Saad dans sa vie privée
سعد في حياته الخاصة
Genres
فقال: «إنني لا أشك في ذلك.» فقلت: «هل لك أن تخبرني لماذا كان الشناوي أفندي هو الذي يهتم بشئون أفراد أسرته أكثر من غيره؟» فقال: «لأن سائر إخوته كانوا يشتغلون بالزراعة، أما هو فظل في البلد وصار عمدة.» فقلت: «وهل تستطيع أن تعلل سبب اهتمام الشناوي أفندي بسعد باشا وفتحي باشا أكثر من اهتمامه بسائر إخوته فسهر على تعليمهما بعناية؟» فقال: «إن لذلك ثلاثة أسباب: أولها أن الشناوي أفندي تزوج من شقيقة زوجة أبيه الثانية؛ أي من شقيقة والدة سعد وفتحي، فكان من الطبيعي أن يعطف عليهما عطفا خاصا بحكم هذه الصلة. أما السبب الثاني فكان ينحصر فيما شاهده الشناوي أفندي في سعد وفتحي من الذكاء المفرط منذ نعومة أظفارهما، ويلي ذلك السبب الثالث وهو أن سعدا وفتحيا كانا أصغر إخوتهما سنا، فكان هناك مجال لتعليمهما وتثقيف عقليهما.» فقلت: «إن هذه الأسباب الثلاثة وحدها لا تكفي، ولا بد أن الشناوي أفندي كان طيب القلب.» فقال العم علي طلحة على الفور: «أما عن طيب قلبه فحدث ولا حرج؛ ومن ذلك أنه لما ذهبت إلى العاصمة في خدمة سعد باشا بلغه يوما أنني مريض ومتعب، فسافر إلى القاهرة وعادني ولما رآني في حاجة إلى تبديل الهواء عاد بي إلى هنا وكان يسهر على معالجتي كأني شقيقه.» (18) سعد باشا وكيف أحب العلم
فسألت العم علي طلحة: «وهل كان سعد باشا ميالا إلى الدرس والحفظ؟» فأجاب: «إنه أبى أن يذهب إلى الكتاب في بادئ الأمر، فلم يكن من الشناوي أفندي إلا أن «اتك» عليه، فاضطر إلى الإذعان لرغبته، وكان كلما تكاسل في فروضه «يتك» عليه ويضربه، فلم ينقض على دخوله الكتاب وقت قصير حتى بدأ يتلذذ بتوسيع مداركه ومعارفه، فأكب على الدرس والحفظ بعناية واجتهاد، ولم يلبث أن أصبح «ألفة» الكتاب، فازداد شغفه بالعلم والتحصيل، فلما كاشفه الشناوي برغبته في إرساله إلى العاصمة ليدخل الأزهر، رقص للفكرة من شدة فرحه رغم الحزن الذي استولى على الست مريم بسبب فراقه.» فقلت للعم علي طلحة: «وما هي أوقع ذكرى تركها سعد باشا في نفسك؟» فتردد قليلا ثم قال: «كان شديدا ... لا يعذر من يتوانى في تأدية الواجبات الملقاة على عاتقه.» فقلت: «وهل كان الباشا شديد التدقيق في مأكله؟» فقال: «إنه لم يعرف هذا التدقيق إلا بعد مرضه، أما قبلا فإن أحب أنواع المآكل إليه كان السمك، فلما مرض صار يكثر من أكل الفراخ مع الخضار.» فقلت: «وهل كان دولته يفرط في التدخين؟» فقال: «كثيرا، حتى إنك كنت تشم رائحة الدخان في ملابسه بعد عودته إلى بيته، ولكن الغريب أنه أبطل التدخين دفعة واحدة لما أثبت له الأطباء أنه مضر بقلبه حتى صار يعتقد أنه لا يستطيع شم رائحته، وفعلا كان يحظر على زواره أن يدخنوا في مكتبه.»
وختمت حديثي مع العم علي طلحة بأن قلت له مبتسما: «وهل أنت سعيد يا عم علي لأنك عرفت سعد باشا هذه المعرفة الوثيقة؟» فقال: «وهل كانت لنا بركة غيره؟!» فقلت: «ومن تقصد بلفظة لنا هذه؟» فقال: «البلد كلها ... يعني مش عارف؟!» وهنا انهمرت الدموع من عينيه فغدا لا يقوى على الكلام، فوضع يديه على وجهه وابتعد عنا وهو ينتحب. •••
ولما انتهت مهمتي في أبيانة قفلت راجعا إلى منية المرشد؛ لأستأذن من فتح الله باشا في العودة إلى العاصمة شاكرا لمعاليه ما لقيته من حفاوته وإكرامه وحسن رعايته.
سعد في بيته
يشتمل هذا الفصل على وصف دقيق لبيت الأمة ومحتوياته، وعلى فذلكة عن حياة الفقيد العظيم المغفور له سعد زغلول باشا في هذا البيت وفي بيته في مسجد وصيف، وعلى حديث أفضى به سعادة حمد الباسل باشا وكيل الوفد المصري إلى المؤلف عن حياة سعد في مالطة، وعلى مقتطفات من المذكرات التاريخية التي دونها محمود أفندي عبد الله تابع سعد باشا في عدن وسيشل وجبل طارق عن معيشة الرئيس الجليل في تلك البلاد، وعلى حديث أدلى به معالي الأستاذ مكرم عبيد إلى المؤلف عن سعد بين عدن وسيشل. *** (1) جولة في بيت الأمة
كان المغفور له الفقيد العظيم سعد زغلول باشا يسكن قبل أن يتزوج في المنزل القائم على ناصيتي شارع عابدين وشارع الشيخ ريحان أمام سراي عابدين، وهو المنزل الذي تشغله الآن عيادة الدكتور واصف، ثم انتقل رحمه الله إلى منزل كبير في حي الظاهر في شارع زغلول الذي أسمي باسمه، ولكن هواء ذلك الحي لم يلائم صحة أم المصريين، ففكروا في بناء منزل جديد، واختاروا حي «الإنشاء» مكانا يشيدونه فيه؛ لما كان هذا الحي متصفا به يومئذ من الهدوء والسكينة، وريثما يتم بناء المنزل الجديد سكن الفقيد العظيم وصاحبة العصمة حرمه في منزل المغفور له مصطفى فهمي باشا والد أم المصريين، وهو المنزل الذي اشتراه «الفرير» فيما بعد وحولوه إلى المدرسة الكبيرة التي لهم الآن في حي باب اللوق.
وكانت تحيط ببيت الأمة قبل ابتداء الحركة الوطنية حديقة صغيرة تبتدئ عند الباب الخارجي ثم تتفرع إلى ممرين: أحدهما يؤدي إلى «السلاملك»، والآخر نحو الجزء الأدنى من الحديقة، وبينهما ممر عريض يؤدي إلى السلالم الرخام الموصلة إلى الباب الداخلي الكبير.
وعندما تصل إلى الباب الداخلي الكبير المشار إليه آنفا، تدق الجرس فيفتح لك خادم سوداني فتجد نفسك أمام «بارفان» عريض، وإلى يمينك ويسارك دولابان (فستيير) لتعليق الملابس، فإذا خطوت قليلا ألفيت نفسك في قاعة كبيرة طولها عشرون ياردة وعرضها خمس ياردات، وفي هذه القاعة كان أعضاء الوفد المصري وأنصاره يجتمعون للبحث في الشئون السياسية في بدء الحركة الوطنية.
وقد زينت جدران هذه القاعة بصور وتحف كثيرة، فإلى الجهة اليمنى ترى مرآة كبيرة تعلوها «يافطة» مكتوب عليها «أم المصريين صفية هانم زغلول»، وإلى يمين المرآة وثيقة إخلاص من طلبة مدرسة عباس باشا الأول ممضاة من جميع الطلبة، وإلى يسار المرآة أبيات من الشعر موضوعة في داخل إطار جميل مهدى من سيدات طنطا إلى أم المصريين، فباب يؤدي إلى دورة المياه، فصورة ملونة تمثل جماعة من الفقراء اشترتها صفية هانم من أحد معارض الفنون الجميلة، فتمثال نصفي لسعد باشا من صنع المثال الروسي «يورفتش»، فالسلم المؤدي إلى الدور العلوي.
Page inconnue