Rum
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
Genres
لمراقبة الذين كانوا يفدون على العاصمة من أبناء الولايات بلا موجب فيعقدون أحيانا مشاكلها بتصرفهم، ونزولا عند رغبة ثيودورة أعاد تنظيم وظيفة المحافظين على الآداب العامة وأمرهم بالتشديد على المقامرين والمجدفين وعلى «أولئك السفلة الذين لم ينتظروا سدول الليل ليستروا بها معاصيهم»، واهتمت ثيودورة لأمر الزانيات فجعلت من قصر قديم على ضفة البوسفور الآسيوية ديرا للتائبات منهن أسمته دير التوبة، ومنع يوستنيانوس سباق الخيل في الهيبودروم وأمر بمراقبة الأحزاب الرياضية السياسية مراقبة شديدة.
23
وحض يوستنيانوس الحكام وألزمهم أن يحافظوا على الطرقات والجسور وأقنية المياه والأسوار وأمدهم بالمال، فنشطوا لتحقيق هذا الواجب وأنشئوا طرقات جديدة وشيدوا لها الجسور وحفروا الآبار والأحواض على جوانبها؛ ليؤمنوا المياه للقوافل وأبناء السبيل، وجروا المياه إلى المدن وبنوا الحمامات. وعملا برغبة يوستنيانوس قامت مدن جديدة في بعض الأنحاء، تحمل لقب يوستنيانة، اعترافا بفضل الإمبراطور.
وبذل يوستنيانوس بذلا سخيا لإغاثة أنطاكية بعد الكارثة التي حلت بها في السنة 540، فجدد الأقنية والمجارير وأنشأ الحمامات ودور اللهو والساحات العامة، ولم يقصر في البذل عندما حلت الكارثة في السنة 551 ببيروت وغيرها من مدن لبنان وسورية، وفي السنة 532 بدأ بتشييد كنيسة الحكمة الإلهية في القسطنطينية بإشراف إسيدور الملطي وأنثيميوس الترلي، واستمر العمل فيها خمس سنوات حتى تم بناؤها في السنة 537، فجاءت آية من بدائع الآيات أتحف بها يوستنيانوس عالم الفن ، وهي ما زالت قائمة راسخة موطدة بارزة جريئة واضحة نقية.
وأنشأ في السنة 538 القصر المقدس بمدخله الفخم وقاعة عرشه العظيمة
Consistorium
التي بهرت العيون بألوان معادنها الثمينة ودقائق فنها الخالص، وعنيت ثيودورة بكنيسة الرسل وبعدد كبير من المستشفيات للمرضى والأنزال للمسافرين، ولا تزال أحواض بره بتان سراي «القصر الغائر» وبيك بر ديرك «ألف عمود وعمود» تنطق بالعمل الجبار والجهود المتواصلة التي بذلها يوستنيانوس لتوفير المياه على العاصمة.
يوستنيانوس والاقتصاد
وأراد يوستنيانوس أن يحرر تجار الإمبراطورية ورجال الصناعة فيها من تحكم الفرس في مقدراتهم؛ فإنه لم يكن بإمكان الروم في القرن السادس أن يبتاعوا مباشرة من الصين والهند بعض المواد اللازمة للبذخ والتعظم والتعظيم، كالحرير والحجارة الكريمة والأطايب والأفاوية؛ ذلك أن هذه المواد كان محتوما لها أن تمر عبر فارس؛ إذ كان الفرس يبتاعونها في أسواق بخارى، وعند تخوم الصين وفي جزيرة سيلان، ثم ينقلونها إلى حدود الروم عند الفرات، ولا يرضون بيعها إلا بأغلى الأسعار، أو لا يسمحون بتصديرها إلا بكميات محددة، فسعى يوستنيانوس للوصول إلى بخارى عن طريق البحر الأسود، فلزيقة، فبحر قزوين، متحاشيا الدخول في حدود فارس.
وكذلك سعى لتشجيع الروس الجنوبيين على الاتصال بتخوم الصين للغاية نفسها، ثم دفع تجار بيروت وصيدا والإسكندرية إلى استيراد هذه البضائع عن طريق البحر الأحمر ومرافئ حمير الجنوبية، وجعل من مرفأ آيلة بالقرب من العقبة ومرفأ قلزم بالقرب من السويس قاعدتين تجاريتين، كما أنشأ على جزيرة تيران في خليج العقبة جمركا إمبراطوريا لهذه الغاية نفسها،
Page inconnue