العقاب والثواب:
لم يؤديا إلى شيء، فإن السجون تفرغ وتمتلئ والمشانق تعلق، والشر لم يبتعد عن العالم، والخير لم تنزرع أصوله في النفس مطلقا. (3)
الوعظ والحث على الأخلاق الحميدة:
هذان أيضا لم يؤديا إلى إصلاح في الأخطاء الشائعة، فالغالب أننا نمل الوعظ ولا نتأثر به إلا إذا كان مهيئا في قالب فني تستوعبه النفس وينفذ إلى القلب، وبعبارة أخرى: إن لم يكن ذلك الوعظ مؤديا إلى إقناع قلبي فلا فائدة منه، وحقيقة قد يكون الكلم البليغ مؤثرا، ولكن تأثيره لا يعدو الساعة التي ألقي فيها. (4)
التعليم الديني:
إنني أومن بالدين كعنصر عام من عناصر الإصلاح، ويكفي أن نستعرض سير الأنبياء والرسل وما لاقوه في سبيل الدعوة وما تجشموه في سبيل الإنسانية وما صادفوه في حياتهم وهم يحاولون إصلاح العالم، يكفي ذلك تقويما للنفوس المعوجة وهديا للنزعات الضالة، ولكن اضطرابات العالم والكوارث المتلاحقة قلقلت الإيمان ونشرت في العالم موجة من القلق وعدم الثقة، جعلت المفكرين يفكرون في عكاز جديد يستند إليه العالم الأعرج ويكون قوة أخرى بجانب الإيمان تشد أزره وتسنده، هذا العكاز هو الإصلاح السيكولوجي، وقد فصل ذلك الأستاذ «شيلر» في كتابه «مستقبل الإنسان» تفصيلا قيما فليرجع إليه من يريد؟
على أن الإصلاح السيكولوجي يجب أن يبدأ من أسفل الدرج ليصل إلى أعلاه، على أن الدراسة السيكولوجية لا شك تقتضي الإلمام التام بعلم النفس، ومن لم يستطع الإلمام التام فعليه على الأقل بالبديهيات، فلنذكر هنا أن الآلة الإنسانية تتكون من وقود وسائق وموتور، فلنبدأ بالطفل، فهو كله وقود تقريبا، والعقل الذي عنده لا يعدو بضعة خصائص جنسية موروثة. أما الموتور لدى الطفل فشيء غشيم صغير تسيره العاطفة ويمكن أن نسميه العناد، أو التشبث أو الأنانية أو إرادة القوة، فإذا أضفنا لذلك الخيال وأحلام اليقظة اكتملت لنا صورة الهمجي الصغير المسمى بالطفل.
فيتلخص علاج الطفل - بناء على هذه الصورة - بمعالجة الإرادة الجامحة أو بالعاطفة العاصفة، وأهم ما في عواصف الطفولة الغضب والخوف والميل إلى الهدم. ولنعترف أن المرمى ميال دائما إلى كسر شوكة العناد، وقد اختلف المربون في هذا الباب فمنهم من أشار بالعنف ومنهم من أشار بضده، والرأي الحديث لا يميل إلى هذا العنف؛ لأنه هدم بغير بناء، ويميل بالأكثر إلى بناء شيء يقوم مقام العقل، ليقاوم ذلك التيار الجارف، إن العقل في دور الطفولة كما بينا لا يعدو بضع خصائص وراثية، فأي شيء نستطيع أن نقيمه مكانه، حتى يتم نموه ونضجه، «العادات»، وصدق من قال: «العادة تكون الفكر، والفكر يكون الخلق، والخلق يكون القدر»، فبناء العادات هو الذي يجب أن يجري بلا هوادة ويتم بلا رحمة ولا شفقة، وقد نصح أكثر العلماء بشأن العاصفة التي أشرنا إليها في نفس الطفل أنها من الممكن تشتيتها بتوزيعها على مجهودات مختلفة، ويمكن كذلك تحويلها، فإن الصفير في الخطر أو الخوف يمكن أن يتعود اصطناع المرح والشجاعة، فالواقع أن اصطناع المرح يذهب جانبا كبيرا من الحزن، ولا يخفى أن الصفير - أي ادعاء عدم المبالاة - يعين على الاحتمال والشجاعة.
وأعود فأقول: إن الطاعة العمياء في تكوين العادات أثناء الصغر، نوع من العبودية يؤدي إلى حرية عجيبة فيما بعد، فلو أننا استعرضنا العقل البشري كطريق لوجدنا أنه مكون على الأكثر من طرق محفورة ، نقشتها يد المربي أو البيئة، هذه الطرق هي العادات. ولو أنني وثبت من الكلام عن الطفولة إلى الشباب فذكرت بعض أخطائه، كقلة ضبط المواعيد وعدم الثبات والكذب وغير ذلك، لوجدتها لا تخرج عن أنها «عادات» ساء تكوينها في الصغر.
حسبنا هذا القدر عن الطفولة فلنمر إلى مرحلة خطيرة جدا، ألا وهي اليفاعة أو المراهقة، فهي الدهليز الذي يؤدي توا إلى الشباب، ولكنني قبل أن أمضي في هذا الدهليز أريد أن أتحدث في الأثر الناشئ من معالجة إرادة القوة بالعنف والإخضاع، أو بضد هذا وهو الملاينة المتطرفة، إن الحالة الأولى تؤدي إلى صراع
Page inconnue