Heures entre les livres
ساعات بين الكتب
Genres
معرض
في كل كتاب من كتب السياحة العالمية معرض يلذ ويفيد، ولا سيما إذا كان مؤلفه على خبرة بالدنيا، ومعرفة بالناس، وعلم ببعض الفنون كالأستاذ «ستير» صاحب كتاب «مع بافلوفا حول الدنيا» الذي وعدنا بعودة إليه، ونحن عائدون.
من الشمال أو من الجنوب نبدأ؟ وبأخبار الأمم أو بأخبار الأفراد المشهورين؟ بهذا وذاك وهذه وتلك، لا نتقيد بقيد ولا نلتزم خطة في السياحة، فكل صفحة تنتقل بنا إلى أمة أو أمم، وكل علامة تقف بنا عند شيء يستوقف النظر، وأصابع المتصفح أسرع من سفن البخار في جوب الأقطار وطي الأرضين والبحار، فما بين الشرق والغرب إلا «فركة» بالإصبع أهون من «فركة» الشعرة التي كانوا يستحضرون بها المردة في الزمان القديم، ثم يتقارب الغرب والشرق، ويتلاقى الشمال والجنوب، وها نحن مقلعون على بركة الله. - أين؟ - في ستكهولم!
وقبل ذلك نسألك أيها القارئ: أكان يخطر ببالك أن أمم الشمال - أمم الثلج والغمام - تعرف الحماسة للفنون، وتجمح بها ثورة الإعجاب أفرادا وجماعات؟ لعلك كنت تستبعد هذا أو لعلك كنت تقيس الأمر إلى أمم الجنوب التي جثم بها كسل النفس فلا يستخفها شيء، ولا يستثيرها شغف أو إعجاب، فكنت تقول: لا الثلج بثلج ولا النار بنار، نعم لا الثلج في السماء بثلج في القلوب ولا النار في الهواء بنار في نفوس مستنشقيه، ففي الجنوب أمم حل بها الوخم فهي كالنائم في قيظ الظهيرة، وفي الشمال أمم لا تسكن ولا تركد فهي كمن يغالب القر بالرياضة، فلا عجب أن تصبح الحركة فريضة عند أبناء الشمال، وأن تصبح السكينة زينة عند أبناء الجنوب! ومن ثم لا عجب أن يكون أهل السويد ممن يعرفون الحماسة في بعض الأحيان، وأن يكون أهل أفريقيا ممن لا يعرفون الحماسة في كثير من الأحيان!
رقصت «أنا بافلوفا» في ستوكهولم فما هي إلا أن أتمت ليلتها الأولى، وخرجت من الملعب إلى المركبة حتى وجدت الخيل محلولة والناس يتهيئون لجرها، والجماهير يتبعونها ألوفا إلى الفندق وهم يرعدون بالهتاف والتهليل، وجاءها في صباح اليوم التالي رسول من قصر الملك ومعه مركبة ملكية يدعوها إلى مقابلة رسمية يقلدها فيها صاحب الجلالة النوط الذهبي للفنون والعلوم بيديه الكريمتين، ولقيت في أمم أخرى من أوربا الشمالية مثل ما لقيته في السويد ولكن على درجات، كأنها كانت تبتعد من مظاهر الحماسة كلما ابتعدت من بلاد الشمال، إلا في إسبانيا فقد التقى النقيضان هناك كما يقول الغربيون في أمثالهم، وتشابهت بعض المشابهة أقطار الثلوج وأقطار الرياحين.
هذه الحماسة من أهل السويد لا تدهشني لأن الحماسة قد تجيء من قوة العاطفة العميقة كما تجيء من خفة الأعصاب والألباب، فإذا رحبت النفس وعمقت وامتلأت فهي خليقة أن تعرف من ثورة الشعور ما قل أن يعرفه السطحيون المستخفون، وأهل السويد أناس تعودوا العزلة في جوهم الصارم المكفهر، وتعودوا اكتظاظ النفس بالشعور في تلك العزلة، فلا تكون ثورات الشعور عندهم بالشيء المتناقض المستغرب، ولعل البرد الذي يخاله الناس مناقضا للحماسة هو الذي جعل السويديين أمة الرياضة البدنية، وهو الذي جعلهم يعجبون بالقص الجميل ذلك الإعجاب. •••
ها هنا مسرح كبير، لا كراسي فيه، ولا مقاصير.
كيف؟ وأين يجلس الناس؟
على الأرض! أو على مقعد لا يرتفع على الأرض أكثر من أربعة قراريط، وفي ركن من أركان ذلك المقعد علبة فيها رمل وتحت الرمل جذوات موقدات، لماذا؟ لإشعال السجائر التي يدخنها المتفرجون! وثق أيها القارئ أنك في غير بلاد الهمج المتبربرين، بل ثق أنك في بلاد دولة من دول العالم الكبار! ثق أنك في اليابان، لأنهم في اليابان لا يصنعون معاهد التمثيل على النظام الأوربي، إلا معهدا واحدا في العاصمة وهو معهد الإمبراطور.
أذكر فيما قرأت من أخبار الصحف أن قائدا تركيا في بلاد الحجاز صدرت إليه الأوامر من رؤسائه بتسليم المدينة التي كان يحرسها والاتفاق مع العرب المحاصرين لها على شروط التسليم، فغضب القائد وأخذته العزة وقال لمن حوله: ما هذا؟ أيريدون مني أن أصافح أناسا يأكلون طعامهم بأصابعهم؟
Page inconnue