Lettre aux gens de la frontière à la porte des portes
رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب
Chercheur
عبد الله شاكر محمد الجنيدي
Maison d'édition
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
Numéro d'édition
١٤١٣هـ
Lieu d'édition
المملكة العربية السعودية
Genres
Croyances et sectes
دون ما كان يجوز وقوعها عليه من الهيئة١ المخالفة لها، وجواز تقدمها في الزمان وتأخرها٢ بذلك إلى محدثها ومرتبها، لأن سلالة الطين والماء المهين يحتمل من الهيئات ضروبًا كثيرة٣، لا يقتضي واحد منها سلالة الطين، ولا الماء المهين بنفسه، ولا يجوز أن يقع شيء٤ من ذلك فيها بالاتفاق لاحتمالها لغيره٥.
فإذا وجدنا ما صار إليه الإنسان في هيئته المخصوصة به دون غيره من الأجسام، وما فيه من الآلات المعدة لمصالحه كسمعه وبصره، وشمه وحسه، وآلات ذوقه٦، وما أعد
_________
١ في (ت) "الهيئات".
٢ في (ت) "تأخرها وحاجتها تلك" ولعل الصواب: "وتأخرها وحاجتها بذلك" كما جاءت العبارة في نسخة ابن تيمية.
٣ في الأصل "ضروريًا كثيرًا" وما أثبته من (ت) .
٤ في الأصل، و(ت): "شيئًا" بالنصب، وما أثبته من نسخة ابن تيمية وهو الصواب قطعًا؛ لأنها فاعل يقع.
٥ يبين الأشعري النظر إلى أن الصدفة لا يمكن لها أن تقيم هذا النظام البديع الدقيق المتمثل في هذه السنن الكونية من خلق وتكوين وتنشئة وتطور.
فالإنسان مثلًا يعلق نطفة في الرحم، ثم تمر به عدة مراحل لا دخل لأحد غير الله فيها، يخرج بعدها بشرًا سويًا، وأصله من طين ثم من ماء مهين ولا يوجد أدنى صلة بين الماء والطين وأعضاء الإنسان وأجزائه، فكيف إذا تكونت هذه الأعضاء بما فيها من دم ولحم وعصب وعظم؟.
ويقول الدكتور "محمود قاسم": "ولو كانت هذه الوظائف وليدة الصدفة، أو توجد من تلقاء ذاتها، لوجب أن توجد للأجسام جميعها دون تفرقة، فوجودها إذن في بعض الأجسام دون بعض دليل على وجود صانع اقتضت إرادته أن تكون مخلوقاته أسمى مرتبة من بعضها الآخر وينطبق هذا القول على الكون بأسره، لأنه مجموعة". (انظر: كتابه ابن رشد وفلسفته الدينية ص١٠٠ من الطبعة الثالثة) .
٦ هذه الحواس التي زود الله ﷾ الإنسان بها، ليطالع الأشياء التي في متناوله على حقيقتها من أعظم نعم الله على الإنسان وفيها من الحكمة والقصد والإرادة، ما يعجز عن وصفه. قال تعالى منبهًا عباده إلى ذلك: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ سورة السجدة: آية (٧- ٩) .
ويقول ابن القيم عن الحواس التي أنعم الله بها على الإنسان: "... ثم تأمل الحكمة في أن جعل الحواس خمسًا في مقابلة المحسوسات الخمس، ليلقى خمسًا بخمس، كي لا يبقى شيء من المحسوسات لا يناله بحاسة، فجعل البصر في مقابلة المبصرات، والسمع في مقابلة الأصوات، والشم في مقابلة أنواع الروائح المختلفات، والذوق في مقابلة الكيفيات المذوقات، واللمس في مقابلة الملموسات ..." (انظر: مفتاح دار السعادة ص٢٨٥ من الطبعة الثانية) .
1 / 84