Rum
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
Genres
وتدل بقايا بعض هؤلاء الفرسان في الصالحية عند الفرات أن حمائلهم كانت مرصعة باليشب الصيني، وكان القائد الساساني قبيل بدء القتال يذهب إلى أقرب ماء فيسكب فوقه قليلا مما يحمل من الماء المقدس ثم يرمي النبلة المباركة، وعلى الأثر يصف جيشه للقتال ويأمر بالنفخ في الناي الفارسي والمناداة بالعبارة البهلوية «مرد ومرد»، ومعناها «رجل لرجل»، وكان يتكرر هذا القتال الفردي قبل التحام الجيشين، وكان الجيش يسمى جندا، كل جند يتألف من عدد من الدرفشات، والدرفشة من عدد من الفشتات، وكان على رأس كل جند، جند سالار.
وقدر لشابور الأول (241-272) ابن أردشير الأول أن ينتصر على رومة أكثر من مرة، ففي السنة 253 بعد الميلاد طرد تيريداتس الثاني، ملك أرمينية وعميل رومة، من بلاده، وأقام محله أميرا خاضعا لسيادة فارس، ثم كسر فاليريانوس الإمبراطور في السنة 260 عند الرها وأسره، ثم تابع الفتح فدخل أنطاكية وطرسوس وقيصرية قبدوقية، ولكنه لم ينج من ضربة مؤلمة سددها إليه أمير تدمر العربي أذينة بن حيران. أما فاليريانوس الذي أسره شابور عند الرها، فقد لقي حتفه أسيرا عند الفرس، وقام من أسر معه من الجنود بأعمال عمرانية في فارس أشهرها جسر جند شابور، وظهر ماني ودعوته، وكثر أتباعه، فشغل شابور وبعض خلفائه عن محاربة رومة، وانهمكت رومة في متاعب أخرى كما أوضحنا، فبقي الفرات ردحا من الزمن وهو الحد الفاصل بين الدولتين.
ماني ودينه الجديد
هو ماني بن بابك، ولد في «ماردين من أعمال بابل» في السنة 215 بعد الميلاد، وتلقى وحيا لأول مرة في الثالثة عشرة من عمره، ثم في الخامسة والعشرين؛ أي السنة 240 بعد الميلاد، وعلم وبشر في طيسفون أولا، وخص شابور بإحدى رسائله الأولى، وقال بسببين أصليين: النور والظلام، وبظروف ثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل، والنور والظلام عند ماني كائنان مستقلان منفصلان منذ الأزل، ولكن الظلام غزا النور في الماضي وأصبح بعض النور ممتزجا بالظلام، وهذه هي حالة عالمنا في الحاضر، ثم يخلص ماني إلى القول أن لا بد من تنقية النور من هذا الظلام؛ كي يعود النور والظلام إلى الانفصال التام كما بدآ، والله هو سيد عالم النور والشيطان سيد عالم الظلام، وعندما غزا الظلام النور لم يستطع سيد النور أن يستعين بالغرانيق الخمسة: الفهم والعقل والفكر والتفكر والإرادة؛ لأن هذا الغزو كان مفاجئا لها، فذعرت واضطربت.
فخلق سيد النور أم الحياة التي ولدت الإنسان وسلحه بالعناصر الخمسة: النور والرياح والنار والماء والهواء، ليستعين بها في محاربة الظلام، هذا بعض ما قاله ماني عن الماضي، فأما في الحاضر فإن قوى النور - بحسب عقيدته - قد أرسلت النبيين بوذا وزورواستر، ثم يسوع وهو أهم الجميع، والعالم عنده ينتهي في المستقبل بثوران هائل وسقوط عظيم ، فيصعد الصالحون في الفضاء أعلى، والأشرار يهبطون إلى ظلام دائم، ويرى رجال الاختصاص الذين وفقوا إلى درس ما بقي من رسائل ماني في تركستان وفي كتاب الفهرست لابن النديم وفي أوراق البردي في مصر، أن المانوية تفرعت عن المسيحية لا الوثنية؛ وخصوصا لأن ماني اعترف بصحة الأناجيل الأربعة ورسائل بولس الرسول، وقال إنه البارقليس المنتظر.
وانتظم المانويون في «كنيسة» واحدة مؤلفة من طبقتين: المنتقين المصطفين والمستمعين، وكان على رأسها - بادئ ذي بدء - رسل اثنا عشر، ثم تلاميذ ستون ثم أساقفة وكهنة وشمامسة ورهبان، وكانوا يجتمعون في كل أحد للصلاة والترتيل وقراءة الأسفار، وقد انتشرت تعاليم ماني في بابل أولا ثم في سورية وفلسطين والعربية ومصر وأفريقية الشمالية، وكان بين الذين آمنوا بها القديس أوغوسطينوس الشهير، فإنه واظب على درسها والعمل بها تسع سنوات متواليات، وانتشرت المانوية في فارس وأواسط آسيا، وسكت عنها شابور الأول؛ لرحابة صدره واتساع أفقه، ولكن كهنة مزدة قاوموا هذه التعاليم مقاومة شديدة، فاضطر ماني أن يغادر فارس إلى الكشمير فتركستان فالصين.
وتوفي شابور الأول في السنة 272 وتوفي ابنه وخلفه هورمزد الأول في السنة 273، وتولى العرش بعدهما بهرام الأول، فظن المانويون أن سيتاح لمعلمهم أن يعود إلى وطنه ويعيش بأمان وحرية، ولكنه اعتقل وحوكم وصلب وسلخ جلده وحشي قشا في السنة 275 بعد الميلاد.
بهرام الثاني (276-293ب.م)
وأهم أخباره أنه كان شجاعا نشيطا، فحارب رومة في عهد كاروس الإمبراطور ولكنه غلب على أمره فتراجع أمام الرومان حتى طيسفون، وتوفي كاروس فجأة، فتقهقر الرومان بدورهم، ولكن بهرام لم يستطع استغلال الموقف؛ لاندلاع ثورة في ولاياته الشرقية أشعلها أخوه هورمزد؛ فصالح الرومان في السنة 283 على أن يستولوا على أرمينية وما بين النهرين، وهب إلى خراسان ينازل أخاه فأخضعه وعين ابنه ولي عهده بهرام واليا محله ومنحه لقب «ساغان شاه»، وكانت قد جرت العادة - فيما يظهر - أن يلقب ولي العهد ملكا على آخر ما افتتح من الممالك أو على أهم الولايات.
بهرام الثالث ونرسي الأول (293-302ب.م)
Page inconnue