Rum
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
Genres
وكان يوليانوس يرى في مصنفات علماء اليونان وفلاسفتهم ينبوع الثقافة كلها، ويرى في فلسفتهم فلسفة عالمية تتعدى حدود اليونان الجغرافية فتشمل العالم بأسره، وكان يرى في مؤلفات فيثاغورس وأفلاطون ويمبليخوس مئونة فكرية كافية يستغني بها كل عالم عن كل قول فلسفي آخر، واستهواه يمبليخوس اللبناني وسيطر على تفكيره فابتعد عن أفلاطون ولم يهتد بهديه.
ويستدل من رسائله - ولا سيما تلك التي جعل عنوانها «الملك الشمس» - أنه قال بأكوان ثلاثة أو شموس ثلاث: الشمس الأولى شمس الحقائق الراهنة والمبادئ السامية والعلة الأولى وهي التي سماها الشمس النفس، والشمس الثالثة شمس المادة الملموسة وصورة انعكاس الشمس الأولى. وبين الاثنتين - بين النفس والمادة - شمس ثانية هي شمس العقل. ولما كانت الشمس الأولى بعيدة المنال وكانت الشمس الثالثة مادية غير صالحة للعبادة، فإن يوليانوس عبد شمس العقل وسماها الملك الشمس، واعتقد أنه هو سليل الملك الشمس يهتدي بإرشاده عن طريق رؤى معينة يتفضل بها عليه الملك الشمس بين حين وآخر. وقال بتناسخ الأرواح على طريقة فيثاغورس، فاعتقد أنه هو الإسكندر في دور آخر.
وتبنى في رسالته «ما يؤخذ عن النصرانية» موقف بورفيريوس الفيلسوف الحوراني اللبناني، فقال إن الإله يهوه إله التوراة هو إله شعب خاص لا إله الكون بأسره، وأنه هنالك تناقضا بين التوحيد في التوراة والتثليث في الإنجيل، وأن الأناجيل الأربعة متنافرة غير متآلفة، وكره النصارى لأنهم كفروا بالآلهة، كما كره كل وثني لعن آلهة أجداده وجدف عليها.
ولا نعلم بالضبط متى أعلن يوليانوس نفسه وثنيا، وقد يكون ذلك في السنة 361 في نيش عندما علم بوفاة قسطنديوس وبوصيته؛ ففيها ذبح يوليانوس باسم الآلهة، ومنها كتب إلى بعض أصدقائه، ولكن هذا لم يعن اضطهاد النصرانية، فإنه عندما دخل القسطنطينية استدعى إليه مكسيميوس الوثني كما استدعى القديس باسيليوس رفيقه في جامعة آثينة.
ومنح يوليانوس الشعب حرية المعتقد وسمح بعودة من نفي مضطهدا، فاغتنم الفرصة أثناسيوس الكبير وعاد إلى الإسكندرية، ولكن يوليانوس ما لبث أن أصدر في السابع عشر من حزيران من السنة 3262 قانونا جديدا للتعليم حصر بموجبه تعيين الأساتذة بيد السلطة المركزية ومنع المسيحيين من مزاولة هذه المهنة؛ «لأنهم حرموا درس النصوص الفلسفية القديمة.»
4
فانبرى كل من أبوليناريوس كاهن اللاذقية وابنه أسقفها لنظم التاريخ المقدس في لغة يونانية قشيبة فصحى، فأخرجا أربعا وعشرين قصيدة ضمناها أخبار التوراة منذ البدء حتى عهد شاوول، وحذا حذوهما غيرهما من الآباء، فتيسرت للنصارى نصوص يونانية فصحى استعاضوا بها في تعليم أولادهم عن النصوص اليونانية الوثنية.
وأفرغ يوليانوس مجهوده في تذليل الأكليروس، فنزع منهم امتيازاتهم وأبطل ما كان قد أمر به قسطنطين الكبير من معونة لهم، وكان يقول مستهزئا إن قصده من ذلك أن يقود المسيحيين إلى الكمال بحملهم على إتقان الفقر الذي أمر به الإنجيل، وعرى الكنائس ونقل تحفها إلى هياكل الأوثان.
في أنطاكية
ودب النشاط في صفوف قبائل القوط في قطاع الدانوب، وحسب يوليانوس لذلك حسابه، ولكنه آثر العمل في الشرق في جهة الفرات؛ لأنه كان يعتقد أنه هو الإسكندر في دور ثان، فقام إلى أنطاكية في صيف السنة 362 فوصلها في التاسع عشر من تموز يوم انتحاب العذارى على مقتل أذوناي عشيق عشتروت، وكان ليبانيوس الفيلسوف الأديب قد عاد إليها ليعلم فيها إخوانه الأنطاكيين، فاستقبل الإمبراطور الجاحد استقبالا حارا، ولكن أنطاكية كانت قد أصبحت مسيحية، فهال يوليانوس إعراض أهلها عن الدين القديم وقلة اكتراثهم بهياكل دفنة المقدسة، فقال في إحدى رسائله إلى الأنطاكيين: «هو ذا الشهر العاشر شهر لوس الذي تبتهجون فيه بعيد أبولون الإله الشمس، وكان من واجبكم أن تزوروا دفنة، وكنت أنا أتصور موكبكم لهذه المناسبة شبانا بيضا أطهارا يحملون الخمور والزيوت والبخور ويقدمون الذبائح، ولكني دخلت المقام فلم أجد شيئا من هذا وظننت أني لا أزال خارج المقام، فإذا بالكاهن ينبئني أن المدينة لم تقدم قربانا هذه المرة إلا وزة واحدة جاء بها هو من بيته!»
Page inconnue