حُسامُ غذاه الُروحُ حتى كأنهَ ... من الله في قبَضِ النفَوسِ رسَولٌ
وأما قولك:
) كأنك في الإعطاء للمالِ مبغضُ ... وفي كل َ حرْبِ للمنيةً عاشقُ (
فمن قول البحتري:
تَسَرعَ حتى قالَ منَ شهَد الَغي ... لقاءٌ أعادٍ أمْ لقاءُ حبائبِ
وأما قولك) فتىَ كالسحاب الجون يخشى ويرتجى (، فمن قول بشار:
يرْجوُ ويخشىَ حالتيَكَ الوَرىَ ... كأنكَ الجنةُ والَنارُ
وقولك:) ومنزلك الدنيا (فمن قول علي بن جبلة:
ذَريني أجول الأرضَ في طلبِ الغنى ... فما الكَرخُ الدنياْ ولا الناس قاسمٌ
وقولك:) وأنت الخلائق (فمن قول أبي نؤاس:
وليْسَ لله بمسَتنكَرٍ ... أن يجمعَ العالمَ في واحد
وأبو نؤاس أخذه من قول جرير:
إذا غضبتْ عليك بنو تَميمٍ ... حَسبتً النُاس كلًهمُ غضاَبا
فنقله أبو نؤاس من القبيل إلى رجل. فلا معنى لك في هذه القافية إلا مقتفى، ولا إحسان أشرت إليه إلاَ مستشرق محتذى. وعلى ذلك فأنت فيما استرقته كما قال بعض المحدثين:
وفتى يقَول الشُعرَ إلا أنه ... فيما عَلمِنُا يسَرِق المسَروقَا
فقال في بعض صياغته: فأين أنت من قوله في الكلمة الأخرى:
) تذكُرت ما بَينَ العُذيبِ وبارِقِ ... مَجَر عوَالينا ومَجرَى السوًابقِ (
) وصحُبةَ قومٍ يذَبحُونَ قَنيصهم ... بفضلاتِ ما قد كسروا في المفارقِ (
) ولَيلًا توسدنا الثوِيةَ تَحته ... كأن ثَرًاها عَنبر في المَرافقِ (
فقلت: أخذ البيت الخير من قول أبي عيينة:
بغَرس كأمثالِ الجوَاري وتُربةٍ ... كأنُ ثراها ماءُ ورَدٍ على مسِكِ
أو من قول عبد الصمد بن المعذل:
يَمُحٌ نداها فيه عفراءَ جعَدَةً ... كأن ثَراها ماءُ ورَدٍ وعَنبرِ
وقد أخذه منهما ابن المعتز فقال:
فكأنما سطعَتَ مجامرٌ عَنبَرٍ ... أو فٌت فأرُ المسكِ فوقَ ثرَاك
وكأنما حصَباءٌ أرضِك جوَهَرٌ ... وكأنُ ماءَ الوَردِ قَطرٌ نَداك
ثم قلت له: أين من تغزلك ما يناسب هذا؟ فأنفرد اثنان من الحاضرين لتعليق ما ينجم من جواب أبي الطيب عما أورده، واثنان لتعلق ما أذكره وأعدده. فلما اتسع نطاق الكلام، وماج بحره وترامت أواذيه، وغمرهم منه بما لم يستقلوا برسمه في كتاب، اقتصروا على تعليقه وحيًا، وعلى الكلمات في أوائل الأبيات، ولمعٍ نبذوها نبذًا من الاحتجاجات في دفاترهم. وتنبهت عزائمهم من التلطف في جمع ذلك لما أحتسب تنسبها له، ولم يجر شيء إلا وعملي محيط به. وقلت: أخبرني عن قولك:
) فإن كان بعض الناٌسِ سيفًا لدولةٍ ... ففي الناسِ بوقاتٌ لها وطُبول (
أهذا من صريح المدح أم هجينه؟ فقال: بل من هجينه. فقلت: ما الذي اضطرك إليه: إنها عثرة من عثرات الخاطر ينهض منها قولي:
) وإن الذي سميُ علينًا لمنصف ... وإن الذي سمَاه سيفًا لظمالمهْ (
) وما كلَ سيفٍ الهامَ حدهُ ... وتَقَطعَ لزْيات الزًمانِ مكارمهْ (
وقولي في هذا المعنى:
) تحيَرَ في سيْفٍ أصْله ... وطابعٌه الرحمنَ والمجدُ صاقل (
وفي هذا أقول مشيرًا إلى هذا المعنى، وذاكرًا حال رسولٍ كان ورد إليه من متملك الروم:
) وأنى اهتَدى هذا الرَسول بأرْضهِ ... وما سكنَتْ مذ سرتْ فيها القساطل (
) ومن أي كان يسقْي جياده ... ولم تصفُ من مزْج الدُماء المناهل (
فقلت: أخذت قولك:) والمجد صاقل (من قول أبي تمام:
متدَفقًا صَقلوا به أعراضهم ... إن السماحةَ صقيلُ الأحسابِ
وأخذتَ قولك:) ولم تصفُ من مزْجِ الدماء المناهلُ (من قول أبي سعد المخزومي:
لا يشَربٌ الماء إلا من قَليبِ دمِ ... ولا يبيتُ له جارُ على وجلَِ
وأبو سعد أخذه من بشار:
فتىً لا يَبيت على دمنْهٍ ... ولا يشَربَ الماء إلا بدمْ
فقال: وقولي:
) أماَ للخلافةَ من مشْفقٍ ... على سيفِ دوْلتها القاصلِ (
) يقُد طلاُها بلا ضاربٍ ... ويسرْي إليهمْ بلا حاملِ (
وقولي في هذا المعنى:
) عاتقِ الملك الملْك الأغَر نجاده ... وفي يدِ جبار السماواتِ قائمهْ (
فقلت: أخذت هذا من قول أبي تمام:
لقد خابَ منَ سويداءَ قلبهِ ... لحدَ سنانٍ في يدَ الله عاملهْ
1 / 8