فأجفلت باكارا وقالت للكونت: لا شك أن هذا المركيز هو روكامبول، فإننا فقدنا أثره منذ خمسة عشر يوما، ولكنه إذا كان كما أظن فما الذي يحمله على المبارزة مع أندريا إلا إذا صدقت الفتاة وكان يريد قتل أرمان.
فقال لها الروسي: إن هذا محال، فإن الشهود يقفون في معزل عن المتبارزين، فإذا أصاب أحدهم رصاص المبارز فلا يحمل على محامل الخطأ بل على سوء القصد، وفوق ذلك فإنه إذا كان أندريا يريد قتل أخيه فلا يقتله على هذا الشكل العامي المبتذل بعد صبره الطويل، ولا بد أن يكيد له مكيدة لا دخل له فيها بالظاهر. - ربما كنت مصيبا؛ فإن كلام الفتاة كان مبهما غير جلي، وفي كل حال فإني أحب أن أحضر وإياك هذه المبارزة. - ذلك مستحيل؛ إذ لا يحضرها غير الشهود. - نعم، ويحضرها خدامهم. - ماذا تريدين بذلك؟ - عرفنا شاهدي أندريا، فهل تعرف شاهدي المركيز. - علمت اليوم أن أحدهما صديقي البارون دي مينرف، وهو الذي عرفني بك إذا كنت تذكرين.
فصفقت باكارا بيديها من السرور وقالت: لقد بلغنا المراد؛ إذ إن هذا الصديق لا يخالفك في مراد، فاتفق معه على أن تكون أنت سائق المركبة وأنا خادمها، ومتى تنكرنا فلا يعرفنا أحد. - سأفعل ما تريدين وسأذهب إليه الآن.
وفي اليوم التالي اجتمع الخصمان والشهود في إحدى غابات باريس، فصعد الكونت الروسي مع باكارا إلى شجرة عالية كي لا يفوتهما شيء من المبارزة، فلما نظرت باكارا إلى روكامبول عرفته من عينيه.
وأخذ الشهود غدارتين فحشوهما، وفيما هم يشتغلون بحشوها انفرد أندريا بأخيه وقال له: إني قد أكون في عداد الأموات بعد عشر دقائق، فهل لك أن تجيبني إلى طلبي الأخير؟
وكان أرمان يحبه حبا شديدا، فأوشك أن يضمه إلى صدره من الحنو والجزع عليه، ولكنه تجلد وقال: ألعلك تشك بإجابتي؟ - أتقسم لي على تنفيذ إرادتي؟ - أقسم بأقدس أيمان. - إن إرادتي الأخيرة أيها الأخ العزيز هي أن تذهب بامرأتك وولدك بعد قتلي إلى قصرك في كارلوفان فتقيم فيه شهرين لا تعود في خلالهما إلى باريس، ولا أستطيع الآن أن أظهر لك مرادي بهذا الطلب، ولكني كتبته وهو في طي هذا الغلاف، فإذا قتلت فلا يحق لك فتحه إلا في كارلوفان، وإذا لم أقتل أرجعته لي دون أن تعلم ما فيه.
ثم أخرج غلافا ضخما من جيبه وأعطاه إياه وعاد إلى ساحة المبارزة.
وعند ذلك أعطى الشهود كلا من الخصمين غدارة وأوقفوهما في موقفهما بعد أن خططا المسافة بينهما، ثم صفق فرناند بيديه ثلاثا إشارة إلى بدء المبارزة، فاندفع الاثنان وجعل كل منهما يزحف إلى الآخر زحفا بطيئا، إلى أن بدأ روكامبول فأطلق الرصاصة الأولى على خصمه فأخطأه، ثم أطلق الثانية فالثالثة فوقعتا على الأرض دون أن تصيب واحدة منهما أندريا.
ولم يكن لكل واحد منهما حق بأن يطلق أكثر من ثلاث طلقات، فأيقن الحاضرون أن أجل المركيز قد دنا، وباتوا يتوقعون له الموت في كل لحظة. أما أندريا فإنه مشى إلى خصمه أي شريكه مشيا بطيئا، حتى بلغ إليه فوضع غدارته في صدره وقال: إن حياتك الآن بين يدي وأنا أهبك إياها على شرط.
فقال له روكامبول مغضبا: إنه يحق لك قتلي، فاقتلني لأني لا أعتذر ولا ألتمس الغفران. - إني لا أسألك الاعتذار، ولكني أشترط عليك شرطا تستطيع قبوله. - ما هو؟ - هو أن تقسم بشرفك على أن لا تذكر السبب في مبارزتنا مدى الحياة، وأن لا تعود إلى مثل هذا السبب. - قد رضيت، وأنا أقسم لك بشرفي على ذلك.
Page inconnue