هذا في فرنسة. أما في إنكلترا فتتمتع الصحافة الإنكليزية بحرية وسعة النطاق جدا، بعيدة عن كل إشراف أو رقابة، وليست هناك قوانين تفرض طلب الإذن بإصدار جريدة، حتى إن الصحف البريطانية تنشر أحيانا مواد فيها الطعن والسب أو أمور غير لائقة، إنما تفعل ذلك على مسئوليتها نفسها، ومرجع الفصل دائما في القضايا الناشئة عن هذه الحال المحاكم والحكم للقانون.
وبديهي عندما نتحدث عن حرية الصحافة لا نتعدى في بحثنا إلى حرية الرأي إطلاقا، فحرية الرأي تعني أن كل إنسان حر في إبداء رأيه سواء أكان خطأ أم صوابا، وإلا لما وجدت حرية الرأي. أما حرية الصحافة فتشمل حرية الرأي، ولكن بشرط ألا يكون إبداء هذا الرأي على وجه يضر بالمجموع، كما أن في حرية الصحافة بعض الحقوق والواجبات التي تنص عليها قوانين الصحافة والمطبوعات في كل بلد.
هذا في بلاد الناس. أما عندنا في العراق فكما أن الصحافة شيء جديد ناشئ فحريتها أيضا وليدة قاصرة، وللحرية الصحافية في بلدنا مفهوم خاص لا نعتقد أن هناك دولة حديثة من الدول الدستورية الديمقراطية تفهم هذه الحرية على الوجه الذي يفهمه القائمون بالأمر فينا.
في العهد العثماني
لم يكن في القطر العراقي في العهد العثماني قبل الدستور غير صحف رسمية حكومية ثلاث في بغداد والموصل والبصرة، وكانت الزوراء التي أسسها الوالي مدحت باشا في بغداد سنة 1869، كما مر في المحاضرات السابقة، تتفوق على زميلتيها ليس من ناحية القدم فحسب، بل في تاريخها الحافل؛ إذ إنها في عهد منشئها مدحت باشا أدت الواجب الصحافي رغما عن كونها صحيفة رسمية، فبحثت في أحوال الولاية وشئونها المختلفة بشيء من الحرية ملتزمة جادة الحق، فلما ذهب مؤسسها من هذه الديار بعد ثلاث سنوات تبدلت لهجتها، ولا سيما عندما شدد العهد الحميدي الخناق على الصحف وأخرس ألسنتها الناطقة وحطم أقلام الكتاب.
ومن الطريف أن نورد ونحن بصدد الصحافة في العراق بعض القيود التي كانت مفروضة في عهد السلطان عبد الحميد على صحف البلاد العثمانية ومنها العراق.
2
تعليمات إلى الصحف: (1)
قبل كل شيء يجب تنوير الشعب عن صحة جلالة مولانا الملك الغالية، ثم البحث عن المحصولات الزراعية وعن تقدم التجارة والصناعة في المملكة. (2)
محظور على الصحف نشر أي شيء لم يقترن بمصادقة «صاحب الدولة» وزير المعارف، عدا ما لا يرى دولته مانعا من نشره من الوجهة الأخلاقية. (3)
Page inconnue