وفي أي شقوة لا أضع معلى القداح؟ ألست في عنبرة الشتاء يأخذ عباءتي الأجير فيتدفأ بها في الليل، فأمارس قرة الأشهبين؟ وإذا نظرت الباقع الموسومة بعين أو عينين، وصار الحائل من الأمكنة نظير الحولاء، وأصبح أثر الأعمى الدار كالعبقرية ما حماه من الشقر " أبو قابوس "، ورعت الكودان الشقر ما يشبه نبت المعرفة من الشقراء، وذلك من النصي المعلول، فحوافري من العفر غبر، إنما تقع بغبراء منعها القدم والسنبك من النبات، وجحافلي من عض المصر متقريات، وأعمامي من القمر الوحشية وربائط الأهل، كأن جحافلها من الخضرة مسبدات المقتبلين.
وإذا لاح الشرطان في السدفة، واختلفت أصوات المطوقات، وهاجت أشجان المتشوقات، وذكرت الشيخ الدالف بعصور الفتيان والشمطاء الهمة بعيش الفتيات، ذكرتني أزمان أنا فلو خلف المقرفة أرتضع ضاويين مثل القرطين. ولا أحفل بوضع القرطان. أهض البهارة بسنابكي، وأفضل الحوذانة لا أبالي، وأخلف المرجقوشة وهي تذمني، وأطفيء عيون العبهر بهزل مني، ولا أكرم نور الأقحوانة لمشاكلته الأشنب من الثغور. آونة لا تعرف وسمًا عنقي، ولم تعقر الطلقة ظهري، ولم يؤثر الدأب في إهابي. لا أقف بذرًا بيطر، ولا أفرح بنزول القطر. فأما الآن فأنا أسر بالغادية من الشاب المعرس بالهدي غير الصلفة. لأنني أنال الراحة إذا الغيث قلد البلاد. وإذا رمقت أحد الفرغين أو الرشاء، دعوت الله أن يريحني من ذات الفورغ ورشاء أحصد فبلغ القتال. وإنما يبكر إلي العامل في الغبش فألمح طوالع النجوم. ولو كنت من أهل الإيمان ورصفاء الطوية لقد أجيبت الدعوة. ولكني أحلف فإذا حنثت لم أكفر، وأخاف أن يحسب ذلك طرفًا من الكفر " وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ": أقسم لا رمت المعلف ولو كسر عليّ القشبار، فإذا جاء السائس وأخذني بالوبيل ألقيت الألية وخرجت ذا إران.
ولعل السامع ينسبني إلى الكفر من أجل مناسبة أبي زياد، اتباعًا لقول الناس في الرجل إذا ضربوا به المثل: هو أكفر من حمار. قال الشاعر:
وغرتني صلاةُ أَبي خُبيبٍ ... يُصلي وهو أَكفرُ من حمارِ
وإنما يعني بذلك " ح بن مويليك بن مالك بن نصر بن الأسد "، وقد قيل إنه رجل من قوم عاد. فأما الحمار الدابة فما الذي أوجب له الكفر وما برح مطية الصالحين؟ وإذا أضنى قرص المغنيات في الهجر إلى غشيان المجنونة، جلدني العسيف جلد العاهر أو القاذف، وقد علم الله براءتي من القراف. وإني لأعرف الطيرة في وجهه وهو فال.
وقد عزمت أن أنظم هذه الصفة في بيتين من الشعر أو ثلاثة، فإنه أسرع إلى حفظ المرسل، وأخصر تكلفًا من اللفظ المهمل. والموزون أذهب لما في صدر المحزون. وما سجع، دونه وإن رجع. والقول المبثوث كالبعير الأورق لا ينبعث وهو محثوث.
وحملني على ذلك، ما قد ظهر على ألسن الناس من أن " السيد عزيز الدولة وتاج الملة أمير الأمراء " أعز الله نصره تعالى قد رفع من قدر الشعراء، يعلي مجيدهم ويكرمه، ويعطي المقصر ولا يحرمه، وينقد المنظوم السائر نقد الصيرفي ماله، ويعرف مشكله معرفة السعدي ماله.
ولقد تحدث الناس بأن رجلًا من النظمة مدحه ثم لفظ عصبه من قبل أن تخرج إليه الجائزة. فأمر بإعطائها ورثته. فأشبه فعله في ذلك ما فعله " النعمان بن المنذر " ب " شقيق " لم تمنعه المنية من الظن الحقيق. وفد على " اللخمى الجبر " فجعل حباءه على القبر، حتى جاء آخذ الحباء من أهل الدفين.
وكيف يحجز - أعز الله نصره - عن الحزامة وقد حلب الزمان أسطره وقرأ من كتاب القدر أسطره، وأراه فهمه وفطنته أن المكرمة إذا شهدت لها القافية فهي ببقائها وافية، والمجد إذا حاطته القصيدة لم تعصف به النوب كأنه أصيدة؟ وإذا ضمن حديثًا روى، سلم لصدقه الغوي. ما سار عن " الكندي " وسرى، أبقى على الغير من أبنية كسرى:
والشعر يستنزلُ الكريم كما اسْ ... تَنْزَل رعدُ السحابةِ السَّبَلاَ
1 / 5