246

Heures entre les livres

ساعات بين الكتب

Genres

كيف ذلك!

قالوا: نعم. لو طال أنف كيلوباترا أو قصر بمقدار ثمن قيراط لشاه وجهها وذهبت فتنة جمالها وعز عليها أن توقع في شباكها رجلا كيوليوس قيصر، أو رجلا كمارك أنطونيوس؛ ومن ثم كانت معركة «أكتيوم» تختفي من التاريخ، وكانت دولة «أوغسطس» تنشأ في حدود غير حدودها، ومعالم غير معالمها، فلا بيلاطس يحكم في سورية، ولا هيرود يملك على اليهود، ولا الظروف التي أتاحت للقديس بولس أن يجوب الأقطار للتبشير بدعوته كانت تتهيأ له كما تهيأت أو تحدث كما حدثت، وكان من المحتمل أن تظل رومة بمعزل عن المسيحية بقية حياتها، إلى غير ذلك من التقديرات التي ليس لها اليوم ميزان توزن به، ولا يقف بها التخيل عند غاية.

ذلك مثل مما يصح أن يتغير في تاريخ الدنيا إذا تغير فيه أنف امرأة، وليس هذا التغيير بالأمر الحقير كما يقول الأستاذ، ولا سيما في رأي السيدة التي تحمل ذلك الأنف الذي يراد به أن يقصر أو يطول! ولكنه بالغا ما بلغ من الخطر وجلالة الشأن تغيير يعجب الكثيرون إذا قيل لهم إنه يتصرف بالدنيا والآخرة هذا التصرف وتتعلق به مقادير الأمم وآمال بني الإنسان في العالم المجهول.

ومثل آخر من الأمثلة التي ذكرها الأستاذ في فصول هذا البحث، عمر الإسكندر الكبير الذي مات بحمى «الملاريا» في الثالثة والثلاثين وهي سن صغيرة، يفتتح فيها كثير من الناس سجل الشهرة والخلود. أفما كان من الجائز ألا يصاب الإسكندر بالحمى، وألا يموت في هذه السن الصغيرة؟ وإذا تأخر به العمر حتى ناهز السبعين أو الثمانين، وأنجز ما في نفسه من المطالب والخطط أفكان يمضي تاريخ الشرق والغرب في مجراه الذي يمضي فيه أم كان لا بد له من تغير يظهر لنا أمورا لم تظهر، ويخفي أمورا لم تخف، ويترتب عليه أن أناسا منا لا يولدون، وأن أناسا آخرين يولدون، وهم الآن في عالم الوهم والاحتمال؟

قال الأستاذ: لو أن الإسكندر الكبير لم يحتضر في سنة 323 قبل الميلاد بل عاش حتى بلغ الكهولة على الأقل فنظم فتوحاته، ووطد أركان ملكه، وأتم برنامج فتوحه، وأنضج سياسته، لجاز أن يتحول كل ما أعقبه من الحوادث تحولا عظيما عن باقي الآثار، فقد كان في العهد الذي مات فيه ينوي أن يغزو بلاد العرب؛ ليضمها إلى دولته، وأن يسير على قرطاجنة أسطولا، ثم يغير بعد ذلك على «رومة» التي كان الاستيلاء عليها في ذلك الحين من أهون الأمور وأقلها كلفة.

فلو أنه ملك بلاد العرب لكان من المحتمل ألا يظهر النبي محمد!

ولو أنه ملك قرطاجنة لكان من المحتمل ألا يظهر هنيبال، ولا يتردد له اسم في الأسماع.

ولو أنه ملك رومة لما ظهر يوليوس قيصر من خموله في الريف، ولا كان هذا الشهر يوليو، كتب هذا الفصل في شهر يوليو الماضي.

بل أعظم من ذلك أن المسيحية التي كانت في عنصرها نحلة من نحل الإسكندرية ما كانت لتصبح يوما وهي كاثوليكية رومانية. •••

واحتمال آخر من هذه الاحتمالات العجيبة. أن فلسفة روسو كلها كانت على وشك الضياع في ساعة من الساعات، ثم كان من المحقق أن ضياعها يؤثر بعض التأثير في مجرى الثورة الفرنسية التي كان روسو من أبنائها المتبعين، وكانت كتبه بمثابة الوحي لبعض دعاتها المسموعين.

Page inconnue