مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي تفرد بجلال ملكوته، وتوحد بجمال جبروته وتعزز بعلو أحديته، وتقدس بسمو صمديته، وتكبر في ذاته عن مضارعة كل نظير، وتنزه في صفائه عن كل تناه وقصور، له الصفات المختصة بحقه، واليات الناطقة بأنه غير مشبه بخلقه.
فسبحانه من عزيز، لا حد يناله، ولا عد يحتاله، ولا أمد يحصره، ولا أحد ينصره، ولا ولد يشفعه، ولا عدد يجمع، ولا مكان يمسكه، ولا زمان يدركه، ولا فهم يقدره، ولا وهم يصوره.
تعالى عن أن يقال: كيف هو؟ أو أين هو؟ أو اكتسب بصنعه الزين، أو دفع بفعله النقص والشين؛ إذ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولا يغلبه حي، وهو الخبير القدير.
أحمده على ما يولى ويصنع، وأشكره على ما يزوى ويدفع، وأتوكل عليه وأقنع، وأرضى بما يعطي ويمنع.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة موقن بتوحيده، مستجير بحسن تأييده.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده المصطفى، وأمينه المجتبي ورسوله المبعوث إلى كافة
1 / 14
الورى صلى الله عليه وعلى آله مصابيح الدجى، وعلى أصحابه مفاتيح الهدى، وسمل تسليمًا كثيرًا.
هذه رسالة كتبها الفقير إلى الله تعالى عبد الكريم بن هوازن القشيري، إلى جماعة الصوفية ببلدان الإسلام، في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة.
أما بعد: رضي الله عنكم فقد جعل الله هذه الطائفة صفوة أوليائه، وفضلهم على الكافة من عباده، بعد رسله وأنبيائه، صلوات الله وسلامه عليهم، وجعل قلوبهم معادن أسراره، واختصهم من بين الأمة بطوالع أنواره.
فهم الغياث للخلق، والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق بالحق.
صفاهم من كدورات البشرية، ورقاهم إلى محال المشاهدات بما تجلى لهم من حقائق الأحدية. ووفقهم للقيام بآداب العبودية، وأشهد مجارى أحكام الربوبية.
فقاموا بأداء ما عليهم من واجبات تكليف، وتحققوا بما منه سبحانه لهم من التقليب والتصريف.
ثم رجعوا إلى الله، ﷾، بصدق الافتقار، ونعت الانكسار، ولم يتكلوا على ما حصل منهم من الأعمال، أو صفا لهم من الأحوال. علمًا منهم بأنه جل وعلا يفعل ما يريد، ويختار من يشاء من العبيد. لا يحكم عليه خلق. ولا يتوجه عليه مخلوق حق، ثوابه: إبتداء فضل. وعذابه: حكم بعدل. وأمره قضاء فصل.
1 / 15
ثم اعلموا، رحمكم الله، أن المحققين من هذه الطائفة انقرض أكثرهم ولم يبق في زماننا من هذه الطائفة إلا أثرهم، كما قيل:
أما الخيام فإنها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائها
حصلت الفترة في هذه الطريقة..، لا، بل إندرست الطريقة بالحقيقة: مضى الشيوخ الذين كان بهم اهتداء، وقل الشباب الذين كان لهم بسيرتهم وسنتهم اقتداء، وزال الورع وطوى بساطه، واشتد الطمع وقوى رباطه.
وارتحل عن القلوب حرمة الشريعة، فعدوا قلة المبالاة بالدين أوثق ذريعة ورفضوا التمييز بين الحلال والحرام. ودانوا بترك الإحترام.
وطرح الاحتشام، واستخفوا بأداء العبادات، واستهانوا بالصوم والصلاة، وركضوا في ميدان الغفلات وركنوا إلى انباع الشهوات، وقلة المبالاة بتعاطي المحظورات، والارتفاق بما يأخذونه من السوقة، والنسوان، وأصحاب السلطان.
ثم لم يرضوا بما تعاطوه من سوء هذه الأفعال، حتى أشاروا إلى أعلى الحقائق والأحوال، وادعوا أنهم تحروا من رق الأغلال وتحققوا بحقائق الوصال وأنهم قائمون بالحق، تجري عليهم أحكامه، وهم محو، وليس لله عليهم فيما يؤثرونه أو يذرونه عتب ولا لوم، وأنهم كوشفوا بأسرار الأحدية، واختطفوا عنهم بالكلية، وزالت عنهم أحكامه للبشرية. وبقوا
1 / 16
بعد فنائهم عنهم بأنوار الصمدية، والقائل عنهم غيرهم إذا نطقوا، والنائب عنهم سواهم فيما تصرفوا، بل صرفوا.
ولما طال الابتلاء فيما نحن ف يه من الزمان بما لوحت ببعضه من هذه القصة وكنت لا أبسط إلى هذه الغاية لسان الإنكار، غبرة على هذه الطريقة أن يذكر أهلها بسوء، أو بجد مخالف لثلبهم مساغًا، إذ البلوى في هذه الديار بالمخالفين لهذه الطريقة والمنكرين لعيها شديدة.
ولما كنت أؤمل من مادة هذه الفترة أن تنحسم، ولعل الله سبحانه يجود بلطفه في التنيه لمن حاد عن السنة المثلى في تضييع آداب هذه الطريقة.
ولما أبى الوقت إلا استصعابًا. وأكثر أهل العصر بهذه الديار إلا تماديًا فيما اعتادوه واغترارًا بما ارتادوه.
أشفقت على القلوب أن تحسب أن هذا الأمر على هذه الجملة بنى قواعده. وعلى هذا النحو سار سلفه.
فعلقت هذه الرسالة إليكم، أكرمكم الله. وذكرت فيها بعض سير شيوخ هذه الطريقة في آدابهم، وأخلاقهم، ومعاملاتهم، وعقائدهم بقلوبهم، وما أشاروا إليه من مواجيدهم، وكيفية ترقيهم من بدايتهم إلى نهايتهم؛ لتكون لمريدي هذه الطريقة قوة، ومنكم لي بتصحيح شهادة، ولي في نشر هذه الشكوى سلوة، ومن الكريم فضلًا ومثوبة وأستعين بالله سبحانه فيما أذكره؛ وأستكفيه؛ وأستعصمه من الخط فيه، وأستغفره وأستعينه. وهو بالفضل جدير، وعلى ما يشاء قدير.
1 / 17
فصل: فِي بيان اعتقاد هذه الطائفة فِي مسائل الأصول اعلموا رحمكم اللَّه أَن شيوخ هذه الطائفة بنوا قواعد أمرهم عَلَى أصول صحيحة فِي التوحيد صانوا بِهَا عقائدهم عَنِ البدع، ودانوا بِمَا وجدوا عَلَيْهِ السلف وأهل السنة من توحيد لَيْسَ فِيهِ تمثيل ولا تعطيل وعرفوا مَا هُوَ حق القدم، وتحققوا بِمَا هُوَ نعت الموجود عَنِ العدم، ولذلك قَالَ سيد هذه الطريقة الجنيد ﵀: التوحيد إفراد القدم من الحدث،
1 / 19
وأحكموا أصول العقائد بواضح الدلائل، ولائح الشواهد، كَمَا قَالَ أَبُو مُحَمَّد الحريري ﵀: من لَمْ يقف عَلَى علم التوحيد بشاهد من شواهده، زلت بِهِ قدم الغرور فِي مهواة من التلف.
يريد بِذَلِكَ أَن من ركن إِلَى التقليد، وَلَمْ يتأمل دلائل التوحيد سقط عَن سنن النجاة، ووقع فِي أسر الهلاك، ومن تأمل ألفاظهم، وتصفح كلامهم وجد فِي مجموع أقاويلهم ومتفرقاتها مَا يثق بتأمله بأن الْقَوْم لَمْ يقصروا فِي التحقيق عَن شأو، وَلَمْ يعرجوا فِي الطلب عَلَى تقصير.
ونحن نذكر فِي هَذَا الفصل جملا من متفرقات كلامهم فيما يتعلق بمسائل الأصول، ثُمَّ نحرر عَلَى الترتيب بعدها مَا يشتمل عَلَى مَا يحتاج إِلَيْهِ فِي الاعتقاد عَلَى وجه الإيجاز والاختصار إِن شاء اللَّه تَعَالَى.
سمعت الشيخ أبا عَبْد الرَّحْمَنِ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السلمي ﵀ يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن مُوسَى السلامي، يَقُول: سمعت أبا بَكْر الشبلي يَقُول: الْوَاحِد المعروف قبل الحدود وقبل الحروف، وَهَذَا صريح من الشبلي أَن القديم سبحانه لا حد لذاته، ولا حروف لكلامه.
سمعت أبا حاتم الصوفي، يَقُول: سمعت أبا نصر الطوسي، يَقُول: سئل رويم عَن أول فرض افترضه اللَّه ﷿ عَلَى خلقه مَا هُوَ؟ فَقَالَ المعرفة لقوله جل ذكره: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] قَالَ ابْن عَبَّاس: إلا ليعرفون.
1 / 20
وَقَالَ الجنيد: إِن أول مَا يحتاج إِلَيْهِ العبد من عقد الحكمة معرفة المصنوع صانعه والمحدث كَيْفَ كَانَ إحداثه، فيعرف صفة الخالق من المخلوق، وصفة القديم من المحدث، ويذل لدعوته، ويعترف بوجوب طاعته، فَإِن لَمْ يعرف مالكه لَمْ يعترف بالملك لمن استوجبه.
أخبرني مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن، قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الرازي، يَقُول: سمعت أبا الطيب المراغي، يَقُول: للعقل دلالة، وللحكمة إشارة وللمعرفة شهادة، فالعقل يدل، والحكمة تشير، والمعرفة تشهد أَن صفاء العبادات لا ينال إلا بصفاء التوحيد.
وسئل الجنيد عَنِ التوحيد فَقَالَ: إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته بكمال أحديته أَنَّهُ الْوَاحِد الَّذِي ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ [الإخلاص: ٣] بنفي الأضداد والأنداد والأشباه بلا تشبيه، ولا تكييف، ولا تصوير، ولا تمثيل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَي الصوفي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن عَلِيّ التميمي الصوفي، يحكي عَنِ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الدامغاني، قَالَ: سئل أَبُو بَكْر الزاهر أبادي عَنِ المعرفة فَقَالَ: المعرفة: اسم، ومعناه وجود تعظيم فِي القلب يمنعك عَنِ التعطيل والتشبيه.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ البوشنجي ﵀: التوحيد أَن تعلم أَنَّهُ غَيْر مشبه للذوات ولا منفي الصفات.
أَخْبَرَنَا الشيخ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي ﵀ تعالي، قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن غالب، قَالَ: سمعت أبا نصر أَحْمَد بْن سَعِيد الإسفنجاني، يَقُول: قَالَ الْحُسَيْن بْن مَنْصُور: ألزم الكل الحدث، لأن القدم لَهُ فالذي بالجسم ظهوره فالعرض يلزمه والذي بالأداة
1 / 21
اجتماعه فقواها تمسكه، والذي يؤلفه وقت يفرقه وقت، والذي يقيمه غيره فالضرورة تمسه، والذي الوهم يظفر بِهِ فالتصوير يرتقي إِلَيْهِ، ومن آواه محل أدركه أين، ومن كَانَ لَهُ جنس طالبه مكيف، أَنَّهُ سبحانه لا يظله فَوْقَ، ولا يقله تَحْتَ، ولا يقابله حد، ولا يزاحمه عِنْدَ، ولا يأخذه خلف، ولا يحده أمام، وَلَمْ يظهره قبل، وَلَمْ ينفه بَعْد، وَلَمْ يجمعه كُل، وَلَمْ يوجده كَانَ، وَلَمْ يفقده لَيْسَ، وصفه لا صفة لَهُ، وفعله لا علة لَهُ، وكونه لا أمد لَهُ، تنزه عَن أحوال خلقه، لَيْسَ لَهُ من خلقه مزاج، ولا فِي فعله علاج، باينهم بقدمه كَمَا باينوه بحدوثهم، إِن قُلْت: مَتَى فَقَدْ سبق الوقت كونه، وإن قُلْت: هُوَ فالهاء والواو خلقه، وإن قُلْت: أين فَقَدْ تقدم المكان وجوده، فالحروف آياته، ووجوده إثباته، ومعرفته توحيده، وتوحيده تمييزه من خلقه
1 / 22
، مَا تصور فِي الأوهام فَهُوَ بخلافه، كَيْفَ يحل بِهِ مَا منه بدأ، أَوْ يعود إِلَيْهِ مَا هُوَ أنشاه، لا تماقله العيون، ولا تقابله الظنون، قربه كرامته، وبعده إهانته، علوه من غَيْر توقل، ومجيئه من غَيْر تنقل، هُوَ الأَوَّل والآخر والظاهر والباطن، القريب البعيد الَّذِي ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] سمعت أبا حاتم السجستاني يَقُول: سمعت أبا نصر الطوسي السراج، يحكي عَن يُوسُف بْن الْحُسَيْن، قَالَ: قام رجل بَيْنَ يدي ذي النون الْمِصْرِي، فَقَالَ: أخبرني عَنِ التوحيد مَا هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ أَن تعلم أَن قدرة اللَّه تعالي فِي الأشياء بلا مزاج، وصنعه للأشياء بلا علاج، وعلة كُل شَيْء صنعه، ولا علة لصنعه، وليس فِي السموات العلا ولا فِي الأرضين السفلي مدير غَيْر اللَّه، وكل مَا تصور فِي وهمك فالله بخلاف ذَلِكَ.
وَقَالَ الجنيد: التوحيد علمك وإقرارك بأن اللَّه فرد فِي أزليته لا ثاني مَعَهُ، ولا شيء يفعل فعله.
وَقَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن خفيف: الإيمان تصديق القلوب بِمَا علمه الحق من الغيوب وَقَالَ أَبُو عَبَّاس السياري: عطاؤه عَلَى نوعين: كرامة، واستدراج، فَمَا أبقاه عليك فَهُوَ كرامة، وَمَا أزاله عَنْك فَهُوَ استدراج، فقل: أنا مؤمن إِن شاء اللَّه تعالي وأبو الْعَبَّاس السياري كَانَ شيخ وقته.
1 / 23
سمعت الأستاذ أبا عَلِي الدقاق ﵀ يَقُول: غمز رَجُل رِجْل أَبِي الْعَبَّاس السياري فَقَالَ: تغمز رِجْلا مَا نقلتها قط فِي معصية اللَّه ﷿.
وَقَالَ أَبُو بَكْر الواسطي من قَالَ: أنا مؤمن بالله حقا قيل لَهُ: الحقيقة تشير عَلَى إشراف واطلاع وإحاطة، فمن فقده بطل دعواه فِيهَا يريد بِذَلِكَ مَا قاله أهل السنة إِن المؤمن الحقيقي من كَانَ محكوما بالجنة فمن لَمْ يعلم ذَلِكَ من سر حكمة اللَّه تعالي فدعواه بأنه مؤمن حقا غَيْر صحيح.
سمعت الشيخ أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول: سمعت أبا الْحَسَن العنبري يَقُول: سمعت سهل بْن عَبْد اللَّهِ التستري يَقُول: ينظر إِلَيْهِ تعالى المؤمنون بالأبصار من غَيْر إحاطة ولا إدراك نهاية.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ النوري: شاهد الحق القلوب فلم ير قلبا أشوق إِلَيْهِ من قلب مُحَمَّد ﷺ فأكرمه بالمعراج تعجيلا للرؤية والمكالمة.
سمعت الإِمَام أبا بَكْر مُحَمَّد ابْن الْحَسَن بْن فورك ﵀ تعالي يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن المحبوب خادم أَبِي عُثْمَان المغربي يَقُول: قَالَ لي أَبُو عُثْمَان المغربي يوما: يا مُحَمَّد لو قَالَ لَك أحد أين معبودك إيش تقول؟ قَالَ: قُلْت: أقول حيث لَمْ يزل قَالَ: فَإِن قَالَ أين كَانَ فِي الأزل إيش تقول؟
1 / 24
قَالَ: قُلْت: أقول حيث هُوَ الآن يَعْنِي أَنَّهُ كَمَا كَانَ ولا مكان فَهُوَ الآن كَمَا كَانَ قَالَ: فارتضى مني ذَلِكَ ونزع قميصه وأعطانيه.
وسمعت الإِمَام أبا بَكْر بْن فورك ﵀ تعالي يَقُول: سمعت أبا عُثْمَان المغربي يَقُول: كنت أعتقد شَيْئًا من حَدِيث الجهة فلما قدمت بغداد زال ذَلِكَ عَن قلبي فكتبت إِلَى أَصْحَابنا بمكة إني أسلمت الآن إسلاما جديدا.
سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السلمي ﵀ يَقُول: سمعت أبا عُثْمَان المغربي يَقُول وَقَدْ سئل عَنِ الخلق فَقَالَ: قوالب وأشباح تجري عَلَيْهِم أحكام القدرة.
وَقَالَ الواسطي: لما كانت الأرواح والأجساد قامتا بالله وظهرتا بِهِ لا بذواتها كَذَلِكَ قامت الخطوات والحركات بالله لا بذواتها، إذ الحركات والخطرات فروع الأجساد والأرواح صرح بِهَذَا الْكَلام أَن أكساب الْعِبَاد مخلوقة لِلَّهِ تعالي، وكما أَنَّهُ لا خالق للجواهر إلا اللَّه تعالي فَكَذَلِكَ لا خالق للأعراض إلا اللَّه تعالي.
سمعت الشيخ أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي ﵀ يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول: سمعت أبا جَعْفَر الصيدلاني يَقُول: سمعت أبا سَعِيد الخراز يَقُول: من ظن أَنَّهُ يبذل الجهد يصل إِلَى مطلوبه فمتعن، ومن ظن أَنَّهُ بغير الجهد يصل فمتمن.
1 / 25
وَقَالَ الواسطي: المقامات أقسام قسمت، ونعوت أجريت، كَيْفَ تستجلب بحركات أَوْ تنال بسعايات.
وسئل الواسطي عَنِ الكفر بالله أَوْ لِلَّهِ فَقَالَ: الكفر والإيمان والدنيا والآخرة من اللَّه، وإلى اللَّه، وبالله، وَلِلَّهِ، من اللَّه ابتداء وإنشاء، وإلى اللَّه مرجعا وانتهاء، وبالله بقاء وفناء وَلِلَّهِ ملكا وخلقا.
وَقَالَ الجنيد: سئل بَعْض الْعُلَمَاء عَنِ التوحيد فَقَالَ: هُوَ اليقين، فَقَالَ السائل: بَيْنَ لي مَا هُوَ فَقَالَ: هُوَ معرفتك أَن حركات الخلق وسكونهم فعل اللَّه ﷿ وحده لا شريك لَهُ فَإِذَا فعلت ذَلِكَ فَقَدْ وحدته.
سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن ﵀ يَقُول: سمعت عَبْد الْوَاحِد بْن عَلِيّ يَقُول: سمعت القاسم بْن القاسم يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن موسي الواسطي يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الجوهري يَقُول: سمعت ذا النون المصري يَقُول: وَقَدْ جاءه رجل فَقَالَ: ادع اللَّه لي فَقَالَ: إِن كنت قَدْ أيدت فِي علم الغيب بصدق التوحيد فكم من دعوة مجابة قَدْ سبقت لَك وإلا فَإِن النداء لا ينقذ الغرقي.
وَقَالَ الواسطي: ادعى فرعون الربوبية عَلَى الكشف وادعت المعتزلة عَلَى الستر تقول: مَا شئت فعلت.
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن النوري: التوحيد كُل خاطر بشير إِلَى اللَّه تعالي بَعْد أَن لا تزاحمه خواطر التشبيه.
وَأَخْبَرَنَا الشيخ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي ﵀ تعالي قَالَ: سمعت عَبْد الْوَاحِد بْن
1 / 26
بَكْر يَقُول: سمعت هلال بْن أَحْمَد يَقُول: سئل أَبُو عَلِي الروذباري عَنِ التوحيد فَقَالَ: التوحيد استقامة القلب بإثبات مفارقة التعطيل وإنكار التشبيه والتوحيد فِي كلمة واحدة كُل مَا صوره الأوهام والأفكار فالله سبحانه بخلافه لقوله تعالي: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] وَقَالَ أَبُو القاسم النصرأباذي: الْجَنَّة باقية بإبقائه، وذكره لَك ورحمته ومحبته لَك باق ببقائه فشتان بَيْنَ مَا هُوَ باق ببقائه وبين مَا هُوَ باق بإبقائه، وَهَذَا الَّذِي قاله الشيخ أَبُو القاسم النصرأباذي هُوَ غاية التحقيق فَإِن أهل الحق قَالُوا: صفات ذَات القديم سبحانه باقيات ببقائه تعالي، فنبه عَلَى هذه المسالة وبين أَن الباقي باق ببقائه بخلاف مَا قاله مخالفوا أهل الحق فخالفوا الحق.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن قَالَ: سمعت النصرأباذي يَقُول: أَنْتَ متردد بَيْنَ صفات الفعل وصفات الذات وكلاهما صفته تعالي عَلَى الحقيقة فَإِذَا هيمك فِي مقام التفرقة قرنك بصفات فعله، وإذا بلغت إِلَى مقام الجمع قرنك بصفات ذاته.
وأبو القاسم النصرأباذي كَانَ شيخ وقته.
سمعت الأستاذ الإِمَام أبا إِسْحَاق الإِسْفِرَايِنِيّ ﵀ يَقُول: لما قدمت من بغداد كنت أدرس فِي جامع نيسابور مسألة الروح وأشرح القول فِي أَنَّهَا مخلوقة وَكَانَ أَبُو القاسم النصرأباذي قاعدا متباعدا عنا يصغي إِلَى كلامي فاجتاز بنا بَعْد ذَلِكَ يوما بأيام قلائل، فَقَالَ: لمحمد الفراء: أشهد أني أسلمت جديدا عَلَى يد هَذَا الرجل وأشار إلي.
سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السلمي يَقُول: سمعت أبا حسين الفارسي يَقُول: سمعت إِبْرَاهِيم بْن فاتك يَقُول: سمعت الجنيد يَقُول: مَتَى يتصل من لا شبيه لَهُ ولا نظير لَهُ بمن لَهُ
1 / 27
شبيه ونظير هيهات هَذَا ظن عجب إلا بِمَا لطف اللطيف من حيث لا دراك ولا وَهُمْ ولا إحاطة إلا إشارة اليقين وتحقيق الإيمان.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن ﵀ تعالي قَالَ: سمعت عَبْد الْوَاحِد بْن بَكْر يَقُول: حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَلِي البردعي قَالَ: حَدَّثَنَا طاهر بْن إِسْمَاعِيل الرازي قَالَ: قيل ليحيى بْن معاذ: أخبرني عَنِ اللَّه ﷿ فَقَالَ: اللَّه واحد.
فقيل لَهُ: كَيْفَ هُوَ؟ فَقَالَ: ملك قادر.
فقيل: أين هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ بالمرصاد.
فَقَالَ السائل: لَمْ أسألك عَن هَذَا.
فَقَالَ: مَا كَانَ غَيْر هَذَا كَانَ صفة المخلوق فأما صفته فَمَا أخبرتك عَنْهُ.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن قَالَ: سمعت أبا بَكْر الرازي يَقُول: سمعت أبا عَلِيّ الروذباري يَقُول: كُل مَا توهمه متوهم بالجهل أَنَّهُ كَذَلِكَ فالعقل يدل عَلَى أَنَّهُ بخلافه.
وسأل ابْن شاهين الجنيد عَن معني مَعَ فَقَالَ: مَعَ عَلَى معنيين: مَعَ الأنبياء بالنصرة والكلاءة قَالَ اللَّه تعالي: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦] ومع العامة بالعلم والإحاطة قَالَ اللَّه تَعَالَى ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ [المجادلة: ٧] فَقَالَ: ابْن شاهين: مثلك يصلح أَن يَكُون دالا للأمة عَلَى اللَّه.
وسئل ذو النون الْمِصْرِي عَن قَوْله تعالي: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]
1 / 28
فَقَالَ: أثبت ذاته ونفي مكانه فَهُوَ موجود بذاته والأشياء موجودة بحكمة كَمَا شاء سبحانه.
وسئل الشبلي عَن قَوْله تعالي: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] فَقَالَ: الرحمن لَمْ يزل والعرش محدث والعرش بالرحمن استوى.
وسئل جَعْفَر بْن نصير عَن قَوْله تعالي: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] فَقَالَ: استوى علمه بكل شيء فليس شَيْء أقرب إِلَيْهِ من شَيْء.
وَقَالَ جَعْفَر الصادق: من زعم أَن اللَّه فِي شَيْء أَوْ من شَيْء أَوْ عَلَى شَيْء فَقَدْ أشرك إذ لو كَانَ عَلَى شَيْء لكان محمولا ولو كَانَ فِي شَيْء لكان محصورا ولو كَانَ من شَيْء لكان محدثا.
وَقَالَ جَعْفَر الصادق أيضًا فِي قَوْله: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾ [النجم: ٨] من توهم أَنَّهُ بنفسه دنا جعل ثُمَّ مسافة، إِنَّمَا التداني أَنَّهُ كلما قرب منه بعده عَن أنواع المعارف إذ لا دنو ولا بَعْد.
ورأيت بخط الأستاذ أَبِي عَلِيّ أَنَّهُ قيل لصوفي أين اللَّه؟ فَقَالَ: أسحقك اللَّه تطلب مَعَ العين أين؟ أَخْبَرَنَا الشيخ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ: سمعت أبا الْعَبَّاس بْن الخشاب البغدادي يَقُول: سمعت أبا القاسم بْن موسي يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن أَحْمَد يَقُول: سمعت الأَنْصَارِي يَقُول: سمعت الحراز يَقُول: حقيقة القرب فَقَدْ حس الأشياء من القلب وهدو الضمير إِلَى اللَّه تعالي.
سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَلِيّ الحافظ يَقُول: سمعت أبا معاذ
1 / 29
القزويني يَقُول: سمعت أبا عَلِيّ الدلال يَقُول: سمعت أبا عَبْد اللَّهِ بْن فهرمان يَقُول: سمعت إِبْرَاهِيم الخواص يَقُول: انتهيت إِلَى رجل وَقَدْ صرعه الشَّيْطَان فجعلت أؤذن فِي أذنه فناداني الشَّيْطَان من جوفه دعني أقتله فَإِنَّهُ يَقُول: الْقُرْآن مخلوق.
وَقَالَ ابْن عَطَاء: إِن اللَّه تعالي لما خلق الأحرف جعلها سرا لَهُ فلما خلق آدم ﵇ بث فِيهِ ذَلِكَ السر وَلَمْ يبث ذَلِكَ السر فِي أحد من ملائكته، فجرت الأحرف عَلَى لسان آدم ﵇ بفنون الجريان وفنون اللغات فجعلها اللَّه صورا لَهَا صرح ابْن عَطَاء القول بأن الحروف مخلوقة.
وَقَالَ سهل بْن عَبْد اللَّهِ: إِن الحرف لسان فعل لا لسان ذَات، لأنها فعل فِي مفعول.
قَالَ: وَهَذَا أَيْضًا تصريح بأن الحروف مخلوقة.
وَقَالَ الجنيد: فِي جوابات مسائل الشاميين: التوكل عمل القلب والتوحيد قَوْل القلب قَالَ: هَذَا قَوْل أهل الأصول إِن الْكَلام هُوَ المعني الَّذِي قام بالقلب من معني الأمر والنهي والخبر والاستخبار.
وَقَالَ الجنيد: فِي جوابات مسائل الشاميين أَيْضًا: تفرد الحق بعلم الغيوب فعلم مَا كَانَ وَمَا يَكُون وَمَا لا يَكُون أَن لو كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُون.
وَقَالَ الْحُسَيْن بْن مَنْصُور: من عرف الحقيقة فِي التوحيد سقط عَنْهُ لَمْ وكيف.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن قَالَ: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول: سمعت جَعْفَر بْن مُحَمَّد يَقُول: قَالَ الجنيد: أشرف المجالس وأعلاها الجلوس مَعَ الفكرة فِي ميدان التوحيد.
وَقَالَ الواسطي: مَا أحدث اللَّه شَيْئًا أكرم من الروح صرح بأن الروح مخلوقة.
1 / 30
قَالَ الأستاذ الإِمَام زين الإِسْلام أَبُو القاسم ﵀: دلت هذه الحكايات عَلَى أَن عقائد مشايخ الصوفية توافق أقاويل أهل الحق مسائل الأصول، وَقَد اقتصرنا عَلَى هَذَا المقدار خشية خروجنا عما أثرناه من الإيجاز والاختصار.
1 / 31
فصل: قَالَ الأستاذ زين الإِسْلام أَبُو القاسم أدام اللَّه عزه: وَهَذَهِ فصول تشتمل عَلَى بيان عقائدهم فِي مسائل التوحيد ذكرناها عَلَى وجه الترتيب قَالَ شيوخ هذه الطريقة عَلَى مَا يدل عَلَيْهِ متفرقات كلامهم ومجموعاتها ومصنفاتهم فِي التوحيد: أَن الحق سبحانه وتعالي موجود قديم واحد حَكِيم قادر عليم قاهر رحيم مريد سميع مجيد رفيع متكلم بصير متكبر قدير حي أحد باق صمد، وأنه عالم بعلم، قادر بقدرة، مريد بإرادة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام، حي بحياة، باق ببقاء، وَلَهُ يدان هما صفتان يخلق بهما مَا يشاء سبحانه عَلَى التخصيص، وَلَهُ الوجه الجميل وصفات ذاته مختصة بذاته، لا يقال هِيَ وَهُوَ ولا هِيَ أغيار لَهُ بَل هِيَ صفات لَهُ أزلية ونعوت سرمدية، وأنه أحدي الذات لَيْسَ يشبهه شَيْئًا من المصنوعات ولا
1 / 32
يشبهه شَيْء من المخلوقات، لَيْسَ بجسم، ولا جوهر، ولا عرض، ولا صفاته أعراض، ولا يتصور فِي الأوهام ولا يتقدر فِي العقول، ولا لَهُ جهة ولا مكان ولا يجري عَلَيْهِ وقت وزمان، ولا يَجُوز فِي وصفه زيادة ولا نقصان، ولا يخصه هيئة وَقَدْ، ولا يقطعه نهاية وحد، ولا يحله حادث ولا يحمله عَلَى الفعل باعث، ولا يَجُوز عَلَيْهِ لون ولا كون ولا ينصره مدد ولا عون، ولا يخرج عَن قدرته مقدور ولا ينفك عَن حكمه مفطور، ولا يعذب عَن علمه معلوم ولا هُوَ عَلَى فعله كَيْفَ يصنع وَمَا يصنع ملوم، لا يقال لَهُ أين ولا حيث ولا كَيْفَ ولا يستفتح لَهُ وجود فيقال: مَتَى كَانَ ولا ينتهي لَهُ بقاء فيقال: استوفي الأجل والزمان، ولا يقال: لَمْ فعل مَا فعل إذ لا علة لأفعاله، ولا يقال: مَا هُوَ إذ لا جنس لَهُ فيتميز بأمارة عَن أشكاله، يرى لا عَن مقابلة ويرى غيره لا عَن مماقلة، ويصنع لا عَن مباشرة ومزاولة، لَهُ الأسماء الحسني والصفات العلا يفعل مَا يريد ويذل لحكمه العبيد، لا يجري فِي سلطانه إلا مَا يشاء، ولا يحصل فِي ملكه غَيْر مَا سبق بِهِ الْقَضَاء، مَا علم أَنَّهُ يَكُون من الحادثات أراد أَن يَكُون وَمَا علم أَنَّهُ لا يَكُون مِمَّا جاز أَن يَكُون أراد أَن لا يَكُون، خالق أكساب الْعِبَاد خيرها وشرها، مبدع مَا
فِي العالم من الأعيان والآثار قلها وكثرها ومرسل الرسل إِلَى الأمم من غَيْر وجوب عَلَيْهِ، ومتعبد الأنام عَلَى لسان الأنبياء عَلَيْهِم الصلاة والسلام بِمَا لا سبيل لأحد باللوم والاعتراض عَلَيْهِ، ومؤيد نبينا مُحَمَّد ﷺ بالمعجزات الظاهرة والآيات الزاهرة بِمَا أزاح بِهِ العذر وأوضح بِهِ اليقين والنكر وحافظ بيضة الإِسْلام بَعْد وفاته ﷺ بخلفائه الراشدين ثُمَّ حارس الحق وناصره بِمَا يوضحه من حجج الدين عَلَى ألسنة أوليائه عصم الأمة الحنيفية عَنِ الاجتماع عَلَى الضلالة وحسم مادة الباطل بِمَا نصب من الدلالة وأنجز مَا وعد من نصرة الدين بقوله: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣٣] فَهَذِهِ فصول تشير إِلَى أصول المشايخ عَلَى وجه الإيجاز وبالله التوفيق.
1 / 33
بَاب فِي ذكر مشايخ هذه الطريقة وَمَا يدل من سيرهم وأقوالهم عَلَى تعظيم الشريعة
اعلموا رحمكم اللَّه تَعَالَى أَن الْمُسْلِمِينَ بَعْد رَسُول اللَّهِ ﷺ لَمْ يتسم أفاضلهم فِي عصرهم بتسمية علم سِوَى صحبة رَسُول اللَّهِ ﷺ إذ لا فضيلة فوقها، فقيل لَهُمْ: الصَّحَابَة، ولما أدركهم أهل العصر الثَّانِي سمى من صحب الصَّحَابَة التابعين، ورأوا ذَلِكَ أشرف سمة ثُمَّ قيل لمن بعدهم أتباع التابعين ثُمَّ أختلف النَّاس وتباينت المراتب، فقيل لخواص النَّاس مِمَّن لَهُمْ شدة عناية بأمر الدين: الزهاد والعباد ثُمَّ ظهرت البدع وحصل التداعي بَيْنَ الفرق فَكُل فريق أدعوا أَن فيهم زهدا، فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفاسهم مَعَ اللَّه تعالي الحافظون قلوبهم عَن طوارق الغفلة باسم التصوف واشتهر هَذَا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة.
ونحن نذكر فِي هَذَا الباب أسامي جَمَاعَة من شيوخ هذه الطريقة من الطبقة الأولى إِلَى وقت المتأخرين مِنْهُم، وتذكر جملا من سيرهم وأقاويلهم بِمَا يَكُون فِيهِ تنبيه عَلَى أصولهم وآدابهم إِن شاء اللَّه تَعَالَى.
1 / 34