فأَوْرَدْتُها ماءً كأَن جِمَامَه ... من الأجْنِ حِنَّاءٌ معًا وصبيبُ
وهب الخاضب جنى جناية فاستحق ا، يذبح، فكيف يجوز أن يقتدر لحمه ويتخذ منه الشواء؟ هذا كذب لا يسوغ في الإسلام. وقد زعمت الرواة أن " عمرو بن قعاس " سكر فذبح ابنه، وقال الأبيات المعروفة يقول فيها:
ولَحْمٍ لم يَنَلْه الناسُ قبْلِي ... أَكلتُ على خَوَاءٍ واشتَويتُ
وفي " أخبار ابن دأب " أو غيره، أن " معد بن نزار " نزل به ركب من جرهم في سنة مجدبة فذبح لهم ابنًا كان له وقال:
نِعمَ إِدَامُ الضيفِ والرفيقِ ... لحمُ غُلامٍ ماجِدٍ عريقٍ
يُلَتُّ بالأَحسابِ لا السَّوِيقِ
فهذا في الجاهلية الجهلاء يدفع ولا يصح، فما باله في الإسلامورسول الله ﷺ يقول: " الإسلام قيد الفتك " ويقول: " من قتل مسلمة أو معاهدة لم يرح رائحة الجنة " ويوجب للرجل من الموالي أن يقتص له من الصميم؟ وزعمت أنه كان يزوي الماء عن العليل، فما الذي أوجب ذلك له؟ أليس في " الكتاب العزيز ": " وجعلنا من الماء كل شيء حي "؟ وقد يجوز أن تعني استغناء العليل عن ذلك. فإن كنت أردت هذا الغرض فلا فائدة في كلامك. كل من لا حاجة به إلى الشرب فقد وجب أن يزوي الماء عنه إذ كان سقى من لا ظمأ به مؤديًا إلى ضد الصحة.
وزعمت أنه كان يجيز الكر على العدو وهو على غير طهارة ويتطهر بالكر.
فهذا يحتمل مغنيين: أحدهما أن تعنى أنه إذا كان على غير طهارة تجوز بها الصلاة ثم كر على العدو تطهر بالكر، فجاز له أني صلي. فهذا فاسد لم يجزه أحد من المسلمين.
والآخر أن تعنى أنه يتقرب إلى الله بالكر عليهم، لا أنه يقوم مقام الطهارة للصلاة. فهذا يجوز أن يكون كما قال تعالى: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " لا يريد أنهم إذا كانوا غير متأهبين للصلاة قامت لهم تلك الصدقة مقام التأهب، ولكنه يريد أنها تمحو ذنوبهم، كما قال " كعب بن زهير ":
يَتَطَهَّرون كأَنه نُسُك لهم ... بِدِماء مَن عَلِقوا من الكُفَّارِ
وزعمت أنه مر على سرير له آلاف سنين منذ صنع.
فليت شعري من أي خشب هذا؟ ما نعلم أحدًا في الأرض يدعى أن شيئًا من سفينة " نوح " صلى الله عليه، بقى إلى اليوم. والنصارى تكون معهم أشياء يدعون أنها من الخشبة التي صلب عليها " المسيح " ﵇. فإن كان هذا السرير ظاهرًا للسماء يصيبه المطر والحرور، فلا يجوز أن يبقى شيء من الخشب على ذلك. وإن كان متواريًا فما أدري ما أقول. إنك لتجيء بالمنكرات.
وأما قولك إنه كان يستعين بالغراب على طلب المياه، فلم يرو ذلك أحد من أصحاب الأخبار. وأي علم للغراب بمكان الماء وهو يسلك القفر فيموت فيه من العطش؟ ولو قلت إن الهدهد كان يعينه على ذلك لذهبت مذهبًا، لأنه جاء في الحديث أن " سليمان " صلى الله عليه، كان يستعين بالهدهد على طلب الماء لأنه كان قباقبًا، أي مهندسًا! وادعيت أن الهدهد كان يكلمه بكلام بفهمه الحاضرون، فكذبت وأحلت. ما زعم ذلك زاعم سواك. ولو أن " عليًا " فهم كلامه بخاصة يهبها الله له، لما جاز أن يفهم كلامه غيره. كما أن " سليمان " لم يكن أحد من أهل عصره يدعى المعرفة بكلام الهدهد ولا أغراض النمل.
وقد قال بعض الفلاسفة إن قوله تعالى حكاية " عن سليمان ": " يا أيها الناس علمنا منطق الطير ".
إنما يعني بذلك علم الموسيقى، لأنه تغلغل في معرفة الحروف واللغات والأصوات!.
وزعمت أنه كان لا يعجبه أن تدنو قرة العين إليه.
فهذا الإفك المبين: " إنا لله وإنا إليه راجعون " ما أجرأك على قيل البهتان! ما بعث الله من نبي ولا كان في أهل الأرض صالح إلا وهو يسره أن تقر عينه. أليس في الحديث المأثور: " وقرة عيني في الصلاة؟ ".
ولعلك تعني بقرة العين امرأة كان اسمها كذلك في زمانه. فما بلغنا أن امرأة من أهله ولا أزواجه ولا إمائه كانت تعرف بقرة العين.
ولكن قد يجوز في الممكن أن يكون كما ذكرت، وإن صلح ما ادعيته من هذا القول فيجب أن تكون قرة العين امرأة ليست له بمحرم، وقد جاء في بعض الحديث: " لأن أزاحم جملًا قد طلى بقطران أحب إلي من أن أزاحم امرأة عطرة " فإذا كان الأمر على هذه الجهة فلا فائدة في خصوصيتك قرت العين دون غيرها من النساء المعروفات بهند ودعد وجمل.
1 / 43