وذلك أنه مما يتبين عن قرب ضرورة تقدم هاتين القولين لهذه الحركة، إلا أنه قد يتخيل الشيء وينزع إليه من غير أن يتحرك ولذلك ما يحتاج ضرورة في هذه الحركة إلى وجود نسبة ما بين هاتين القوتين بها يكون الحيوان متحركًا ضرورة، وليس ذلك شيئًا اكثر من كون الصورة المتخيلة محركة للنفس النزوعية، والنزوعية متحركة عنها، وقابلة لها، فإنه عندما يحرك الصورة المتخيلة للنفس تحرك النزوعية الحار الغريزي فيحرك هو سائر أعضاء الحركة. ولذلك متى نحت عن نفس النزوعية عن التحريك أو لم تكف بينهما هذه النسبة كفت الحركة.
وذلك أن النزوع ليس شيئًا اكثر من تشوق حضور الصور المحسوسة من جهة ما نتخيلها، فإذا حصلت هذه الملازمة بين هاتين القوتين من الفعل والقبول تحرك الحيوان ضرورة إلى أن تحصل تلك الصورة المتخيلة محسوسة بالفعل، فإذن الصورة المتخيلة هي المحرك الأقصى في هذه الحركة، والقوة النزوعية متحركة عنها على طريق الإدراك، هي المحرك الأول في المكان ولذلك نسبت إليه هذه الحركة دون النفس المدركة التي هي علة النزوع. والحال التي إذا حصلت في النفس النزوعية حركت الحار الغريزي، وحرك الحار الغريزي الأعضاء هي التي يسميها المفسرون بالإجماع، ولذلك متى وجدت هذه الصورة المتخيلة والنزوع دون هذه الحال لك يكن لها جدوى في تحريك ذلك الحيوان، إذا كانت الصورة الخيالية إنما وجودها من أجل الحركة، وعدم قبول النفس النزوعية للتحريك عن الصورة المتخيلة يسمى مللًا، وبطوء قبولها يسمى كسلًا، كما أن ضده يسمى نشاطًا.
فقد قلنا بماذا تلتئم هذه الحركة وكيف تلتئم ومتى تلتئم وقلنا مع ذلك في وجدود النفس النزوعية وماهيتها.
وهنا انقضى القول في الأقاويل الكلية من علم النفس حسب ما جرت به عادة المشائين.
فأما القول في سائر القوى الجزئية مثل الحفظ والذكر والتذكر وما يلزم عنها من الإدراكات، وبالجملة سائر الإدراكات النفسانية، فالقول فيها في كتاب الحس والمحسوس، والحمد لله حق حمده.
1 / 30