L'Esprit des révolutions et la Révolution française
روح الثورات والثورة الفرنسية
Genres
ولم يكونوا صادقين في قولهم إن محبة الغير هي التي تدفعهم إلى ذلك، فروحهم الدينية الضيقة وشوقهم إلى الشهرة هما سبب ما ينشرون من رسائل الدعوة، وقد استشهدت في مؤلف آخر بعبارات أحد أساتذة مدرسة فرنسة (كوليج دوفرانس) التي جاءت في أحد كتبه وحرض فيها الشعب على نهب أموال الطبقة الوسطى التي يلعنها، فاستنتجت منها أنه إذا اشتعلت ثورة جديدة سهل عليها أن تجد بين مؤلفي تلك الرسائل أعوانا مثل مارا وروبسپير وكاريه.
وإذا نفدت شؤون المذاهب الدينية السابقة فإن حقيبة المبادئ الديموقراطية لا تزال ملأى، ونرى أنه يخرج منها كل يوم شيء جديد، ونعد الحقد على الأفضليات من أهم ما خرج منها، وقد عم الحقد على كل من يجاوز المستوى المتوسط، فكان من نتائج هذا الحقد شيوع الحسد والغيبة والميل إلى الهجو والسخرية والجفاء وارتكاب الدنايا وجحود الصدق والنزاهة والذكاء، ومن يدقق في أحاديث المتعلمين والشعب يعلم أنهم ينتقصون فيها أكابر الرجال ويحطون من قدرهم، ولم ينج أعاظم الموتى من أن يكونوا عرضة لمثل ذلك الانتقاص، فلم تؤلف كتب أكثر من التي استصغرت فيها قيمة المشاهير الذين عدوا أثمن ميراث حوته البلاد في الماضي.
والحسد والحقد قد لازما مبادئ الديموقراطية في كل زمن كما يظهر، ولكن لم يكثر شيوعهما في وقت كثرته اليوم، وما خفي ذلك على المدققين، قال مسيو بوردو:
نرى اليوم غريزة سافلة ثورية عاطلة من حلية الأدب لا غاية لها سوى خفض البشر إلى الدرك الأسفل، وهي تعد كل أفضلية - ولو علمية - خروجا على المجتمع، فهذا الميل اللئيم إلى المساواة هو الذي كان مشتعلا في قلوب اليعاقبة السفاكين حينما قطعوا أعناق لاڤوازيه وشينيه وغيرهما.
وليس الحقد على الأفضليات - العامل على انتشار الاشتراكية الآن - هو كل ما تتصف به الروح الجديدة الناشئة عن المبادئ الديموقراطية، بل نرى عوامل أخرى مهمة تقوى بها هذه الروح، وهذه العوامل هي: تقدم المذهب الحكومي، وتناقص ما عند الطبقة الوسطى من النفوذ والقوة، وزيادة تأثير الملايين، وتنازع الطبقات، واضمحلال الروادع الاجتماعية القديمة، وانحطاط الآداب.
ومثل الحركة الاجتماعية في زيادة سرعتها كمثل الحركة الميكانية من حيث تفاقم أمرها يوما بعد يوم، ويتجلى هذا التفاقم فيما يقع من الحوادث كل يوم كاعتصاب المعدنين وموظفي البريد وانفجار المدرعات إلخ، قال أحد وزراء بحريتنا السابقين، مسيو دولانيسان، بمناسبة تحطم المدرعة الليبرته التي قيمتها خمسون مليون فرنك، والتي هلك فيها مئتا رجل في دقيقة واحدة:
إن المرض الذي يقوض أسطولنا هو كالذي يقوض جيشنا وإدارتنا ودواويننا ونظامنا النيابي ونظامنا الحكومي ومجتمعنا بأسره، وهذا المرض هو الفوضى، أي ارتباك النفوس وسائر الأمور ارتباكا تنجز به الأعمال على وجه غير معقول، ويسير به كل امرئ على وجه ينافي الواجب والأدب.
وقال رئيس بلدية باريس مسيو فليكس روسل: «ليست بحريتنا علة دائنا، بل إن هذه العلة أعم من ذلك، وتلخص في ثلاث كلمات: عدم التبعة، وقلة النظام، والفوضى».
ويدل ذلك على أن أشد المدافعين عن النظام الجمهوري يعترفون بتدرجنا إلى الانحلال الاجتماعي شاعرين بعجزهم عن تلافيه، وعلة هذا العجز صدور ذلك الانحلال عن مؤثرات نفسية أقوى من عزائمنا. (3) الانتخاب العام ومنتخبوه
الانتخاب العام هو أحد المبادئ الديموقرطية الجوهرية الفتانة، وذلك أن مبدأ المساواة يتجلى فيه بتساوي الأغنياء والفقراء والعلماء والجهلاء والوزراء والأجراء ساعة أمام صندوق الانتخاب، وقد خافت الحكومات كلها - ومنها حكومات الثورة الفرنسية - أمر الانتخاب العام، ومن ينعم النظر فيه ير - أول وهلة - إمكان الاعتراض عليه، ومما تأباه النفوس توهم قدرة العوام على انتخاب رجال صالحين للحكم، أي قدرة أناس قليلي المعرفة والتهذيب محدودي النظر على نيلهم بكثرة العدد أهلية يحسنون بها التمييز بين المرشحين.
Page inconnue