فإذا دجا الليل وخلوت إلى همومي عاودتني الذكرى فنبا جنباي عن مواضع الرقاد، وإن هبت الصبا جددت حنيني واستعادت أشجاني، وأخبرني جماعة من أهل البصرة لاقيتهم في بعض أسفاري، وهم لا يعرفونني، أن بنتي كبرتا وأن قد كثر خاطبوهما، وأن أمهما أبت تزويجهما وقالت: لا أحب أن أفرح وأبوهما غائب، ولقد حاول إخوتها أن يثبتوا لها موتي فلم تصدق.
هذه قصتي أو هي واقعة من وقائع حياتي ذكرتها لتكون بيانا لسيئاتي، ولقد استقام بعدها أمري في فاقتي، ولم تحل فتن الحياة دون طلابي الحكمة وتجريبي الأيام، ثم رجعت إلى البصرة ولبثت بها حتى تزوجت بنتاي، فاستصحبت امرأتي لتكون معوانا لي في كبري، وهبطت مصر وإني لن أبرحها إلى أن ألقى حتفي.
أقول: قد تقدم في بيان ذنوبي ما لا يسعه العفو ولا يمحوه القدم. هذا مع ضعف في الأخلاق وسوء في التربية، وكيف يختار الكذب على أبيه رجل حسن تأديبه! وأنا بني الشرق لتزكوا أحسابنا ويجم مالنا ويعظم نشبنا فلا يفيدنا ذلك إلا غواية في الشباب وندما في الكبر، ولو كان أبي أحضر لي مؤدبا يعلمني الحكمة مكان الشعر أو مع الشعر أو أدخلني مدرسة من المدارس التي ليست ببلادنا لثقفت الغربة عودي وأغناني تعلم النافع عن طلاب النفع بالسؤال.
كم من فتى مثلي طيب الأرومة ثابت الأصل طويل النسب رفيع البيت ربي على الدلال، ووثق بثراء أبيه فرمى بذهبه يمنة ويسرة، فلما خرج عن ماله خرج عن مجده، ولم يدخر ما يكشف غماءه من علم تعلمه في صباه فصار إلى شقاء الجد ونكد الطالع، وضل في هذه الدنيا ضلالا.
قالوا إن تعليم البنات مهيع إلى إفسادهن، وما في القائلين بذلك من تعلمت أمه وعرف فسادها. إن هو إلا لجاج مبين. أبى القدماء مزايلة عاداتهم فضلوا وأضلوا، وحسبوا عصر بنائهم مثل عصرهم فشقوا وأشقوا. حتى إذا كانت العاقبة إذا هم في أجداثهم راقدون، لا يسمعون فتقص عليهم قصص من خلفوا ولا يتعظ بمصارعهم من عاش بعدهم ورأى خطأهم، ومن لا تعظه العبر لا تؤالمه وقعات الصروف.
المرأة
ألا ما لسيدتي ناحبه
بروحي مدامعها الساكبه
يكاد على خدها الاحمرار
يبين لناظره لاهبه
Page inconnue