281

Heures entre les livres

ساعات بين الكتب

Genres

يتيم يعطف على اليتامى، وربيب أمة ضعيفة يحض على بر الإماء الضعاف، وفقير يوطئ أكناف العيش للفقراء، وتقي من معشر أتقياء يغض من كبرياء السروات، وهو في الذروة بين السروات، وصاحب دين لا تأخذه في الدين هوادة ولا ينحرف عنه إلى رحم أو قرابة، وكل أولئك في صورة إنسانية محببة قريبة إلى الفكر والبداهة، فهي صورة ممتعة وموحية، وهي خليقة من أجل ذلك أن تشوق وأن تفيد. •••

قرأت «هامش السيرة» فلم أنكر سياقها في موضع من المواضع، ولم أتمن لها قط أن تكون على غير ما اختار المؤلف أن تكون.

وغاية ما عندي من النقد لها أنني وددت لو ضمت من الصور الشخصية التي لازمت طفولة النبي فوق ما ضمت؛ لأن صورة الخلق الجاهلي أو صورة البعثة النبوية لن تتم بغير مثال من جحود الجاهلية، وسودة العصبية، وهل كان تمثيل أبي لهب هنا بعيدا من الموضع أو بعيدا من الزمان؟ لقد كان لزاما أن نعرف الجاهلية التي لقيت النبي بالغطرسة والعرام، وكانت صورة أبي لهب من ألزم الصور إلى جانب عبد الله في هذا المقام، ولا سيما بعد أن ساومته خديجة على شراء «ثويبة» التي أرضعت النبي لكي تعتقها، وترفه عنها بأمره، فأبى أبو لهب واستكبر، وهل يكمل تصوير الجاهلية بغير مثل جاف هذا الجفاء، غليظ هذه الغلظة، عتل لا يعي شيئا غير الصلف والتجبر على الضعفاء والفخر الجهول والكبرياء بالأجداد والآباء ووفرة الثراء؟ وهل من صورة أقرب إلى هذا المقام وأشبه بتمثيل الجانب الخشن فيه من أبي لهب؟ إن مكانه لمفقود في هامش السيرة، وإن الجاهلية لن تبدو لنا في جانبها الذي استوجب ظهور الإسلام، وشقي به المسلمون أول الأمر، إلا على صورة من هذا الغرار. •••

وبعد ففي «الهامش» عبارات يقف عندها القارئ؛ لأنه يجزم بنبوها في كلام أهل الزمان.

مثال ذلك ما أجراه المؤلف على لسان الأمة «ناصعة»، وهي تخاطب سيدتها فتقول: «مهلا يا سيدتي، ارفقي بنفسك، ولا تذهبي بها في الخيال كل مذهب.»

ولم يكن الإماء، ولا غير الإماء، يفهمن الخيال بالمعنى الذي نفهمه الآن.

ومن أمثلته أيضا قول فاطمة الخثعمية لعبد الله: «إن خير ما في الأمكنة والدور أنها ثابتة باقية، لا تتحول ولا تزول إلا في بطء، وإن شر ما في الزمان أنه لا يعرف الهدوء ولا الاستقرار» وهذا الكلام عن الزمان والمكان أدنى إلى كلام المتفلسفة في القرن الثالث والرابع منه إلى كلام النساء فيما قبل البعثة النبوية.

وإنها لهفوات لا يتجاوز عنها في نقد «هامش السيرة» إذ كانت شفاعته الكبرى أنه يحكي زمانه أبسط الحكاية في العقيدة، والإدراك، والتعبير.

لكنها طابع العصر أبى إلا أن يتراءى في كتاب أوشك أن ينقلها إلى عصره كل شيء، ولم يكد يذكرنا المؤلف فيه بنفسه إلا مرة أو مرتين.

مع المتنبي

Page inconnue