242

Heures entre les livres

ساعات بين الكتب

Genres

هؤلاء أصحاب صنف رخيص جدا من الغرور، وهم لهذا كثيرون لا يدل التعجب من شأنهم إلا على أنهم كثيرون وأنهم من الكثرة بحيث لا يلحظون، فإذا لحظوا يوما كانوا من أجل ذلك مستغربين جد مستغربين!

أعرف واحدا من هؤلاء ينفق خمسة جنيهات ليمثل في القهوة التي يتردد عليها رواية الغني، ويقنع من الخدم والجالسين بالمشاهدة دون التصديق! يراه الخدم والجالسون عاما كاملا بكسوة واحدة وسمت واحد، بل يرونه أياما يستدين الشراب ويسوف في أداء الحساب القليل، ثم لا يمنعه ذلك إذا هو ظفر ببضعة جنيهات أن يستعير أبهة الغني، ويأمر وينهى، ويسقي الجالسين من ماله وينفح الخادم والمتسول وماسح الحذاء نفحات أهل اليسار المبذرين، ويذهب إلى البيت وهو راض مسرور بما بذل في شراء هذا الإعجاب البخس من مال هو في أشد الحاجة إليه، فهل تراه يحسب أن جماعة القهوة حسبوه من الأغنياء وأخرجوه من زمرة الفقراء؟ لا! ما هو بالساذج ولا الغائب عن صوابه فيخطر له هذا الخاطر، ولكن الغرور كامن في نفسه، فهو لا يريد إلا أن يترجم عنه بتلك الرواية الممثلة والغبطة الفنية، فلا فرق عنده بين إحراز الثروة في الخزانة، أو في باطن شعوره، وماذا يعنيه هو إلا باطن الشعور؟!

ورأى مرة متسولا معتوها وهو سكران لا يعي فقال: عجبا! أيطلب هذا نقدا؟ أتريد يا هذا نقدا! خذ خذ، وأفرغ له ما في جيب صداره، وطفق يتكلف الاستغراب لمن حوله كأنه لا يعرف في حياته إنسانا يفتقر إلى مال، وربما كان فيمن حوله من أقرضه هو قبل ذلك بساعات أو أيام.

سبحانك اللهم ما أقدرك على إرضاء عبادك! وما أكثر المغبونين في الدنيا وهم يحملون مكارهها الثقيلة بهذا الأجر القليل.

الأساطير1

عندما أكون في الريف لا يشغلني شأن من شئونه هو أمتع للنفس، وأولى بالدرس من تحصيل مواده التي أسميها «أدب الريف» وهي: (1)

الأمثال الموروثة. (2)

مراثي النواح النسائية. (3)

الأساطير المعبرة عن أحوالهم الاجتماعية والنفسية.

وآسف كثيرا لأن هذه المواد الغزيرة لم تدخل بعد في الأدب الفصيح، ولم تحسب من ثروتنا الفكرية والفنية، مع أنها ترتقي عند الاختيار والتمييز إلى طبقة تضارع المأثور من مثيلاتها في أرقى الأمم، وأبلغ الآداب، وفي بعضها - وهو مراثي النواح - باب للمقابلة بين الألحان المصرية الحاضرة، والألحان التي كانت شائعة في عهدي العرب والفراعنة، وباب آخر للمقابلة بين تعبيرات النفس المصرية قديما وحديثا في الحزن على من تفقده في مختلف الأعمال والأحوال، فالمرأة محافظة في عاداتها البيتية التي ترتبط بها مراسم الأسرة، وشعائر الحزن أبقى الشعائر وأدومها؛ لأنها لا تزال تكسب من الموت صبغة الدوام والتقديس والعصمة من التغيير، فإذا بحثت مراثي النساء لم يخل البحث من نتيجة تكشف لنا من الموسيقى المصرية القديمة، وتعبيرات النفس المصرية ما لم ينكشف لنا في غير هذا المجال.

Page inconnue