وما أحب لها أن تمنى بصقر من صقور " السيد عزيز الدولة وتاج الملة أمير الأمراء " - أعز الله نصره - إذ كانت لو بلغت إلى ذلك لرزقت به نباهة بعد مماتها إذ منعت من المهل في حياتها. ولكن إن قضى عليها صيد الجارح، فتكون في مملكة خسيس من القوم حتى يكون أمرها فيما لقيته أوجع وحالها أعنت.
ولست أسألك ما سألت الصاهل من حمل الشعر. لأني لم أرب بركة في ذكره: أداني إلى طول مناقضة وأوقع بيني وبين الفاختة حتى وشت بي إليك، فصنعت بي ما تراه. ومع هذا فإني كرهت أن أتصور بصور أهل النظم المتكسبين الذين لم يترك سؤال الناس في وجوههم قطرة من الحياء، ولا طول الطمع في نفوسهم أنفة من قبيح الأفعال. فعدلت عن ذلك إلى تحميلك أخبارًا مستطرفة، لها في السمع ظاهر ولها في المعنى باطن، أنحو بها ما نحاه " ابن دريد " في كتاب الملاحن و" ابن فارس الرازي " في فتيا فقيه العرب.
وإذا ألقيت إليك ما تيسر منها عندي، فأحسن حفظه وخزنه، وإذا بلغت في سفرك مبارك الإبل من الحضرة الجليلة فارفع صوتك بالعجيج، فلعله يفهم عنك. ففي نحو من حديثنا ضرب المثل: كفى برغائها مناديًا.
ولا تسألني ذريعة بينك وبين السلطان - أطال الله بقاءه - فليس له في الحضرة الجليلة من أعتمد عليه فيما أذكر. وأريد منك أن تفرغ خاطرك لحفظ ما ألقيه إليك، وألا تشرب مديدًا حتى تبلغ لي المأربة، فإنه يزيد في رطوبتك، وأرهب عليك النسيان.
وكأني بك، أصلحك الله، تعجب في نفسك وتعد أن انصرافك عني أحزم وإعراضك عن قضاء الحاجة أولى بك وأجمل. وقد رأيتك مرما عند المسألة كإرمام الصاهل عنها! فينطق الله، جل اسمه، البعير فيقول: ما أجدرني بالقصير عما تسأل! ولكني لا أحرمك دأبًا فيما قلت. وإنما يكلفني عناء في حاجتك، ما سبق إليك بالحدة، وفرط في جنادع الغرة. وقد روى عن رسول الله ﷺ أنه قال، وقد ذكرت عنده الحدة: " إنها تعتري الأخيار من أمتي ". ولا بد للحليم وإن ثقل وزنه، من هفوات. فأخبرني بما جمعت أجهد لك في إيثارك بمشيئة الله تعالى.
فيقول الشاحج، وبالله التوفيق: العلم يدل على أن " الحسن " ﷺ لم ير الحسين قط.
وأن " الحسين " ﷺ لم ير الحسن قط؛ وأن " فاطمة " ﵂ لم تر في بيتها عليًا، وقد يجوز أن تكون رأته على باب البيت، وأن الخل يجوز أن يكون فيما سلف، كان بحضرة " علي بن الحسين " ﵄ " فيتكلم ويسأله عن أشياء من أمر الدين؛ وأن " محمد بن علي الباقر " ﵇، وهو والد " جعفر الصادق " لم ير في داره جعفرًا قط؛ وأن " الحسن والحسين " كانا يأخذان البث بأيديهما فيجعلانه في أفواههما، ثم ينزل إلى الصدور منهما. وأنهما كانا يتطهران بالبسر ويغتسلان منه. وكان " علي " ﵇ يرحم الأرملة ويبر اليتيم ويضرب بحد سيفه أم الصبيين، ويقطع يد الفيل على السرق، وجلده على شرب الخمر، وكان يأمر بقتل الأعرج والأعيرج وهما في الحرم، ويكره دخول الأعمى المسجد. وكان ينصف الخسيس من أهل الأقدار، ويوطأ الجليل في زمانه بالقدم. وإذا رأى نبيذًا في الجر سأل عن حاله، فإن كان معروفًا ألزم به أهله، وإن كان مجهولًا أنفق عليه من مال المسلمين حتى ينطق ويبلغ الرشد. وكان يلعن البقرة ولا يقول في الثور إلا خيرًا، ويصلي إن اتفق له فوق العنز. وأكل الصقر ولم يأكل البازي لأنه من سباع الطير. وكان يعلم البازي أفعال الصالحين فإن قبل منه وإلا أدبه بالسيف أو السوط.
ولا يعلم أن السيف والرمح ولدا أولادًا قط. فأما الصعدة فقد ولد لها أولاد قتل بعضهم " يوم الجمل "، وبعضهم في " صفين ". وكانت الصعدة في أيام " علي " ترجع إلى رأيه في الحلال والحرام. وكان يعظم " مكة " ولا نعلمه ذكر " الطائف " إلا بخير، وأمر بضرب المدينة إذا عصت. وكان يتصدق على الزمن ولا ينكر ذبح المقعد بالبصرة ولا بالكوفة، وينكر ذبحه بمكة. ويأمر بقتل الهلال كيف قدر عليه، ويقعد في ضوء القمر وضوء الشمس. ويحمل القبيلة أو القبيلتين والثلاث، ويمشي بهن في الأسواق ولا يجد لهن مسًا.
1 / 31