وَمِنْهَا مَا هُوَ قَبِيح لما يعقبه من الْأَلَم وَمَا هُوَ حسن لما يجلب من اللَّذَّة أَو دفع الْأَلَم فَالْأول كالضرب وَالْجرْح وكل مَا يؤلم من أَفعَال الْإِنْسَان والثانى كَالْأَكْلِ على جوع وَالشرب على عَطش وكل مَا يحصل لَذَّة أَو يدْفع ألما مِمَّا لَا يُحْصى عده وفى هَذَا الْقسم يكون الْحسن بِمَعْنى مَا يلذ والقبيح بِمَعْنى المؤلم
وقلما يخْتَلف تَمْيِيز الْإِنْسَان لِلْحسنِ والقبيح من الْأَفْعَال بالمعنيين السَّابِقين عَن تَمْيِيز الْحَيَوَانَات المرتقبة فى سلسلة الْوُجُود اللَّهُمَّ إِلَّا فى قُوَّة الوجدان وتحديد مرتبَة الْجمال والقبح
وَمن الْأَفْعَال الاختيارية مَا يحسن بِاعْتِبَار مَا يجلب من النَّفْع وَمَا يقبح بِمَا يجر إِلَيْهِ من الضَّرَر وَيخْتَص الْإِنْسَان بالتمييز بَين الْحسن والقبيح بِهَذَا الْمَعْنى إِذا أَخذ من أكمل وجهانه وقلما يُشَارِكهُ فِيهِ حَيَوَان آخر اللَّهُمَّ إِلَّا من أحط جهانه وَهُوَ خَاصَّة الْعقل وسر الْحِكْمَة الإلهية فى هبة الْفِكر
فَمن اللذيذ مَا يقبح لشئوم عاقبته كالإفراط فى تنَاول الطَّعَام وَالشرَاب والإنقطاع إِلَى سَماع الأغانى والجرى فى أعقاب الشَّهَوَات فَإِن ذَلِك مفْسدَة للصِّحَّة مضيعة لِلْعَقْلِ متلفة لِلْمَالِ مدعاة للعجز والذل وَإِنَّمَا قبح اللذيذ فى هَذَا الْموضع لقصر مدَّته وَطول مُدَّة مَا يجر إِلَيْهِ عَادَة من الآلام الَّتِى قد لَا تنتهى إِلَّا بِالْمَوْتِ على أَسْوَأ حالاته ولضعف النِّسْبَة بَين مَتَاع اللَّذَّة ومقاساة شَدَائِد الْأَلَم وَمن المؤلم مَا يحسن كتجشم مشاق التَّعَب فى الْأَعْمَال لكسب الرزق وتأمين النَّفس حاجاته فى أَوْقَات الضعْف ومجاهدة الشَّهَوَات ومقاساة الحرمان من بعض اللَّذَّات حينا من الزَّمن ليتوفر للقوى الْبَدَنِيَّة والعقلية حظها من التَّمَتُّع بِمَا قدر لَهَا من اللذائذ على وَجه ثَابت لَا يخالطه اضْطِرَاب أَو على نمط يُخَفف من رزايا الْحَيَاة إِن عدت الْحَيَاة مثارا لَهَا
وَمن المؤلم الذى عده الْعقل الْبُشْرَى حسنا مقارعة الْإِنْسَان عدوه سَوَاء كَانَ من نَوعه أَو من غَيره للمدافعة عَن نَفسه أَو عَن أنصاره وَمِنْهُم بَنو أَبِيه أَو قبيلته أَو شعبه أَو أمته حسب ارتقائه فى الإحساس ومخاطرته حَتَّى بحياته فى
1 / 37