Saad dans sa vie privée
سعد في حياته الخاصة
Genres
فقلت لزميل سعد القديم: «وهل كان زملاء سعد يحبونه؟» فقال: «إنهم كانوا يحترمونه أكثر مما كانوا يحبونه؛ لأن الحسد كان يملأ قلوبهم منه، فكان إذا غاب يوما عن الكتاب هللوا وصفقوا ودخلوا على والدي وهم يصيحون: «الخيبة غاب النهارده يا أستاذ».» (8) سعد باشا «خيبة» في اللعب
فقلت للعم أحمد زيدان: ومن كانوا يعنون بلفظة «خيبة»؟ فقال ببساطة: «سعد باشا.» فقلت: «كيف كان سعد باشا ذكيا ومجتهدا كما قلت قبلا، وكيف كانوا يسمونه خيبة كما تقول الآن؟» فضحك العم أحمد زيدان وقال: قد كان ذكيا في داخل الكتاب، ولكنه كان خيبة في اللعب، وخصوصا في لعب الكرة، وكان من المحقق أن الفريق الذي يلعب معه يخسر دائما؛ ولذلك سموه خيبة على سبيل المداعبة والمزاح، حتى إن والدي كان يلتبس عليه الأمر أحيانا فيناديه في بعض الأيام بقوله له: «تعال يا خيبة»، ثم يفطن إلى خطئه فيقول حالا: «طيب تعال معلهش.»
وزاد العم أحمد زيدان على ما تقدم قوله إن سعد باشا كان يرهب جانب والده (العم أحمد زيدان الكبير)؛ لأن والدته الست مريم زغلول كانت تعهد إليه أحيانا في تأديبه عندما تغضب عليه لمسلكه في البيت، وهو يذكر أنه رآه مرة مطروحا على الأرض موثوق اليدين ووالده (أي العم أحمد زيدان الكبير) ينهال بالجريد على قدميه؛ عظة له وعبرة ولغيره من زملائه.
وهنا ابتسم فتح الله باشا وقال: «صحيح! ياما خدنا ضرب، وكان يكفي أن يذكروا أمامنا اسم الفقي لنرتعش خوفا وجزعا.» (9) سعد وفتحي وفتح الله
وبعدما انتهيت من حديثي مع العم أحمد زيدان، التفت إلي فتح الله باشا وقال: هذه أول مرة أسمع فيها حكاية اسم «خيبة» عن سعد باشا، وقد كان سعد باشا ينفر حقيقة من اللعب واللهو في ذلك الزمان، وكثيرا ما كان يغضب على أخيه فتحي باشا لأنه كان يجاريني في لعبي، وكانوا إذا سألوه لماذا يعرض عنا في معظم الأحيان يجيب السائلين بقوله: «دول عيال مدلعين»، غير أنه كان يشترك معنا أحيانا في اللعب، وخصوصا عندما كنت أذهب لزيارتهم في أبيانة؛ فكنا نلعب في الفناء الذي يقوم عليه الآن سلاملك بيت سعد باشا هناك.
فسألت فتح الله باشا من باب التفكهة عن أنواع اللعب التي كان يلعبها مع سعد باشا وفتحي باشا، فقال: إننا كنا نلعب إما «الاستغماية» أو «الكرة». (10) سعد باشا يرث أخلاقه
وأدى بنا هذا الحديث إلى الكلام عن أخلاق سعد باشا، فقلت لفتح الله باشا إن الفقيد اشتهر في حياته بعناده وصلابة رأيه وقوة شكيمته، فهل يعتقد أنه ورث هذه الصفات عن أحد من أهله؟ فقال معاليه: إن هذا مؤكد، ومما لا ريب فيه أنه ورثها عن جده الشيخ عبده بركاته (والد أم سعد باشا وجد فتح الله باشا من أبيه) وعن والده إبراهيم زغلول وعن خاله عبد الله بركات (والد فتح الله باشا) وسأسرد لكم حكاية واحدة عن كل منهم ثم أدع لكم أن تقارنوا بين أخلاقهم وأخلاق سعد باشا.
قال فتح الله باشا: «كان الشيخ عبده بركات جد سعد باشا مشهورا في هذه المنطقة بسلطته ونفوذه، فغضب عليه المدير التركي في يوم من الأيام وأراد التشهير به، فجمع أعيان الدائرة بجوار ساقية من السواقي، ولما اكتمل عقدهم قال لهم: «لقد أرسلت أطلب من الشيخ عبده بركات أن يحضر إلى هنا، وإذا كنتم تعتقدون أن هذا الرجل عظيم وقوي البطش فأنتم مخطئون، وسترون الآن كيف سأعامله وكيف أنني لن أفرج عنه قبل أن يلمس وجهه الأرض.» ثم أتى برجل مغضوب عليه وأمر بربطه بقدمي أحد الثورين الكبيرين اللذين يديران الساقية تعذيبا له على مرأى من الحاضرين، وما هي إلا فترة قصيرة حتى أقبل الشيخ عبده بركات على جواده ينهب الأرض نهبا، وما كاد يترجل عن صهوة حصانه حتى لمح ذلك المنكود الحظ المربوط بقدمي الثور، فأسرع إليه وفك رباطه وأطلق سراحه، فدهش الحاضرون وتوقعوا أن يأمر المدير بقطع رأسه، ولكن لم يكن من هذا إلا أن نهض واقفا ورحب بالشيخ عبده مكرما وفادته، ثم التفت إلى الحاضرين وقال لهم: «أيها الجبناء، إن الشيخ عبده بركات الذي كنتم تنتظرون تنكيلي به لأشرف منكم جميعا؛ فقد كنتم ترون هذا الرجل يتعذب وهو مربوط بقدمي الثور فلم يحرك أحدكم ساكنا لإنقاذه أو لالتماس العفو عنه، فاهنأ يا شيخ عبده بشهامتك.» وانطلق عائدا إلى ديوانه.» (11) الشيخ إبراهيم زغلول
ثم انتقل فتح الله باشا إلى الكلام عن الشيخ إبراهيم زغلول والد سعد باشا فقال: «حدث مرة أن عمدة في مديرية الغربية تعدى على موظف برتبة مأمور مركز، وكان المأمور يسمى يومئذ ناظر قسم، فصدر الحكم على العمدة بالإعدام شنقا وبتعليقه ثلاثة أيام في ساحة المديرية عبرة لمن يعتبر، وكانت عاصمة المديرية إذ ذاك في المحلة الكبرى، واتفق بعد أيام أن ناظر القسم مر على زراعة الشيخ إبراهيم زغلول، فأغلظ له في القول فاجتذبه الشيخ إبراهيم من فوق صهوة جواده وأثخنه ضربا موجعا ثم تركه يذهب في حاله، غير أن الحادث نمي سريعا إلى صهره عبد الله بركات، فامتطى صهوة جواده وقصد إلى أبيانة، وقابل الشيخ إبراهيم زغلول ولامه على تصرفه وذكره بحادثة العمدة المشنوق، فلم يحفل بهذا اللوم وقال إنه كان يدافع عن كرامته، فأسرع عبد الله بركات بجواده حتى أدرك الناظر المضروب قبل أن يصل إلى الديوان فاسترضاه وانتهى الحادث.» (12) عبد الله بركات وولكوكس
أما الحكاية الثالثة فكانت عن عبد الله بركات والد فتح الله باشا وخال سعد باشا؛ وخلاصتها أنه في سنة 1890 كان المستر ولكوكس المشهور مفتشا للري، وكان ذلك في أوائل عهده في خدمة الحكومة المصرية وقد تغير ماء النيل في جهة منية المرشد بسبب السد الذي كان يبنى في فرع رشيد، فصدر الأمر إلى أصحاب الوابورات الزراعية بألا يديروها بماء ترعة «البدالة» كما كانوا يفعلون قبلا، بل من ماء النهر رأسا، فأبى عبد الله بركات أن يذعن لهذا الأمر، وأوصى رجاله بأن يديروا وابوره من ترعة البدالة، فمر بزراعته المستر ولكوكس فأمر بتوقيف الوابور، وبعد قليل مر بها عبد الله بركات فأمر بإعادة تسيير الوابور بماء الترعة، ثم لم يلبث المستر ولكوكس أن مر بها مرة ثانية فأمر بتوقيف الوابور، فعاد عبد الله بركات وأمر بتسييره، فعاد المستر ولكوكس وأمر بتوقيف الوابور للمرة الثالثة، فعيل صبر عبد الله بركات، فجمع رجاله وقال لهم: «إنني ذاهب لأقتل المستر ولكوكس، فإنه خير لي أن أقتل بسببه على أن أرى أرضي تموت أمامي.» ومضى إلى مكتب المستر ولكوكس مسرعا، فلما دخل عليه قال هذا: «ماذا فعلت يا عبد الله أفندي؟ فإنني كلما أمرت بتوقيف وابورك تأمر أنت رجالك بتسييره ومخالفة أمري؟!» فقال له عبد الله بركات: «وقد عدت الآن فأمرتهم بإعادة تسييره، وإنه لخير لي أن أموت هنا من أن أرى أرضي تموت أمامي.» فابتسم المستر ولكوكس وقال: «إن رأسك يا عبد الله أفندي كهذه (وأمسك مكتبه الخشبي بيده) فأنت رجل عنيد جدا، فارجع إلى وابورك وخذ له ماء من الترعة كما تريد.» (13) حزم سعد باشا وشجاعته
Page inconnue