وأخذ أرمان الرسالة وفضها، ونظر إلى التوقيع فلم يجد غير كلمة «كريمور»، وقرأ ما يأتي:
سيدي ...
إنك رجل ذائع الصيت كثير البر، وقد كرست ثروتك الطائلة في سبيل الخير والإحسان، وإن الذي يكاتبك هو رجل ثقل عليه ذنبه، وقد دنت ساعته الأخيرة، ويجب أن يراك لبعض الشئون، وإن الطبيب يقول إنه لم يعد لي من الحياة غير ساعات قليلة، فأسرع إلي فإني سأعهد اليك بمهمة خيرية لا يقوى على القيام بها سواك.
كريمور
فنظر أرمان إلى الرسول وتأمله، ثم قال له: ما اسمك؟ - كولار. - قل من أعطاك هذه الرسالة؟
فتصنع كولار هيئة البله، وقال: إني أسكن في منزل كريمور، وهو الذي أعطاني هذه الرسالة كي أوصلها إليك. - أين يسكن ذلك الرجل الذي أرسلك؟ - في شارع سانت لويس.
وكان الصباح قد كاد يطلع، فلم يبال أرمان بذلك، ولا بتحذير بستيان، بل أمر بأن تهيأ المركبة، ولم يمض على ذلك نصف ساعة حتى بلغ منزل كريمور، وكان كولار يسير بصحبته فنزل من المركبة، وسار بأمان في فناء المنزل إلى أن وصلا إلى غرفة المريض، ورأى فيها رجلا هزيل الجسم، نحيل الأعضاء، أصفر الوجه، مضطجعا في سريره يتقلب عليه من الآلام، فحيا أرمان بيده وأشار عليه بالجلوس، ثم أمر كولار بالانصراف.
ولما خلا لهما المكان قال المريض: إن مظاهري لا تدل على أني وشيك الموت، ولكن ذلك لا ريب فيه، وقد أكده لي الطبيب. - لا تخف أقوال الأطباء، فإنهم يخطئون.
فتنهد المريض وقال: إنك مصيب، ولكن طبيبي لا يغلط ولا يخطئ، وقد أكد أنه سينقطع لي عرق بعد ست ساعات يكون به انتهاء حياتي، وليس لأجل ذلك دعوتك، بل لأكلفك بقضاء مهمة لا أئتمن عليها سواك، فأرجو أن تصغي إلي. ثم تأوه وقال: إني أدعى البارون كيرماروت وليس لي وريث بعد موتي في عرف الناس والشرع، ولكن قلبي يحدثني أن لي ولدا يرثني من بعدي، ولا أعلم إذا كان ذكرا أو أنثى.
وقد تقدم لي القول أن ليس لي قريب في هذا العالم، فإذا مت فليس من يبكيني، وترجع ثروتي الطائلة إلى دار الأحكام لفقد الوارث.
Page inconnue