Sahih et Da'if Tarikh Tabari
صحيح وضعيف تاريخ الطبري
Genres
(ثالثا): تدوين علم التاريخ:
يذكر مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي أن تدوين العلوم، وتحديد ذاتيتها، وظهور كيانها كان من منتصف القرن الهجري الثاني، فيقول "في سنة ثلاث وأربعين (ومئة) شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه والتفسير. . .، وكثر تدوين العلم وتبويبه، ودونت كتب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس، وقبل هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حفظهم، أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة" (¬1).
وهكذا نشأ علم التاريخ، واستقل عن علم الحديث، ولم يعد المؤرخ يسمى أخباريا، واقتصر مدلول الأخباري على راوي القصص والنوادر والحكايات، وأقبل العلماء والفقهاء على دراسة التاريخ والتأليف فيه، وصار لهم مكانة عالية بين الناس، واعتنى الخلفاء بسماع تواريخ الملوك في الأمم الأخرى لتكون لهم عظة، ويستفيدوا من تجاربهم، ورأوا أن قراءة التاريخ تفيد الفطنة والحنكة (¬2)، ولذلك قال الجاحظ: "علم النسب والخبر علم الملوك" (¬3).
وفي القرن الثالث الهجري استوى علم التاريخ على سوقه، وتوطدت دعائمه، وظهرت فيه المؤلفات والكتب التي تجمع المواضيع المتعاقبة، إما على أساس السنين، وإما على أساس الطبقات، وإما على تاريخ المدائن، وأصبح لعلم التاريخ منهج مرسوم، وصار له رواده وأعلامه، ويقصده طلاب العلم لذاته، وترجمت تواريخ الأمم الأخرى إلى العربية، وأصبحت مائدة التاريخ حافلة وشهية ونافعة، منها "الطبقات الكبرى" لابن سعد (230 ه) وكتاب "أخبار أو تاريخ مكة المشرفة" لأبي الوليد الأزرقي الحفيد (244 ه)، كتاب "تاريخ اليعقوبي" (278 ه أو 284 ه)، وكتاب "الأخبار الطوال" لأبي حنيفة الدينوري (291 ه) (¬4).
Page 76