" قَدْ ضَحِكَ اللَّهُ مِمَّا فَعَلْت بِضَيْفِك الْبَارِحَةَ "، وَقَالَ فِيمَا بَلَغَنَا عَنْهُ: " إنَّ اللَّهَ يَضْحَكُ مِنْ أَزَلِّكُمْ وَقُنُوطِكُمْ وَسُرْعَةِ إجَابَتِكُمْ "، وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ: إنَّ رَبَّنَا لَيَضْحَكُ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ: لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا. فِي أَشْبَاهٍ لِهَذَا مِمَّا لَمْ نُحْصِهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]، ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [الطور: ٤٨]، وَقَالَ: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: ٣٩]، وَقَالَ: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: ٧٥]، وَقَالَ: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر: ٦٧].
فَوَاَللَّهِ مَا دَلَّهُمْ عَلَى عِظَمِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَمَا تُحِيطُ بِهِ قَبْضَتُهُ، إلَّا صِغَرُ نَظِيرِهَا مِنْهُمْ عِنْدَهُمْ إنَّ ذَلِكَ الَّذِي أُلْقِيَ فِي رُوعِهِمْ، وَخَلَقَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ قُلُوبَهُمْ فَمَا وَصَفَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِهِ وَسَمَّاهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ سَمَّيْنَاهُ كَمَا سَمَّاهُ، وَلَمْ نَتَكَلَّفْ منه علم ماسواه، لَا هَذَا، وَلَا هَذَا، لَا نَجْحَدُ مَا وَصَفَ، وَلَا نَتَكَلَّفُ مَعْرِفَةَ مَا لَمْ يَصِفْ انْتَهَى. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ كَالْكُرَةِ، وَهَذَا قَبْضُهُ لَهَا وَرَمْيُهُ بِهَا، وَإِنَّمَا بَيَّنَ لَنَا مِنْ عَظَمَتِهِ وَصْفَ الْمَخْلُوقَاتِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ مَا يُعْقَلُ نَظِيرُهُ مِنَّا.
ثُمَّ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ يُبَيِّنُ أَنَّهُ إنْ شَاءَ قَبَضَهَا وَفَعَلَ بِهَا مَا ذَكَرَ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَقْبِضَهَا وَيَدْحُوَهَا كَالْكُرَةِ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْإِحَاطَةِ بِهَا مَا لَا يَخْفَى، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ مُبَايِنٌ لَهَا لَيْسَ بمحايث لَهَا.
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى إذَا كَانَ عِنْدَهُ خَرْدَلَةٌ، إنْ شَاءَ قَبَضَهَا فَأَحَاطَتْ بِهَا قَبْضَتُهُ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبِضْهَا بَلْ جَعَلَهَا تَحْتَهُ، فَهُوَ فِي الْحَالَتَيْنِ مُبَايِنٌ لَهَا، وَسَوَاءٌ قُدِّرَ
1 / 20