Pionniers de la Renaissance moderne
رواد النهضة الحديثة
Genres
وكنا نلحن ذات مساء أحد ميامر مار أفرام، فقال جدي: ستكون أنا على «الخورس» ولا ينقصك إلا صوتي. غير أن ذلك الحلم لم يصح ...
ثم انتقلنا إلى الفرنسية، وكان المرحوم لا يعرفها، فخاف علي، ولكنه اطمأن حين درى أنها ليست في حساب الأولية. كنت أنا أكرهها؛ لأني كنت أتعلمها وحدي دون أولاد القرية، ولكن الله - سبحانه وتعالى - فك تلك العقدة، وقع خلاف في الضيعة، فأخذ أحدهم كتبنا خلسة ورماها في بئر الكنيسة، ولم يدع منها غير كتبي الإفرنسية: الغراماطيق وديالوغ حرفوش. فأخفيتهما أنا خلف المذبح الصغير، واسترحت منهما حينا ...
وصرت الاختصاصي في خدمة القداس، فكنت أزهو حين تعجب الناس قراءتي «الرسائل» و«السنكسار»، وترتيل «الفراميات»، ثم صرت أنافس الكهنة على «القراية» حتى في صلاة الحاش - جمعة الآلام - وأخيرا صرت أجاحش في كل ميدان ...
وهاجر المعلم طنوس، فحل محله غيره، ثم مات هذا فكان موته عيدا كبيرا عندنا. وفتشوا عن آخر، فما اتفقت كلمتهم على واحد؛ لأنهم كانوا حزبين، فكان ذلك عيدا أكبر.
وظلت الضيعة بلا معلم، فقال جدي لوالدي: رح دبر مدرسة للصبي. وانتقلت من مدرسة تحت السنديانة إلى مدرسة حولها سنديانات، ومنها إلى مدرسة في غابة من هذا الشجر المبارك - مار يوحنا مارون، ثم كانت خاتمة المطاف في مدرسة الحكمة.
ما صعب علي شيء في مدرسة غير بري القلم، ومع ذلك قلت في وصفه حين نظمت الشعر: تعلم بطش الأسد في ضفة النهر.
هذه الصورة من صور مدرسة تحت السنديانة، التي يتحدثون عنها في لبنان، وغير لبنان، حتى أن آنسة في باريس كتبت إلى صديقي الأستاذ جبور عبد النور تسأله أن أصفها لها؛ لأنها تحتاج إليها في أطروحة الدكتوراه، فما فعلت إلا الآن، وإن كنت لم أتعد جهد المقل ولقطة العجلان.
أليس كلامنا في كتابنا هذا عن «رواد النهضة»؟ وهل هؤلاء الرواد غير تلاميذ مثل هذه المدرسة؟ إذن لا بأس علينا إن تكلمنا عن السنديانة ومدرستها، قبل أن نتكلم عن خريجيها، وخريجي أمثالها من ذوي الآثار الجليلة. (3) بين الكهف والدار «نسخ وطبع، ترجمة وتأليف»
في أعماق الديورة، وجوار الجوامع بقي للعلم قبس كنار المجوس الدائمة. أجل، في ثنايا كهوف الجبل كانت تذكى تلك النار بالقلمين: العربي والكرشوني، فظل الكهف، في زمن الرعب، مستودعا للمعرفة، ومعجنا لخميرة العلم، فتخت وفاضت على حفافيه. ففي غرفة ذات ثلاثة أذرع عرضا، في أربعة طولا، كان يحتبي راهب يابس من الصوم أو يقرفص، أمامه مصباح من الزيت، بلا زجاجة، يرسم نوره المترجرج خيالات وأشباحا كأنه الفانوس السحري، يحنو على كتابه حنو المرضعات على الفطيم، يقرأ بإمعان ريثما تستريح أنامله، ويزول خدر رجله، ثم يعود إلى عمله بعدما يتبسط جلده وتمحي الأثلام التي شقها فيه قش الحصير.
أما الدواة النحاسية ذات الأنبوب الطويل فهي أمامه على «سكملة» والمرملة حدها، يتكئ قلم «الغزار» على صدرها كما ينام الطفل على عنق أمه. إن له في أحشاء الدواة إخوة يحلون محله متى كل، والسكين مشحوذة دائما لقط رأسه، أو بري سواه. وعن يمين الناسخ - كاهنا كان أو شدياقا - لوحة مشبوحة بالخيوط شبحا متناسقا مستقيما، يصلب الناسخ عليها الورق لتستقيم له السطور.
Page inconnue