وكان لوسيان في مقتبل الشباب، وهو جميل غني ، فلم يخش ألا يروق في عيني حنة، وكان يعلم أن أمه تكاد تعبده، فلم يخف أن تحول دون هذا الزواج، وماذا بقي إذا كانت له حنة؟!
وعند ذاك شعر فجأة أنه بات يكره ابنة عمه كرها شديدا، ولم يعد يبالي بما كان منها وما سيكون، وأما الشفالييه فإنه سيدعوه إلى المبارزة وينتقم منه لهزئه به شر انتقام.
وكان لوسيان يحدث نفسه بهذه الأحاديث، والجواد يسير به حيث يشاء، فاجتاز به مسافة بعيدة وهو لا يشعر، حتى بات على مسافة نصف مرحلة من قصره، ووصل إلى مكان من الغابة تشعبت فيه الطرق، فانتبه عند ذلك من سبات تصوراته ونظر إلى ما حواليه، فرأى على اشتداد الظلام شبحا أسود اعترضه فعلم أنه فارس.
وعند ذاك أوقف جواده، فوضع يده على غدارته وقال: من القادم؟
فأجابه الشبح بصوت الهازئ: لا تخف يا سيدي الكونت، فما أنا من اللصوص. فظهرت على وجه الكونت علائم السرور الوحشي؛ إذ علم أن صاحب الصوت كان الشفالييه صاحب النميمة، فدنا منه بجواده وقال له بصوت يضطرب من الغضب: أهذا أنت يا سيدي الشفالييه؟ - نعم يا حضرة الكونت. - كيف غيرت طريقك؟ فقد رأيتك سائرا في طريق سولي. - ذاك لأني كنت أرجو أن أراك. - ماذا تريد مني؟ - أريد أن أعطيك رسالة عهد إلي بإيصالها إليك. - ممن الرسالة؟ - يجب أن تعلم أنها من سيدتي الكونتس.
فقال له لوسيان بلهجة شفت عن الاحتقار، هاتها فسأقرؤها عندما أصل إلى النور. - لا حاجة إلى الانتظار يا سيدي الكونت؛ إذ لدي مشعل، فإذا شئت أنرته فقرأت الرسالة على نوره. - لا أجد فائدة في قراءة الرسائل الآن، لا سيما وأني في حاجة إلى محادثتك. - محادثتي أنا؟ - نعم يا حضرة الشفالييه، فإني أود مباحثتك في أمور خطيرة. - ما عسى أن تكون هذه الأمور الخطيرة؟ - هي يا شفالييه أنك رجل سافل.
وكانت الإهانة عظيمة، غير أن الشفالييه تجلد وتظاهر أنه لم يحفل بها فقال: ولماذا تدعوني بسافل؟ - بل إنك سافل وخائن معا.
فاحتفظ الشفالييه بسكينته وقال له: إنك إذا كنت تريد أن تجعل هذه الشتائم مقدمة للقتال فلا فائدة منها. - لماذا؟ ألعلك لا تبارزني؟ - ليس هذا الذي أعنيه، بل أريد أن أقول إنه لا فائدة من الشتم، فإذا كنت تريد قتالي تجدني غدا رهن أمرك. - بل اليوم. - إنك تمزح يا سيدي الكونت. - كلا، بل أريد أن يكون قتالنا في هذه الساعة، ولا إخالك تمتنع إلا إذا سرى الخوف إلى قلبك. - إنك تعلم يا كونت أني لا أخاف، ولكن أنقتتل هنا في ظلام الليل من غير شهود؟ - نعم. - ولكن ليس لدينا سيوف. - إن في خنجر الصيد غنى عن الحسام. - يظهر أنك لا تريد مبارزة بل مجزرة. - أريد قتالا لا يفصل فيه بيننا غير الموت. - ليكن ما تريد أيها الكونت العزيز، ولكن بقي هناك أمر أراك لم تفطن إليه. - ما هو؟ - هو أن من يقتل رفيقه منا يحسب في عرف الشرع والناس سفاكا مغتالا لا قاتلا في براز.
قال: أتظن ذلك؟ - دون شك، فقد عرف من رأى ما كان منا في الغابة أن كلانا يكره الآخر، وهذا القتل في الغابة دون شهود يوسع مجال الظنون ويحمل على محامل الاغتيال. - إنك تعترف إذن بأنه يجب أن أكرهك؟ - وإني لست مخطئا في حملك على هذا الكره، فقد رأيتك في حالة تدعو إلى الهزء فما تمالكت عن الضحك. - وأنا رأيت هذا الهزء لا يغسل إلا بدمك. - ليكن ما تريد، ولكنك إذا قتلتني الآن فليس ما يمنع ابنة عمك عن القول إنك قتلتني انتقاما لكتاب قطع علاقتها معك، وإنك قتلتني لأني كنت أنا حامل هذا الكتاب، وأما إذا قتلتك أنا فإن الأقوال تختلف. - ماذا يقولون؟ - يقولون إني عاشق الكونتس، وإني قتلتك للتخلص من مزاحمتك.
فرأى لوسيان أن براهينه جلية لا تدحض، فاقتنع بها وقال له: إذن إلى الغد، فأحضر شهودك وأنا أحضر شهودي.
Page inconnue