بعثت هذه المظلومة كتابا إلى طنين تستنجدها به على ظالميها، ودافعت طنين عن الحق دفاع الأبطال.
هذه القصة أذكرتني أخرى مثلها. جرت في نحو سنة 1905 بسيواس قبل إعلان الحرية، وأنا إذ ذاك منفي بها، وذلك أن رجلا اسمه الحاج مقصود هو من قرية من قرى العزيزية يقال لها «جامورلي»، كان ذهب إلى حلب في جماعة من رجاله، فاختطف من إحدى القبائل صبية تدعى فضة. ثم جاء بها إلى بلده وأقامت معه بضع سنين، حتى إذا صارت شابة حملت منه كرها. وما زالت تترقب الفرص إلى أن سنحت لها. فشكت ما بها إلى رجل من قريتها اسمه غنيمت. ففر بها ليلا حتى دخل بها سيواس. فلما كان الصباح قصدت إلى الوالي وهو الشهم الهمام رشيد عاكف باشا، أحد أعضاء مجلس الأعيان الآن، ونجل الرجل الشاعر الحر عاكف باشا الشهير. فأمر بجعلها في داري، وأخذت المحكمة تنظر في أمرها. والحاج مقصود أودع السجن، ولكن بقي أعوانه يسعون في الأرض فسادا. فاستمالوا القاضي إليهم واغتالوا الذي فر بها فقتلوه ليلا وهو راجع إلى القرية، وأمر القاضي بإرجاع المرأة إلى الحاج مقصود، ولكنني لم أفعل. ثم جهزها الوالي وأعادها إلى أهلها بعد أن وضعت بنتا حرمت محبة الأب وهي في بطن أمها.
أما بعد، فالشكايات جمة ولكن من يسمعها، والجراحات دامية وأين من يأسوها. ابتلانا الله بأناس لا يفقهون قولا ولا يرتضون بنصح. فهم الحوائل بيننا وبين كل سؤدد، وهم الموانع دون كل مكرمة، نسميهم مسامحة إخوانا، وإنهم لإخوان السوء وأعداء الوطن. إذا اشتدت بهم شهواتهم زاغت أبصارهم وعرمت نفوسهم ووقفت الأهواء بينهم وبين الأحلام.
لست أدري ما يبتغي الرجل من فتاة يبتاعها بدراهمه ليشركها في حياته ويقاسمها أفراحه وأحزانه، كما يقاسمها نعمه وأمواله. أما فؤادها فموصد بابه في وجه محبته، وأما نفسها فحائمة على غير وده. لا يقدر أن يستخلصها لهواه ولا يدعها تختار هوى لها. كالغراب يخطف قرص الصابون لا هو يأكله ولا يتركه لصاحبه فينتفع به.
الفتاة التي تطأ بساط العز وتتهادى في مطارف النعمة وتتقلب على حواشي الملك، ويقول في أترابها شوقي بك:
أمضى نفوذا من زبي
دة في الإمارة والأمير
لو خلا بها من يستخبر فوآدها لقالت:
ولبس عباءة وتقر عيني
أحب إلي من لبس الشفوف
Page inconnue