكاردوس : ... ... ... ...
يموت إذن فلا يجدي الرجاء
أتعشق مثلها وتظل حيا
أتعشقها ويطمعك البقاء ... ... ... تهيأ للممات ... ... ... ...
جوليا :
أخي ... ... ... ... ... ... ...
وليم : ... ... ... ... دعيه
فهذا الداء ليس له دواء
جوليا :
أخي. اصبر بالله، اسمع إنني أناديك يا أخي، ألا يؤثر فيك هذا النداء؟ ألا تعطفك علي رأفة الشقيق؟ ألا يرق قلبك لاسم الإخاء؟ سيدي، ويلاه ماذا أقول لك؟ أية عبارة تعطف رحمتك عليه، إنه ليس له ذنب ولا جرم سوى الطاعة والإجلال، ألأجل راية مفقودة تفقد نفسا شريفة؟ أيمكن أن يقتل رجل كريم في راية مسروقة؟! إن الراية تستعاض يا مولاي، أما النفس فلا عوض لها ولا بد.
ريكاردوس :
انهضي، يجب أن يموت.
جوليا :
مولاي اسمع بالله، إنني أعطيك غير هذه الراية.
أنا أحوكها لك من ثيابي، بل أحوكها من غدائر شعري إذا كنت تريد، لا تكن ظالما يا أخي، لا تقتل نفسين معا من غير ذنب، حرام أن يموت بذنب لم يجنه، وحرام أن أموت معه، أتقتل نفسين بنفس واحدة، براية واحدة؟ أبقطعة حرير تنسجها يد إنسان تمزق قلبين لا تنسجهما غير يد الله؟ ألأنني أهواه يجب أن يموت؟! إنني لم أعد أهواه بعد الآن.
ريكاردوس :
آه يا ديفو، إنها تمزق قلبي، قل لها أن تنهض وإلا قتلتها قبله.
ديفو :
انهضي يا سيدتي بالله، فإن الملك لا يزال مريضا.
وليم :
انهضي يا سيدتي، انهضي يا حبيبتي، ولا أخجل أن أقول لك هذه الكلمة؛ فهي آخر وداع في آخر مقام.
ريكاردوس :
آه يا خائن، لا بد من قتلك.
جوليا (تنهض) :
تمهل، لا يمكن أن تقتله أمامي، بل أنا أموت قبله، اضرب فها أنا أمامك يا ظالم، اضرب يا من يعرف أن يقتل ولا يعرف أن يعفو، إنك تخالف سنة الملوك بفعلك ولا ترحم، وأنا أخالف سنة النساء بفعلي وأقتل نفسي فإنما أنا أختك، انظر إلى هذا الخنجر في كفي، إنه أقرب إلى صدري من سيفك إلى رأسه، اضرب الآن وانظر.
ريكاردوس :
إذن تموتين وإياه يا كافرة؛ فلا خير في حياتك.
الجزء الرابع (المذكورون - الملكة)
الملكة :
مولاي ماذا تفعل؟! أشفق على أختك وأشفق علي، يا رب، ما هذا اليوم؟!
ريكاردوس :
أنت أيضا تدخلين إلى هنا؟
الملكة :
العفو يا مولاي، إذا دخلت من غير إذنك؛ فإن الموقف والأمر خطير، فعد إلى عدلك ورأفتك؛ وليكن قلب الأسد قلب إحسان ورحمة، مولاي إنها أختك من دمك، أتسفك دمك بيدك؟ أتريد أن أركع على قدميك؟
ريكاردوس :
تعال، لا تركعي، تعالي إلى صدري يا مليكة قلب الأسد، واطلبي ما تشائين، ولكن لا تطلبي العفو عن خائنين، ولا تدخلي نفسك في الخيانة والجرم.
الملكة :
إنه بريء يا مولاي.
ريكاردوس :
بريء من الراية نعم؛ ولكن ليس بريئا من الغرام الفاسد، ألا تعرفين من تجاسر أن يحب؟ أتعلمين أنه رفع أبصار حبه إلى مقام أختي، إلى مقامي أنا؟! هذا الذليل الحقير.
الملكة :
يا حبيبي ما لنا ولحبه، أحكام القلوب نحن؟ وهل نمنع النفوس عن أن تميل؟ ألا يحب الإنسان خالقه وهو ربه وإلهه؟
ريكاردوس :
بل نحن حكام الأفعال أيتها الملكة، ونمنع الأقدام من أن تسير، إنه يقدر أن يحب كما يشاء، ولكنه لا يقدر أن يقول وليس من مقامه أن يزور.
جوليا :
أنا التي قلت، وأنا التي بحت بالحب، أما زيارته فلم تكن إلا طاعة وخضوعا.
ريكاردوس :
اسكتي، فسأعلمك كيف تجردين الخناجر بعد الآن، أما أنت فاستعد للموت، فإنك من سيفي تموت (يجرد سيفه) .
جوليا :
أخي ...
الملكة :
سيدي ...
ديفو :
مولاي ...
وليم :
اضرب وكفى، أتساوي حياتي كل هذا؟
ريكاردوس :
عجبا! أتجتمع الدنيا لإنقاذه مني؟! هل بقي أحد ولم يسأل العفو عنه؟ أما والله ...
الجزء الخامس (المذكورون - صلاح الدين)
صلاح الدين :
بقيت أنا أيها الملك؛ فلا تقسم؛ فإن القسم عندكم حرام، وقد نهى مسيحكم عنه.
وليم :
الطبيب أيضا؟
ريكاردوس :
ماذا تريد أيها الطبيب؟
صلاح الدين :
إن لكل عمل أجرا.
ريكاردوس :
اطلب ما تريد؛ فإن فضلك لا ينكر، ثمن درة تاجي إذا كانت ترضيك.
صلاح الدين :
لا أطلب شيئا من ذلك أيها الملك، فإني لم أفعل ما يستحق الذكر.
ريكاردوس :
أتنقذ حياتي من الموت وتسمي ذلك لا يذكر؟
صلاح الدين :
أنا أنقذت حياتك من الموت؟!
ريكاردوس :
نعم، ومن ينكر ذلك؟
صلاح الدين :
إذن فالجزاء الحق من جنس العمل؛ أنت تقول إنني أنقذت حياتك، فأنعم علي مثلها، وإن كانت دونها مقاما.
ريكاردوس :
اطلب أية حياة تريد.
صلاح الدين :
حياة هذا الشاب.
ريكاردوس :
ويلاه.
صلاح الدين :
ما بالك أطرقت برأسك، ألا تريد؟
ريكاردوس :
لا. اطلب سواه ولو تاج ملكي.
صلاح الدين :
لقد كان تاج ملكك في يد الموت لولا طبي ودوائي، وأنت تعلم أنني عدوك ومن جيش أعدائك، وأنه كان أحب إلي أن تموت ويتفرق هذا الجيش عنك، ولكني فضلت حياتك على تاجك، وآثرت شفاء عدوي على مماته؛ إذن فأنا أحب إنقاذ الأرواح لا أخذ التيجان، فلا تغضب إذا سألتك العفو عنه.
ريكاردوس :
ولكن أنت يا من يطلب مني العفو عن المذنب، أيعفو سلطانك عن الأثيم الخائن؟
صلاح الدين :
أنا من سلطاني تعلمت هذا الطلب، ولو لم أكن أعرفه يعفو عن أشد من هذا الذنب لما تقدمت الآن وطلبته منك، ولكن لا تلمني فأنا أحسب الملوك سواء.
ريكاردوس :
قف أيها الطبيب، فأنا لا أخيب ظنك، ولا أجعل سلطانك خيرا مني، لقد وهبتك حياته؛ فخذه فهو لك، واذهب بأمان.
وليم (لنفسه) :
أفارقها وأبعد عنها؟! الموت أولى وأحسن. اتركني يا سيدي، دعني أموت.
جوليا (لنفسها) :
وا طرباه، لقد نجا.
صلاح الدين :
أنا أعلم أنك عاشق، وأعرف من تهوى، فتعال معي وعلي تدبير الأمر؛ فأنا رجل أنقذ الحياة كاملة أو لا أنقذها، (لريكاردوس) : أشكرك أيها الملك على حسن إنعامك وعدلك؛ فإنك تعرف أن تحيي كما تعرف أن تميت، والآن فهذا الكتاب وردني من مولاي صلاح الدين السلطان جوابا على كتابك الذي أرسلته إليه، فتفضل بقراءته، وائذن لي بالذهاب.
الملكة :
شكرا لك أيها الطبيب، فكم حياة أنقذت اليوم، وكم عدل أظهرت.
صلاح الدين :
لقد فعلت الواجب يا سيدتي، وعلى الله حسن التمام.
ريكاردوس :
قل لمولاك إنني شاكر فضله، وقابل ما طلب، فليكن في انتظاري غدا على ما يروم.
الفصل الخامس
خيام صلاح الدين
الجزء الأول (صلاح الدين - عماد الدين - الوزراء - وليم)
صلاح الدين :
ها موعد الاجتماع، وعن قريب يأتون.
بكر :
ما الداعي يا مولاي إلى هذا الاجتماع، وأي شيء يجري فيه؟
صلاح الدين :
تجري فيه أمور كثيرة يا بكر، أولها عقد السلام والصلح؛ فقد كفانا ما جرى من الحروب، وما سال بيننا من الدماء، وثانيها الحكم في مسألة يجري بها العدل في مجراه، وينال كل حقه وجزاه، وثالثها عقد اتفاق بين اثنين ولا أدري كيف يتم، ورابعها أنهم يرون صلاح الدين بين رجاله الأبطال الأمناء ... وينظرون كيف نحن في السلم لطاف، كما نحن في الحرب أشداء.
عامر :
كل ذلك حسن يا مولاي، ولكننا نحب الحرب فما هذا السلام؟
صلاح الدين :
الحرب سنة عادلة إذا رضي بها الفريقان، ولكن إذا استقال منها فريق كانت من صاحبه عين الظلم والعدوان، فلا تحسب أن الله يأمر بالحرب افتراء بلا سبب عظيم، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ذلك؛ صراط مستقيم.
خالد :
ولكن ما لنا وللحكم بينهم وهم أعداء، أنجري العدل بين خصومنا ونحن نحب أن يكون بينهم ظلم واعتداء؟ أليس كذلك تقضي السياسة بين الملوك يا مولاي؟
صلاح الدين :
لا أيها الصديق، فإن العدل يجري في كل مكان، فهو نور الشمس يشرق على الجميع، ويجب أن يراه كل إنسان، فلا تحسب أن العدالة تنقسم بين الناس أقساما، إنما معدل واحد كل من قام به حق قيامه كان إماما، آه لو تعلمون كم يخفى على الملوك من أبواب العدل وكم يظلمون أبرياء من غير علم، ويقتلون من لم يستحق القتل، وهم غير ملومين في ذلك؛ لأنهم لا يعرفون غير الواقع، ويجهلون حقيقة الأصل.
العدل كالمال قليل كثير، وخفي ظاهر، ونافع مضر، هنيئا لمن يعرف طريقه فيرحم به أنفس الناس، فإنما هو درة تاج يفقدها الملك أحيانا، ويجدها أقل الحراس، أما والله لم أبت ليلة في راحة إلا بعد عدل عن يقين؛ فإن كثيرين يظنون أنهم حكموا بالعدل، وليسوا إلا ظالمين، فويل لهؤلاء من مشهد يوم شديد، وويل لهم من يوم الدين (يدخل فارس)
ماذا تريدون؟
الفارس :
قد أقبل ملوك الإفرنج يا مولاي، فماذا نصنع لهم؟
صلاح الدين :
أنا ذاهب لملاقاتهم وحدي؛ لأني أريد أن أرى قلب الأسد وحده، فقابلوا أنتم الباقين، وأحسنوا لهم الوفادة والإكرام.
الجزء الثاني (المذكورون إلا صلاح الدين)
خالد :
ما أكرم السلطان وما أعدل أحكامه.
بكر :
من كان يقول إن الإفرنج يأتون في طلب السلام؟ بعد أن ملكوا منا البلاد وفتحوا مدائن الشام؟
عامر :
ليس هو صلاح الدين فقط، إنما هو صلاح الدنيا أيضا.
وليم :
لا تحسبوا أن ملوكنا يطلبون منكم الصلح عن عجز وانخذال، بل إن للأمر أسبابا كثيرة؛ فاستعيذوا بالله من اختلاف الرجال.
بكر :
أنت هنا؟ لا تؤاخذنا إذا لم ننتبه إليك، فقد أوصانا السلطان بإكرامك.
وليم :
إن السلطان كريم عادل، وأنا أحب رجاله من أجله؛ فأتباع الكريم كرام.
خالد :
ألا تخبرنا عن سبب قدومك معه إلى هذا المكان؟
وليم :
إن في الأمر خفايا ستكشفها لكم أصحابها الآن، هذه رجالنا قد أقبلت فاذهبوا لمقابلتها كما أمر السلطان.
الجزء الثالث
وليم :
كيف ترجو يدي شفاء فؤادي
ويدي والفؤاد في أصفاد
قيدت هذه المروءة والفضل
وهذا حبل الهوى والوداد
في قيود السلطان كفي وقلبي
قيدته سلطانة الأكباد
فأنا في قيدين حسن وإحسا
ن فقيد الهوى وقيد الأيادي
ما كفتني محاسن الظبي حتى
ملكتني محاسن الآساد
ودعاني حب الحبيب لموت
أنقذتني منه أكف الأعادي
فتخلصت من مماتي بالسيف
إلى الموت بالجفا والبعاد
عاش جسم لكن قضت مهجتي حبا
فدام الهوى وزال فؤادي
قد أراد السلطان عيشي عن عد
ل فأضحى علي بالظلم باد
ونوى رحمتي فصادفت جورا
رب خل أرق منه المعادي
فهو عين الظلوم لم يعطف عن عيني
إلا لكي يطيل سهادي
خضت بحر الهوى أجارها الله
فأضحى لمن أحب جهادي
لم أنله مراده في قتالي
للأعادي فلم ينلني مرادي
ليتني قد نذرت كتمان حبي
مثل كتمان نسبتي وبلادي
الجزء الرابع (فرسان الإفرنج وفرسان العرب وجميع الممثلين ما عدا صلاح الدين وريكاردوس)
وليم :
جوليا هنا، يا رب ما هذا القدوم الغريب!
جوليا :
يا رب، إنه لا يزال عندهم. ويلاه أيها الحبيب.
ملك فرنسا :
هذه أول مرة يا سادتي التقينا فيها على سلام.
خالد :
ونرجو أن تكون الأخيرة، بل مقدمة لصلح يقر به الحسام.
بكر :
هذا سلطاننا وسلطانكم قد أقبلا يتحدثان.
ديفو :
أظن أنهما اتفقا على سلم فإني أرى السرور في وجه السلطان.
الجزء الخامس (المذكورون - صلاح الدين وريكاردوس (متعاقدين))
صلاح الدين :
إذن قد اتفقنا يا سيدي على شروط السلام؟
ريكاردوس :
نعم اتفقنا، وسأطلع عليها أصحابي بعد انصرافنا من هذا المقام. (لأصحابه) : لقد اتفقت مع السلطان على شروط صلح يرضى بها الفريقان، سأخبركم بها متى انصرفنا من هنا؛ لأنه لا يليق أن نبسطها الآن، ولكني كافل لكم أنها مرضية لنا جميعا؛ ومرضية أيضا لجلالة السلطان، والآن فأنتم تعلمون أن السلطان قد وعدنا بكشف مسألة العلم، وأنه سيقوم لنا فيها مقام الشاكي ومقام الحكم؛ فتفضل أيها الملك بإنجاز وعدك وفضلك؛ حتى نعود شاكرين حسن سلامك واستقامة عدلك.
صلاح الدين :
أي جزاء للسارق عندكم إذا ثبت عليه الفعل؟
ريكاردوس :
يجازى بالقتل يا سيدي في نظير اختلاسه، وهو جزاء عدل.
صلاح الدين :
وإذا أنكر السرقة، وكذب الشهود والأقوال؟
ريكاردوس :
إذن يكون جزاؤه أن يبارز من يشكوه في ساحة النزال؛ فإذا انتصر كان بريئا، وإذا قتل كان مجرما وقد لاقى عقابه في الحال.
وليم (لصلاح الدين) :
مولاي إذا عرفت السارق فانتخبني أنا لقتاله.
صلاح الدين :
اصبر، تقدم يا عماد الدين، وأظهر لنا غريم الملك، فها هو بين رجاله.
عماد الدين :
اسمعوا أيها الملوك إن الرجل الذي سأظهره لكم الآن ليس سارقا فقط، بل قاتل نمام خوان؛ فلقد رأيته بعين العدل يحادث خادم أميرة من أمراء هذا المكان، ويزعم أنه يعشقها، ويريد قتل حبيبها؛ لكي لا يزاحمه إنسان، ثم أوصى الخادم أن يسرق خاتمها من يدها، ويريده لحارس ذلك العلم علامة منها ليذهب إليها، فلما أتى الخادم بالخاتم، وصرف به حارس العلم، تقدم السارق فأخذ الراية من مكانها وقتل الخادم غدرا؛ حتى لا يبوح بما كتم، فإذا انتقم منه الآن فقد انتقمتم من قاتل، وأخذتم ثأر الدماء، وهو انتقام يليق بالقضاة العدول والملوك الشرفاء.
ريكاردوس :
ويل لهذا الرجل، ولو كان من أكبر ملوك هذا المعسكر.
عماد الدين :
إنه ليس ملكا يا مولاي، فإذا أمرت فإنه عن قريب يظهر.
ريكاردوس :
تقدم وأظهره لنا؛ فإننا نريد أن نراه.
عماد الدين :
إذن فاخرج يا سيدي المركيز، تعال يا من لا يخشى من غضب الله.
المركيز :
أنا كذبت في وجهك أيها اللئيم، أنا أسرق أعلاما وأفعل هذا الفعل الذميم؟!
عماد الدين :
اسكت والله لولا الضيافة لطار رأسك بلا حكم الآن، إنه ينكر يا مولاي.
صلاح الدين :
إذن يؤيد دعواه في الميدان.
ريكاردوس :
نعم نريد أن يؤيد دعواه إذا كان عنده برهان.
المركيز :
إن برهاني هذا السيف يا قلب الأسد، أتريد أن أظهره لهذا الرجل أم يقوم مقامه أحد، وهذا قفازي أطرحه أمام الجميع؛ فمن تلقاه فهو خصمي.
صلاح الدين :
لقد كنت أحب أن يكذبك واحد من رجالي الأبطال؛ لولا أني تعاهدت مع مولاكم الآن ألا يكون بيننا قتال، ولكني أدعو لك واحدا من رجالكم الأشداء (يشير إلى وليم) .
وليم (يتقدم فيأخذ القفاز) :
شكرا لك يا مولاي؛ فقد وفيت بالوعد ونعم الوفاء، أنا أبارزك أيها المركيز، فإن خيانتك قد عادت علي، وأنا أحق من غيري بغسل عاري، ونفي ما وصل إلي، أيأمر مولاي قلب الأسد أن أكون أنا النائب عنه في هذا المقام؟
ريكاردوس :
نعم نأمر ولكن هل تقدر أن تثبت أمامه في ميدان الصدام؟
صلاح الدين :
أنا أضمن ثباته، ولكن على شرط أن يأخذ من يهواها.
ريكاردوس (همسا) :
لقد أعطيتها لك أيها الملك!
صلاح الدين :
وأنا أعطيه إياها.
ريكاردوس :
إنه غير شريف فلا أقبل هذا المقال.
صلاح الدين :
إن فعله يشرفه في الميدان، وإن الشرف بالأفعال.
ريكاردوس :
سنرى في الأمر فلينزلا إلى الحرب.
صلاح الدين :
هل أنتما على استعداد أيها الفارسان؟
وليم :
أنا أقسم على الإنجيل بالصدق والأمانة.
المركيز :
وأنا أقسم أيضا، هاتوا الإنجيل.
ريكاردوس :
احضروا إنجيل الملكة ليقسما عليه. (يذهب أحد الخدام، فيحضر الإنجيل ويمسكه بين يديه ويركع.)
وليم (يتقدم فيركع على ركبته ويضع يده على الإنجيل) :
أقسم بالله العظيم وبهذا الكتاب الشريف الطاهر إنني ذو حق فيما أقول، وأسأل الله تعالى أن ينصر الحق العدل.
المركيز (يفعل ذلك) :
أقسم بالله العظيم وبهذا الكتاب الشريف ... إلخ.
وليم :
أقسم بالله العظيم وبهذا الكتاب الشريف الطاهر أنني لا أستعمل في قتال عدوي هذا إلا السلاح المعتاد، وهو السيف ولا أستخدم لذلك سحرا ولا طلاسم.
المركيز (يفعل ذلك) :
أقسم بالله العظيم إلخ ...
المنادي (يتقدم بين الصفين) :
هذا الفارس وليم الإسكوتلندي يتقدم الآن بالنيابة عن الملك ريكاردوس ملك إنكلترا لقتال المركيز منسرات، الذي ادعى عليه الملك أنه خانه وأهان شرفه.
المركيز :
وأنا المركيز منسرات أقف الآن بينكم أيها الأمراء، وأنادي بأنني بريء من هذه التهمة الباطلة، وأنني مستعد لكي أزكي أقوالي في ساحة القتال.
ريكاردوس :
قدموا لهما الأسلحة (يتقدم اثنان يحملان سيفين وترسين)
انفخوا في الأبواق، وأنشدوا نشيد الحرب. (يلتقي الرجلان ويتبارزان، ثم يقتل وليم المركيز.)
وليم :
اسقط تحت سيف العدل جزاء ظلمك وعنادك.
المركيز :
أيها الملوك والأمراء لقد قتلني عدلا وحقا، فأنا الذي سرقت وقتلت ولم يعد يسعني الإنكار بعد هذا الموقف الرهيب، موقف الموت والآخرة، وها أنا أموت بعدل فاسألوا الله أن يعاملني بحلم.
ريكاردوس :
بوقوا بالأبواق ونادوا بشرف السلطان العادل؛ فهو الذي أظهر الأمر، وعلى يديه كان الحكم.
الجميع :
يحيى السلطان، يعيش السلطان.
ريكاردوس :
أما أنت أيها الفارس؛ فإنني أشكر الطبيب الذي خلصك منا حتى تقوم بهذا الفعل الآن عنا، فاذهب إلى الأميرات فهن أولى بمكافأتك وجزائك.
وليم :
أنا عبد يا مولاي، بسيفك انتصرت، وبأمرك قاتلت.
أما الطبيب الذي خلصني فأشكره متى رأيته وعرفته.
ريكاردوس :
حقا أيها السلطان، أحب أن أعرف الطبيب الذي أرسلته إلي؛ فإن له علينا شكرا.
صلاح الدين :
ستراه أيها الملك؛ أما الآن فإني أحب أن تأمر بمكافأة هذا البطل كما يستحق.
ريكاردوس :
ذلك شأن الملوك أيها السلطان، تقدمي أيتها الملكة، وأنت أيتها الأميرة جوليا، وانزعا سلاح هذا الفارس عنه بأيديكما إكراما له وتشريفا؛ فإنه يستحق الشرف والإكرام.
وليم :
لك مني شكر الذي كان ميتا
ثم أضحى بحسن فضلك حيا
أنت أعليتني وشرفت قدري
بجميل نعماه طالت عليا
ثم شبهتني بنجم سماء
فغدا النيران عن جانبيا
خادم :
مولاي، بالباب رسول من ملك إنكلترا.
ريكاردوس :
رسول من إنكلترا؟! قل له أن يدخل.
الرسول :
إن الكونت ملبورن سفير ملك اسكوتلاندا أرسلني إليك، وقد أرسل لك معي هذا الكتاب.
صلاح الدين :
انهض أيها الكونت؛ فأنت على الرحب والسعة.
الملكة (لوليم) :
انهض الآن أيها الفارس لأنت أهل لكل إكرام.
جوليا :
لقد قدر لي أن أنزع دائما سلاحك ...
وليم :
أنت ملك الصلح والمحبة والسلام.
الرسول (لوليم) :
ماذا أرى يا مولاي الأمير، أنت هنا يا سيدي، ونحن نبحث عنك.
ريكاردوس (بعد قراءة الكتاب) :
عجبا الأمير داود هنا؟ ولي عهد اسكوتلاندا في هذا الجيش ولا أدري؟
الرسول :
نعم أيها الملك فها هو أمامك.
ريكاردوس :
أنت الأمير داود، كيف تخفي نفسك إلى الآن أيها الأمير، فلقد ركعت لدينا، ونحن لا نعرف من أمرك شيئا سوى أنك باسل شجاع، تعال وعانقني (يعانقه)
تعال أيها الأمير داود يا ابن ملك اسكوتلاندا وولي عهده.
جوليا :
الأمير داود؟ وا طرباه.
ريكاردوس :
لقد كدنا نقتلك أيها الأمير كبعض العامة، ولا نفطن إليك فما هذا التنكر والاختفاء؟ بالله أين الطبيب الذي خلصني من هذا الجرم؟ أين الطبيب وأين السلطان؟
صلاح الدين :
عجبا ألا تراه أمامك؟
ريكاردوس :
أين هو؟! إني لا أرى أحدا.
صلاح الدين :
أنا هو أيها الملك، أنا الطبيب الذي دخلت عليك، وأنا الذي داويتك حبا بك؛ لأنك شجاع باسل وحرام أن تموت مريضا في عنفوان الشباب. أعرفت الطبيب الآن؟ أعرفت صلاح الدين؟
ريكاردوس :
صلاح الدين أعرفه من زمان، أما الطبيب فقد عرفته الآن، بورك فيك أيها السلطان، ما أطيب قلبك وما أعظم مروءتك وإحسانك، تعال أعانقك؛ فقد غمرتني بفضلك وإنعامك حقا، لا يعرف قيمة الملوك إلا الملوك.
صلاح الدين :
إنما فعلت واجب الإنسانية أيها الملك، ولا عداوة في الشدائد والأمراض، ولقد قال شاعرنا وأجاد: عند الشدائد تذهب الأحقاد، وكفاني سرورا الآن أني خلصت هذا الفتى الباسل، ثم علمت الآن أنني خلصت أميرا عظيما وولي عهد كريم.
ريكاردوس :
الفضل لك على كل حال، كيف تخفيت أيها الأمير، وما سبب هذا الاختفاء؟ أنجرد عليك السيف ولا تخبر من أنت؟ ما هذا الثبات، وما هذا العناد الشديد؟
وليم :
إني نذرت بأن ألقى الوغا رجلا
من الجنود بغير اسم ولا لقب
فإن نصرت فإن الله ينصرني
وإن قتلت فإن الموت أجدر بي
لأنني في جهاد للإله ومن
فضل المجاهد أن يغدو بلا رتب
لذلك لم أرض كشف اسمي لديك وقد
أوشكت تطرحني في وهدة العطب
لا خير في نسب ينجو بصاحبه
من الردى ويكون الفضل لا اسم أب
بل الفخار بأن ينجو الفتى شرفا
بفعله ثم يدعى منقذ النسب
هذي طريق المعالي سرت أطلبها
ولم أزل في حمى علياك بالطلب
صلاح الدين (للملك) :
الآن تعطيه ما قد أظن ...؟ ... ... ... ... ...
ريكاردوس : ... نعم
أعطيه مفتخرا منه بذا الحسب
ولست أنكر فضلا قد أتيت به
فأنت قد كنت أصل الأمر والسبب
واليوم أيها الشهم الكريم لقد
أصبحت صهري ...
وليم : ... ... ... ... ... ... وهذا منتهى أربي
ريكاردوس (لأخته) :
تقدمي واعقدي منه يدا بيد ... ... ... ... ...
جوليا : ... ... ... ... ...
شكرا لفضلك هذا خير مطلبي
بشرى لنا يا أميري لم يعد سبب
يحول ما بين لقيانا فوا طربي
ريكاردوس :
والآن فلنشكر السلطان فهو لقد
أحيا الأماني وكانت في يد الكرب
أحيا الجسوم كما أحيا النفوس وقد
أحيا القلوب وأحيا العدل عن كثب
لولاه ما كان هذا اليوم يجمعنا
ولا السرور فعاشت همة العرب
صلاح الدين :
إني فعلت الذي تقضي النفوس به
من الخصال وهذا واجب الأدب
فبادروا لنقيم العرس عن كثب
فالله خير هدانا خير منقلب (تمت بعونه تعالى)
وكان الفراغ من وضعها بقلم مؤلفها الفقير إليه تعالى نجيب بن سليمان الحداد اللبناني في 30 كانون الثاني سنة 1893 مسيحية.
تنبيه
كان الصليبيون يضعون على صدورهم صلبانا يعرفون بها؛ فكان صليب الإنكليز أبيض، والفرنساويين أحمر، والنمساويين أسود والإيطاليين أصفر.
Page inconnue