لا تبخلنَّ بدنيا، وهي مقبلةٌ ... فليسَ ينقصها التَّدبيرُ، والسَّرفُ
وإنْ تولَّتْ فأحرى أنْ تجودَ بها ... فالحمدُ منها إذا ما أدبرتْ خلفُ
دفع رجل إلى حسين الحسين بن علي ﵇ رقعة فقال: حاجتك مقضية، فقيل: يا ابن بنت رسول الله، لو نظرت في الرقعة، ثم رددت الجواب على قدر ذلك، يسألني الله عن ذل مقامة بين يدي، حتى أقرأ رقعته.
قال حذيفة: رب فاجر في دينه أخرق في معيشته يدخل الجنة بسماحته، وقال الحسن البصري: بذل المجهود في دفع الموجود منتهى الجود. وقال عمر بن عبد العزيز بن مروان إذا الرجل أمكنني من نفسه، حتى أمنع معروفي عنده فيده عندي مثل يدي: وقال المهدي لشبيب بن شبة: كيف رأيت الناس في داري؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن الرجل ليدخل راجيًا، ويخرج راضيًا، ويمثل رجل عند عبد الله بن جعفر بهذين البيتين: [الكامل]
إن الصَّنعةَ لا تكونُ صنيعىً ... حتَّى يصابَ بها طريقُ المصنعِ
فإّذا اصطنعتً صنيعةً فاعملْ بها ... للهِ أو لذويا لقرابةِ أودعِ
فقال عبد الله بن جعفر: لمن هذان البيتان؟ إنهما لبخلان الناس، ولكن أمطروا بالمعروف مطرًا، فإن أصاب لكرام كانوا له أهلًا، وإن أصاب اللئام كنت أنت له أهلًا. وروي أن عبد الله بن الزبير بعث إلى عائشة ﵁ بغرارتين فيها مال قدره ثمانون ومائة وألف درهم، فدعت بطبق فجعلت تقسمه بين الناس، فلما أمست قال: يا جارية، فطوري، فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أم درة: ما استطعت فيما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحمًا تفطرين عليه؟ قالت: لو كنت اذكرتيني لفعلت.
وروى أبان بن عثمان: أن رجلاُ أراد يصير لعبيد الله بن عباس فأتى وجوه قريش، فقال: يقول لكم عبيد الله بن عباس تغدوا عندي اليوم فأتوه، حتى ملؤوا الدار، فسأل عن ذلك فأخبروه فأمر عبيد الله بشراء الفاكهة فأكلوا.
ثم أمر قومًا فطبخوا وخبزوا، ثم فرغ من الطعام فقدم على الموائد فأكلوا، حتى صدروا، فلما خرجوا قال عبيد الله لوكلائه أموجود هذا كل يوم إذا أردته؟ قالوا: نعم، قال: فليتغدها ولأكل يوم عندنا، قال النبي ﵇: "عز المؤمن استغناؤه عن الناس؟، ومن ينفق الساعات في جمع ماله، مخافة فقر فالذي فعل الفقر".
قيل لعتابي، وهو أبو عمرو بن كلثوم بن عمرو إنك تلقى العامة ببشر، وتقريب، فقال: دفع ضغينة بأخف مؤونة واكتساب إخوان بأهون مبذول.
مدح أعرابي قومًا فقال: جعلوا أم، والهم مناديل لأعراضهم فالخير لهم قائد، والمعروف لهم شاهد، يعطون بطيب أنفسهم إذا طلب إليهم، ويباشرون المكروه بإشراق وجوه، إذا نفى الناس عليهم، وذكر أعرابي قومًا فقال: كانوا ليوث حرب، وغيوث جدب، إن أعطوا أغنوا كأن الدهر عجل لهم ما أخر غيرهم.
عن عائشة ﵁ قالت: كان يقال في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق.
قال أبو عباد: كان المأمون قد استقل مكاني، وأراد أن يكون انصرافي عن اختيار مني، فقال لي يومًا: لعلك قد اشتقت إلى أهلك فإن كان، فقد أذن لك أمير المؤمنين فأنشدته: [الطويل]
فإنِّي ودارٍ أنتْ فيها ابنَ معمرٍ ... كمكّةَ لم يطربْ لشوقِ حمامها
إذا اخترتُ دارًا للمقامِ ارتضيتها ... لنفسي ولم تكبرْ عليَّ مقامها
قال فأضرب عن ذلك، ولم يذاكرني به بعد ذلك، قال العباس: من وثق بالسلطان فكأنه اتكأ على الماء. قال المدائني: خرج يومًا معن بن زائدة على زواره، فقال لهم كدوني بالمسألة، ولا يقل أحدكم قد سألته مرة فإني، كما قال زياد الأعجم:
وأحسنَ، ثم أحسنْ، ثم عدنا ... فأحسنَ، ثم عدتُ لهُ فعادا [١٨]
مرارًا لا أعودُ إليهِ إلاَّ ... تبسَّمَ ضاحكًا وثنى الوسادا
فأقبل القوم يسألون حوائجهم، وهو يقضيها، حتى أتى رجل معتزل عن الناس، فقال معن: سل حاجتك، كما يسأل أصحابك، فقال: ليست لي دالة إلا فعلة إن ذكرتها، قال: وما هي؟ قال أتذكر أيها الأمير، وقد كنت بباب المنصور مع قوم ينتظرون الإذن، فابتدأ بحديث، فأقبل القوم عليك، فلما خرج الربيع بالإذن نهضوا عنك، وقطعوا عنك استماعهم منك، فأقبلت عليك بوجهي، وأصغيت إليك بسمعي، حتى فرغت من حديثك؟ قال معن: نعم، وما أنت بأخسهم فأعطاه ما سأله وفضله.
1 / 9