Prisonnière de Téhéran
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
Genres
يعمل سرد الأحداث على مستويين من انهمار شلال الذكريات، مع ملاحظة أن لحظة فتح «صمام» الشلال بدأت بعد عشرين عاما من انتهاء الأحداث في سجن إيفين؛ عملت الكاتبة على حفر جدولين، لا واحد، تسري فيهما مياه الذاكرة الصافية؛ الجدول الأول تجري فيه فيوض ذكريات المعتقل الذي نقلها فجأة من ميعة الصبا البريء إلى خشونة سجينة سياسية تعاين الذل والقهر والتعذيب والزواج القسري وتغيير العقيدة إجبارا، وتتداعى في الجدول الثاني ذكريات الطفولة الأولى اللاهية، لتتضافر مع مياه الجدول الأول كصبية تخبر لأول مرة ما يعانيه الكبار من النشطاء السياسيين خلف أسوار المعتقلات. بوسعنا أن نسمي الجدول الأول: «الذاكرة القريبة»، ونسمي الجدول الطفولي الآخر: «الذاكرة المركبة» أو العميقة. مع التأكيد على أن الذاكرة القريبة عمرها عشرون عاما، لأن الكاتبة لم تحرر ذكرياتها إلا بعد عقدين من هجرتها إلى كندا، ظلت خلالهما تلك التجارب حبيسة ذهنها الموجوع بأثقال المحنة.
وجاء هذا التضافر «المركب»، على نحو مركب أيضا؛ فأحيانا ترد ذكريات الطفولة متداخلة مع ذكريات المعتقل، وفي أحيان أخرى كانت الكاتبة تحكي عن طفولتها في فصول مستقلة.
وسار هذا التكتيك الفني بالتوازي؛ فصل كامل يحكي عن المعتقل، تشوبه لمحات خاطفة من الطفولة، على نهج «التداعي الحر للأفكار» كما نهجه رواد تيار الوعي مثل جويس وبروست وفرجينيا وولف، يليه فصل كامل تكرسه الكاتبة لسرد ذكريات طفولتها النقية الأولى مع جدتها الروسية وأمها وأبيها وأشقائها وتجارب المراهقة السعيدة مع حبيبها أراش، عازف الناي المسلم الخجول الذي شاهدها تمتطي دراجتها جوار كوخ العائلة على الشاطئ، وتصادقا، ثم تحابا، وظلت تذهب معه إلى «صخرة الصلاة» ليصليا معا، بالرغم من اختلاف العقيدة. صخرة الصلاة تلك - كما سمتها - ستظل تخبئ فيها أشياءها الثمينة، وهي تتساءل: هل بالجنة مكان نخبئ فيه أشياءنا؟ واختفى أراش فجأة ، ولم تره من جديد إلا جثة سابحة في بركة من الدماء تكسو أرض إحدى الثورات الإسلامية ضد شاه إيران.
غسل الذاكرة
ولأن الذاكرة هي بطل هذه الرواية، ولأن بطل الرواية هو محورها الذي تموت الدراما عادة بموته، فإن الدراما غالبا تحافظ على ذلك العمود الفقري، الذي لو انكسر كتبت الرواية كلمة «النهاية». على أن الحياة لا تنهج ما ينهجه الكاتب من الحفاظ على روح «البطل» حتى النهاية. أحيانا يكون للواقع رأي مخالف، علينا، شئنا أم أبينا، أن نحترمه ونحذو حذوه. «سارة» صديقة مارينا وزميلتها في السجن، حافظت على «بطلها» الخاص، ذكرياتها، بكتابتها فوق جسدها، وكانت ترفض الاستحمام كيلا تضيع ذاكرتها. لكنها في الأخير اضطرت إلى قتل بطلها بالماء، حين تحممت. كذلك مارينا بطلتنا، حينما خرجت من المعتقل وعادت إلى بيت أسرتها، وجدت أن أمها قد أغرقت دفتر ذكريات جدتها في الماء، كيلا يكون شاهدا على أصولهم الروسية، خوفا من بطش الخميني. شهدت مارينا جنازة البطل المغدور، الذاكرة، بعد عامين من قتله على يد الأم، فبكته بدمع جف من عينيها. لكنها حافظت على «بطلها» الخاص، ذاكرتها وذكرياتها، بأن دونتها في هذه الرواية التي بين أيدينا.
كذلك أندريه، زوجها الثاني وحبها الوحيد وخطيبها السابق قبل الاعتقال، جهد أن يحفظ «بطله» الخاص، ذاكرته مع حبيبته مارينا، فانتظرها حتى خرجت من السجن، بالرغم من زواجها من الجلاد المسلم، ولم يسمح لهذا البطل أن يخدش. انتظرها حتى عادت إليه، ولم يخفت حبها في قلبه لحظة حتى التأم شملهما من جديد وتزوجا ورزقهما الله من ثمرات الحب طفلين: مايكل، وتوماس، سوف يكبران ويعرفان يوما ما حدث لأمهما في طهران على يد الحرس الثوري الخميني.
تعدد الرواة
مع أن الرواية مكتوبة على لسان «راوية» وحيد، هو مارينا، بطلة الأحداث وساردتها، فلدينا في الواقع أكثر من مارينا واحدة.
لدينا مارينا «المرأة» الناضجة، الزوجة والأم التي فرت إلى كندا مع زوجها أندريه وطفلها، ولم تقرر أن تفتح صندوق ذكرياتها إلا بعد سنوات طوال من التجربة؛ تلك هي الراوية الرئيس للأحداث.
ولدينا مارينا «الصبية»، طالبة الثانوي المتفوقة التي انتزعت من دفء البيت إلى برودة المعتقل؛ تلك راوية ثان.
Page inconnue