Le Meilleur des Tafsirs
صفوة التفاسير
Maison d'édition
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
Lieu d'édition
القاهرة
Genres
لما اجتاز النهر مع الذين صبروا على العطش والتعب ورأوا كثرة عدوهم واعتراهم الخوف فقال فريق منهم ﴿قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا اليوم بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ﴾ أي لا قدرة لنا على قتال الأعداء مع قائد جيشهم جالوت فنحن قلة وهم كثرة كاثرة ﴿قَالَ الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ الله﴾ أي قال الذين يعتقدون بلقاء الله وهم الصفوة الأخيار والعلماء الأبرار من أتباع طالوت ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله﴾ أي كثيرًا ما غلبت الجماعة القليلة الجماعة الكثيرة بإِرادة الله ومشيئته، فليس النصر عن كثرة العدد وإِنما النصر من عند الله ﴿والله مَعَ الصابرين﴾ أي معهم بالحفظ والرعاية والتأييد ومن كان الله معه فهو منصور بحول الله ﴿وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ أي ظهروا في الفضاء المتسع وجهًا لوجه أمام ذلك الجيش الجرار جيش جالوت المدرّب على الحروب ﴿قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا﴾ دعوا الله ضارعين إِليه بثلاث دعوات تفيد إِدراك أسباب النصر فقالوا أولًا: ربنا أفضْ علينا صبرًا يعمنا في جمعنا وفي خاصة نفوسنا لنقوى على قتال أعدائك ﴿وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا﴾ أي ثبتنا في ميدان الحرب ولا تجعل للفرار سبيلًا إِلى قلوبنا وهي الدعوة الثانية ﴿وانصرنا عَلَى القوم الكافرين﴾ أي انصرنا على من كفر بك وكذب رسلك وهم جالوت وجنوده وهي الدعوة الثالثة قال تعالى إِخبارًا عنهم ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ الله﴾ أي هزموا جيش جالوت بنصر الله وتأييده إِجابة لدعائهم وانكسر عدوهم رغم كثرته ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ﴾ أي وقتل داود - وكان في جيش المؤمنين مع طالوت - رأس الطغيان جالوت واندحر جيشه ﴿وَآتَاهُ الله الملك والحكمة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ﴾ أي أعطى الله تعالى داود الملك والنبوّة وعلّمه ما يشاء من العلم النافع الذي أفاضه عليه، قال ابن كثير: كان طالوت قد وعده إِن قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويشاطره نعمته، ويشركه في أمره، فوفى له ثم آل الملك إِلى داود ﵇ مع ما منحه الله به من النبوّة العظيمة ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض﴾ أي لولا أن يدفع الله شرّ الأشرار بجهاد الأخيار لفسدت الحياة، لأنّ الشر إِن غلب كان الخراب والدمار ﴿ولكن الله ذُو فَضْلٍ عَلَى العالمين﴾ أي ذو تفضلٍ وإِنعام على البشر حيث لم يمكّن للشر من الاستعلاء ﴿تِلْكَ آيَاتُ الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بالحق﴾ أي ما قصصنا عليك يا محمد من الأمور الغريبة والقصص العجيبة التي وقعت في بني إِسرائيل هي من آيات الله وأخباره المغيبة التي أوحاها إِليك بالحق بواسطة جبريل الأمين ﴿وَإِنَّكَ لَمِنَ المرسلين﴾ أي وإِنك يا محمد لمن جملة الرسل الذين أرسلهم الله لتبليغ دعوة الله ﷿.
البَلاَغَة: ١ - قال أبو حيان: تضمنت الآية الكريمة من ضروب البلاغة وصنوف البيان أمورًا كثيرة منها الاستفهام الذي أُجري مجرى التعجب في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين﴾ والحذف بين ﴿مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ أي فماتوا ثم أحياهم، والطباق في قوله: ﴿مُوتُواْ﴾ و﴿أَحْيَاهُمْ﴾ كذلك في قوله: ﴿يَقْبِضُ﴾ و﴿وَيَبْسُطُ﴾ والتكرار في قوله: ﴿فَضْلٍ عَلَى الناس﴾ و﴿ولكن أَكْثَرَ الناس﴾ والالتفات في ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ والتشبيه بدون الأداة في قوله: ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾ شبّه قبوله تعالى إِنفاق العبد في سبيله بالقرض الحقيقي فأطلق اسم القرض عليه، والتجنيس المغاير في قوله: ﴿فَيُضَاعِفَهُ﴾ وقوله: ﴿أَضْعَافًا﴾ .
1 / 143