التي تلقى على المنابر، أو البحوث العلمية التي تتناول موضوع التوحيد والشرك بصفة إجمالية عامة، إذا لم تتعرض للأمراض التي يعانونها، والأخطاء التي يرتكبونها، والعادات التي لا يمكنهم الفطام عنها، وللأشخاص والأماكن والشعائر التي يغلون فيها، فيتجاهلون كل ذلك، ويتظاهرون بأن الواعظ أو الكاتب لا يعنيهم، وإنما يعني المشركين القدامى، وعباد الأوثان في الجاهلية الأولى، أما إذا تعرض هذا الكاتب أو الواعظ لواقع حياتهم، ووضع يده على عللهم وأسقامهم، وحدد مواضع فتنتهم، لم يسعهم أن يتغافلوا عنه، فأعلنوا الحرب عليه، ونادوا بعدائه، وهذا شأن الداعي المخلص الذي ملكته الفكرة، واستحوذ عليه الشعور، وتذوق القرآن، ومنهج الأنبياء في دعوتهم تذوقًا حقيقيًا، فإنه لا يبالي أرضيَ الناس أم سخطوا، إن همه الوحيد أن
يبلغ رسالة القرآن، ويرضي ربه، ويريح ضميره، ويبرئ ذمته.
ويحسن هنا أن أنقل ما كتبته في كتابي " رجال الفكر والدعوة في الإسلام " وأنا أتكلم عن سر تأثير الإمام الحسن البصري في المجتمع الإسلامي في مستهل القرن الثاني الهجري، ونفوذه في القلوب والعقول، وأن المجتمع لم يستطع أن يتجاهله، وأن يمر به مر الكرام، قلت: " إنه ضرب على الوتر الحساس، ونزل في أعماق المجتمع، ووصف أمراضه، وانتقده انتقاد الحكيم الرفيق، والناصح الشفيق، لقد كان عصره يغص بالدعاة والوعاظ، ولكن المجتمع لم يخضع خضوعه للحسن، لأنه كان يمس قلبه، وينزل في صميم الحياة، ويعارض التيار ".
لذلك كله وقع اختيارنا على نقل معاني هذا الكتاب، ومحتوياته إلى لغة الضاد في أسلوب عصري رشيق، وتعبير سهل سائغ.
وقد طلب منا الشيخ الجليل محمد زكريا السابق ذكره، أن يكون بداية هذا العمل في مسجد الرسول ﷺ، وقد يسر اللَّه ذلك في سلخ ذي الحجة ١٣٩٣ هـ
1 / 29