وكان داغوبير يحدثه ويشتغل بنعل الفرس، فلما أتم عمله ركب الراهب جواده وانطلق.
وحاول داغوبير عند ذلك أن يعود إلى الفتاة لكنه رأى كثيرا من العصابات عائدين من محل الحريق، فاستوقفهم وقال لهم: لعلكم عائدون من المحل الذي شبت فيه النار؟
وكانوا كلهم يعرفونه، فأجابه أحدهم: نعم. - أعرفوا الذي وضع النار؟ - نعم، قد عرفوه. - من هو؟ - هم أصحاب القصر أنفسهم.
فدهش داغوبير دهشا عظيما، ولم يعلم كيف يمكن أن يكون ذلك. •••
وعاد محدثه إلى الحديث فقال: يظهر أن الأب وأم الفتاة كانوا ينوون الانتحار من زمن بعيد.
فارتعش داغوبير وقال: أكان ولدهما بنتا؟ - نعم. - ولكن كيف عرف أن أصحاب القصر هم الذين أضرموا النار فيه؟ - لقد عرف من أمرهم أنهم جاءوا ليلا في مركبة، فدخلوا إلى القصر وعادت المركبة إلى باريس، وكان يصحبهم ثلاثة خدم، فكان الخدم يبيتون في فسحة كبيرة تطل على الحديقة في الدور الأرضي، بحيث إنهم تمكنوا من الفرار حين شبت النار، خلافا لأسيادهم فقد كانوا مسجونين في غرفة بابها من الحديد كما يقال، فحاول مخمدو النار فتح هذا الباب وكسره فلم يستطيعوا، فكانت النار تلتهم القصر، وأصحابه لا يفوهون بحرف. - لكن جميع ذلك لا يثبت أنهم هم الذين قد أضرموا النار. - بل إن هناك برهانا آخر يثبته، وهو أنهم أرسلوا كتابا إلى مدير الناحية كتبوا على غلافه هذه العبارة: «لا يفتح قبل الساعة السادسة»؛ أي بعد الحريقة، فإن النار كانت التهمت كل شيء في تلك الساعة وجعلت القصر وساكنيه رمادا. - وماذا كان يتضمن هذا الكتاب؟ - الاعتراف بأنهم هم الذين أضرموا النار بغية الانتحار.
ثم تحدثوا مع داغوبير هنيهة بشأن هذا السر الغريب الذي لم يتمكن أحد من حله وانصرفوا.
فعاد داغوبير إلى الفتاة فوجد أنها قد عادت إلى النوم، فتركها نائمة وذهب إلى الدير لمقابلة الأب جيروم.
فلما رآه الأب جيروم نظر إليه نظرة جفاء وقال له بلهجة المؤنب: لقد كان من عادتك أن تكون في طليعة المقدمين على إطفاء الحرائق، ولكني لم أرك اليوم معنا. - هو ذاك يا سيدي غير أني لم أستطع الذهاب معكم هذه المرة. - لماذا؟
وكان في الغرفة راهب آخر، فنظر داغوبير إلى الرئيس وقال له: ألتمس منك يا سيدي أن تصغي إلى حديثي، وأن تأذن لي بمحادثتك على انفراد.
Page inconnue