Risala fi al-Mawarith - ضمن «Athar al-Muallimi»
رسالة في المواريث - ضمن «آثار المعلمي»
Chercheur
محمد عزير شمس
Maison d'édition
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٣٤ هـ
Genres
الرسالة العشرون
رسالة في المواريث
17 / 691
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه.
فصل
فيما كان عليه التوريث في الجاهلية، وكيف أبطل الله تعالى
ما فيه من الجور
كنتُ أريد أن أُثبِتَ في هذا الفصل ما وقفتُ عليه من الآثار في هذا المعنى، ولكن رأيتُ ذلك يطول، مع ما يستدعي منّي من التصحيح والترجيح والتأويل والتعويل، فاكتفيتُ بالإجمال عن التفصيل.
قد تضافرت الآثارُ أن أهل الجاهلية لم يكونوا يُورِّثون النساء والضعفةَ، وفي "صحيح البخاري" (^١) وغيره عن ابن عباس قال: "كان المال للولد، والوصية للوالدين والأقربين ... ".
قوله: "كان المال للولد" أي في الجملة، فإنما كان للذكور الكبار منهم، كما تدلُّ عليه سائر الآثار، وسيأتي بعضها. فمن تأمل الآثار ومناسبة الآيات تبيَّن له أن ترتيبها على ما يأتي:
١ - آية الوصية.
٢ - آية الوصية للزوجة.
_________
(^١) رقم (٢٧٤٧، ٤٥٧٨). وأخرجه أيضًا الطبري (٦/ ٤٥٩) وابن المنذر (١٤٣٣) وابن أبي حاتم (٣/ ٨٨٠) في تفاسيرهم، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٢٢٦).
17 / 693
٣ - ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ...﴾ الآيات.
٤ - ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦].
٥ - ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ ...﴾ [النساء: ٣٣].
٦ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا ... وَأُولُو الْأَرْحَامِ﴾ [الأنفال: ٧٢ - ٧٥].
٧ - ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ ...﴾.
فلنبدأ بتفسير الآيات على هذا الترتيب، ثم نقتصُّ أثر الجَيْراجي على حسب ترتيبه.
* * * *
17 / 694
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وبه أستعين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ونبيه وخليله محمد وآله وصحبه، آمين.
قال الله ﵎: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠].
قوله تعالى: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾، فُسِّر الخير بالمال، وفُسِّر بالمال الكثير.
أخرج جماعة (^١) عن علي ﵁ أنه دخل على مولًى له في الموت، وله سبعمائة درهم، فقال: ألا أُوِصي؟ قال: لا، إنما قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾، وليس لك كثيرُ مالٍ، فدَعْ مالك لورثتك.
وأخرج ابن أبي شيبة (^٢) أن رجلًا قال لعائشة ﵂: أريدُ أن أوصي، قالت: كم مالُك؟ قال: ثلاثة آلاف، قالت: كم عيالُك؟ قال: أربعة،
_________
(^١) أخرجه عبد الرزاق في "المصنَّف" (١٦٣٥١) وسعيد بن منصور (٢٥١ ــ تفسير) وابن أبي شيبة في "المصنف" (١١/ ٢٠٨) والطبري في "تفسيره" (٣/ ١٣٦، ١٣٧) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (١/ ٢٩٨) والحاكم في "المستدرك" (٢/ ٢٧٣، ٢٧٤) والبيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٢٧٠)، وصححه الحاكم (١/ ٢٩٨)، فتعقبه الذهبي بقوله: فيه انقطاع.
(^٢) في "المصنف" (١١/ ٢٠٨). وأخرجه أيضًا سعيد بن منصور في "سننه" (٢٤٨ ــ تفسير) والبيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٢٧٠). وإسناده صحيح.
17 / 695
قالت: قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾، وهذا شيء يسيرٌ، فاتركْه لعيالك فهو أفضل.
........................... كانوا ﵃ يرون أن آية الوصية كُتِب فيها الوصية من المال الكثير للوالدين وعامة الأقربين، وآية الميراث نسختْها بالنسبة للوالدين وبعض الأقربين فبقي بقية الأقربين داخلين في آية الوصية.
وعندي أنها منسوخة بالنسبة لبقية الأقربين أيضًا، وأُقيمَ مقامَ ذلك قولُه تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى ...﴾ [النساء: ٨] كما يأتي إن شاء الله تعالى.
﴿الْوَصِيَّةُ﴾
هي الاسم من أوصى يوصي، وأصلها: أمْرُك من أنت غائبٌ عنه أو ستغيب بأمرٍ يفعله في الغَيبة، ويقال: أوصيتُ زيدًا بالصدقة، كما يقال: أمرتُه بها. ويقال: أوصيتُ لزيدٍ بمالٍ، كما يقال: أمرتُ له بمالٍ.
﴿لِلْوَالِدَيْنِ﴾
اللام في قوله: ﴿لِلْوَالِدَيْنِ﴾ تحتمل معنيين:
وذلك أنه مما تقرر في العربية أن الفعل الذي يتعدى بنفسه يجوز في مصدرِه واسم مصدره ونحوِهما التعديةُ باللام دائمًا، وبنفسه بشرطه. قال ابن مالك في "الخلاصة" (^١):
_________
(^١) "الألفية" بشرح ابن عقيل (٣/ ٩٣).
17 / 696
بفعلِه المصدرَ أَلحِقْ في العملْ ... مضافًا أو مجرّدًا أو معَ الْ
إن كان فعلٌ مع أنْ أو ما يَحُلّ ... محلَّهُ ولاسْمِ مصدرٍ عَمَلْ
قال الشارح (^١): "وإعمالُ المضاف أكثرُ من إعمال المنوَّن، وإعمالُ المنوَّن أكثر من إعمال المحلَّى بألْ".
واتفقوا على أنه إذا لم يُعَدَّ بنفسه يُعدَّى باللام.
ولفظ "وصية" اسم مصدرٍ من أوصى، فيجوز تعديته إلى المفعول باللام، فإذا كان محلَّى بألْ فالغالب أو الواجب أن لا يُعدَّى بنفسه، بل يُعدَّى باللام.
يقول: على كل مسلم الوصيةُ للمسلمين بالتقوى، وعلى هذا فمعنى الآية: كُتِب عليكم إذا حضر أحدَكم الموتُ إن ترك خيرًا أن يوصيَ الوالدين والأقربين بالمعروف.
والمقصود أن يُوصي المحتضر والدَيهِ وأقاربَه بأن يبذلوا المعروفَ من ترِكتِه من صدقةٍ ونحوها، فتكون هذه الآية مشابهةً لقوله ﷿: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: ٨].
وهذا المعنى مستقيم كما تراه، إلّا أنه مخالف لحديث البخاري وغيره عن ابن عباس (^٢)، كما يأتي مع ما سيأتي من أدلة النسخ، فمَن لم يُسلِّم أدلة
_________
(^١) هو ابن عقيل، انظر شرحه (٣/ ٩٤).
(^٢) سبق تخريجه (ص ٦٩٣).
17 / 697
النسخِ فلا محيصَ له عن تسليم احتمال الآية لهذا المعنى، والله الموفق.
فهذا أحد المعنيين اللذين يحتملهما اللام.
المعنى الثاني ــ وهو المشهور ــ: أن اللام هي التي في نحو أوصيتُ لزيدٍ بمالٍ، فمعنى الآية عليه: كُتِب عليكم إذا حضر أحدَكم الموتُ إن تركَ خيرًا أن يوصي للوالدين ....، وعلى هذا المعنى نبني البحث بعون الله تعالى.
(للوالدين)
هو مثنَّى والدٍ ووالدة، و"والدة" اسم فاعل من ولَدتْ تَلِدُ ولادةً: إذا وضعت حملَها، فهي والدةٌ ــ اسم فاعل ــ ووالدٌ أيضًا، حكاه ثعلب (^١). تُرِك التاء لأمْنِ اللَّبْس، كما قالوه في حامل وحائض وطالق. فأما الذكر فإنه طبعًا لا يلد؛ إذ لا يكون منه في التسبُّب للولد ما يَصدُق عليه ولادة على الحقيقة، وإنما يُقال: وُلِدَ له. قال الله ﵎: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ [البقرة: ٢٣٣].
وقد جاء نسبة الولادة إلى غير الأنثى، قال الله ﷿: ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ [البلد: ٣]، وهو مجازٌ مرسل علاقتُه السببية، كما يقال: بنى الأمير المدينةَ، أي أمر ببنائها.
ثمّ جرَّدوا لفظ "والدة" عن الوصفية، فأطلقوه على الأم مع عدم ملاحظة الوصفية، يقال: هذه والدتي، بمعنى أمي لا بمعنى التي ولدتْني. ويُبيِّن لك
_________
(^١) كما في "تاج العروس" (ولد).
17 / 698
الفرقَ تصوُّرُ الولادة عند قولك: "التي ولدتْني" حتمًا، بخلاف الحال عند قولك: "أمي".
وبهذا الاعتبار أُطلِق على الأب "والد" ثم ثَنَّوهما فقالوا: "والدانِ" تغليبًا. ومَن زعم أنه لا تغليبَ لحكاية ثعلب المتقدمة فقد غفلَ؛ لأن "والد" في حكاية ثعلب وصفٌ لا اسمٌ، والوالدان اسمٌ لا وصف. وأيضًا التثنية واردة في الكلام بكثرةٍ، وحكاية ثعلب نادرة.
بقي أنه قد يقال للجدّ وإن علا: "والد"، وللجدة وإن علَتْ: "والدة"، والجيراجي (^١) يزعم أنه حقيقة، والحق أنه مجاز بدليل العلامات التي ذكرها أهل العلم للتفرقة بين الحقيقة والمجاز. وسيأتي ما يتعلق بهذا في بحث الأولاد إن شاء الله تعالى.
﴿وَالْأَقْرَبِينَ﴾
فصل في معنى "الأقربين" في المواضع كلِّها
الأقربون يحتمل أن يُفسَّر على ثلاثة معانٍ:
المعنى الأول: الأشخاص الذين كلُّ واحدٍ منهم أقربُ من سائر الناس مطلقًا، فلا يصدُق على ابن الابن والجدّ؛ لأن الابن أقرب منهما، وإنما يصدُق على الأبوين والبنين.
المعنى الثاني: الذين كلُّ واحدٍ منهم أقرب من سائر الأحياء عند الموت.
_________
(^١) في كتابه "الوراثة في الإسلام" (ص ٣٦).
17 / 699
المعنى الثالث: الأشخاص الذين هم من حيث المجموع أقربُ من غيرهم، وإن كان بعضهم أقربَ من بعض، أو قُل: الذين كلُّ فردٍ منهم أقربُ ممن ليس من الأقارب.
وأرجح هذه المعاني: الثالث؛ لأنه هو المتبادر، فإنك إذا قلتَ: هؤلاء أقاربُ زيدٍ، لم يُفهَم منه إلا المعنى الثالث. والأقارب والأقربون واحدٌ، بل لا نعلم لفظ "الأقربين" جاء لغير المعنى الثالث. وهاك إثبات مجيئه بالمعنى الثالث.
١ - اقتصر عليه أهلُ اللغة، قالوا ــ والعبارة "للقاموس" (^١) ــ: "وأقرباؤك وأقاربك وأقربوك: عشيِرتك الأدنَونَ". وقال في العشيرة (^٢): "وعشيرة الرجل: بَنُو أبيه الأدنَونَ أو القبيلة". وكذا في "اللسان" (^٣) إلّا أنه قال: "وقيل: القبيلة".
وفي "شرح القاموس" (^٤) في "شعب": أن ترتيب بيوت العرب: شَعْب، فقبيلة، فعمارة، فبطن، ففخذ، ففصيلة". ونقل عن بعضهم أن الفصيلة هي العشيرة، وعن آخر أن العشيرة دون الفصيلة. وعلى كلِّ حالٍ فلا أقلّ من العشيرة، وهذا هو الصواب.
وأما قولهم: "وقيل: هي القبيلة"، فكأن قائله ــ والله أعلم ــ أخذه من
_________
(^١) (١/ ١١٤) ط. بولاق.
(^٢) (٢/ ٩٠).
(^٣) (٦/ ٢٥٠) ط. بولاق.
(^٤) "تاج العروس" (٣/ ١٣٤) ط. الكويت.
17 / 700
قوله ﷿: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤]، مع ما ثبت أن النبي ﷺ عند نزولها أنذرَ قريشًا أجمعَ (^١). وهذا يحتمل التأويل، قال الحافظ في "الفتح" (^٢): يحتمل أن يكون أولًا خَصَّ اتباعًا لظاهر القرآن، ثم عمَّ لما عنده من الدليل على التعميم، لكونه أُرسِل إلى الناس كافَّةً.
أقول: وعلى هذا فالوصف في الآية كاشفٌ فقط، بل ليس بوصفٍ، وإنما هو بدلالة الأقربين قد تجرَّد عن الوصفية، وغلب في استعمالِه استقلالُه. ويؤيد هذا أنه لو كان وصفًا لطابق لفظ "العشيرة"، بأن يقال: "القُربَى" مثلًا.
ومما يؤيِّد أن العشيرة اسم لأقلِّ العقود في النسب قولُه تعالى في التوبة: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ...﴾ الآية [٢٤]، وقوله ﷿ في سورة المجادلة: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ الآية [٢٢].
ويؤيده أيضًا أن اشتقاقه من العَشرة، وهي أول عَقدٍ في العدد. هكذا ينبغي توجيه الاشتقاق، فالعشيرة أولُ عقدٍ في النسب، وكذلك الأقربون.
وقد أوضح الإمام الشافعي معنى هذا في "الأم" في باب الوصية للقرابة (ج ٤ ص ٣٨) (^٣)، فمثَّل بنسبِ نفسه، فذكر أولًا بني عبد مناف، ثم
_________
(^١) أخرجه البخاري (٢٧٥٣، ٣٥٢٧، ٤٧٧١) ومسلم (٢٠٤، ٢٠٦) عن أبي هريرة.
(^٢) (٥/ ٣٨٢، ٣٨٣). وفيه: "اتباعًا بظاهر القرابة" وهو تصحيف.
(^٣) (٥/ ٢٣٩) ط. دار الوفاء.
17 / 701
ذكر أنهم تفرقوا، ومن جملة الفِرق بنو المطلب، ثم أخذ يُسلْسِلُهم إلى أن بلغ ببني السائب بن يزيد، فذكر أنهم تفرقوا إلى: بني شافع وبني علي وبني عباس، ثم قال: "فإذا كان من آلِ شافعٍ فقال: لقرابته (^١)، فهو لآلِ شافعٍ دونَ آل علي وآل عباس، وذلك أن هؤلاء يتميزون ظاهرَ التمييز من البطن الآخر، يعرف ذلك منهم إذا قصدوا آباءهم دونَ الشعوب والقبائل في آبائهم، وفي تناصرهم وتناكحهم".
فالحاصل أن الأقرباءَ والأقارب هم أدنى فصيلةٍ للرجل يختصون باسم، ولا عبرة بعدد الآباء. ففي مثال الشافعي لم يكن بنو السائب أقاربَه، لأنهم قد تفرعوا فروعًا اختصَّ كلُّ منهم باسم ........................................ .................................................
بخذلانهم في واقعة شعب ....... بل كان أقاربه ﷺ بني هاشم؛ لأنهم ............ بني المطلب لمكان الموالاة، [كما] في "صحيح البخاري" (^٢) عن جبير بن مطعم.
وأقول: كان بنو عبد منافٍ شَعبًا واحدًا، فتفرعوا، فلما جاء الإسلام وخذل ... عبد مناف بني هاشم وبني المطلب، لم يكن بُدٌّ من التميز ....، والله أعلم.
٢ ــ في "الصحيحين" (^٣) عن أنس في قصة أبي طلحة في تصدُّقِه ببَيْرُحَاء أن النبي ﵌ قال له: " ... وإني أرى أن تجعلها في الأقربين". قال
_________
(^١) أي إذا أوصى بماله فقال: "هو لقرابتي".
(^٢) رقم (٣١٤٠، ٣٥٠٢، ٤٢٢٩) بلفظ: "إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد".
(^٣) البخاري (١٤٦١) ومسلم (٩٩٨).
17 / 702
أنس: فقال أبو طلحة: أفعلُ يا رسولَ الله، فقسمَها أبو طلحة في أقاربِه وبني عمّه".
وفي أكثر الروايات أنه جعلها لحسان بن ثابت وأُبي بن كعب، وحسَّان أقربُ إليه. وفي رواية للبخاري (^١): "فجعلها أبو طلحة في ذوي رحمه، وكان منهم حسَّان وأُبي بن كعب". وجاء من وجهٍ ضعيفٍ (^٢) زيادةُ أوس بن ثابت أخي حسان، أو ابنه شدّاد بن أوس ونبيط بن جابر، وهؤلاء الأربعة يجمعهم مع أبي طلحة مالك بن النجّار، وبعضهم أقرب إلى أبي طلحة من بعضٍ.
والظاهر أن النبي ﵌ أخذ الجواب من قول الله ﷿: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ...﴾. وكان والدا أبي طلحة قد توفيا، وبنو مالك بن النَّجار هم أقربُ فصيلةٍ لأبي طلحة.
٣ - وفي "الصحيحين" (^٣) عن ابن عباس قال: لما نزلت ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ صعد النبي ﵌ الصفا، فجعل ينادي: "يا بني فِهر! يا بني عدي! ... " لبطون قريش.
ونحوه في "الصحيحين" (^٤) أيضًا عن أبي هريرة، وذكر فيه: "يا معشر قريش! يا بني عبد مناف! يا بني عباس بن عبد المطلب! يا صفية عمة
_________
(^١) رقم (٢٧٥٨).
(^٢) ذكره محمد بن الحسن بن زبالة في كتاب المدينة كما في "الفتح" (٥/ ٣٨١).
(^٣) البخاري (٤٨٠١، ٤٩٧١) ومسلم (٢٠٨).
(^٤) البخاري (٢٧٥٣، ٣٥٢٧، ٤٧٧١) ومسلم (٢٠٤، ٢٠٦).
17 / 703
رسول الله ﵌! يا فاطمة بنت محمد! ". وقد قدمنا توجيهه في الكلام على العشيرة.
ثم إن المعنى الأول لا يصح في آية الوصية؛ لحديث البخاري (^١) وغيره عن ابن عباس قال: "كان المال للولد، والوصية للوالدين والأقربين". وسيأتي إن شاء الله تعالى أن حُكمه الرفع. وهو صريح في أن الولد لم يدخلوا في الأقربين، فلم يبقَ إلا الوالدان، وقد ذُكِرا نصًّا، فلا تبقى فائدة لذكر الأقربين، بل يكون في معنى عطف الشيء على نفسه.
وكذا لا يأتي في قوله ﷿: ﴿قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ [النساء: ١٣٥] على تفسير ﴿أَنْفُسِكُمْ﴾ بأولادكم، ويشهد له ظاهر لفظ ﴿شُهَدَاءَ﴾ وأن الاعتراف قد تضمنه قوله: ﴿قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾.
وكذا لا يأتي في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ [البقرة: ٢١٥]، فإنهم إنما سألوا عن النفقة التي هي من قبيل الصدقة، ونفقتهم على أولادهم داخلة في نفقتهم على أنفسهم، وإذا كبر الأولاد فالغالب أن يكونوا مستولين على أموال آبائهم، أو يكون الوالدان قد شاخا وعجزا والأولاد أغنياء أو أقوياء، فيكون الوالدان هما المحتاجين إلى أولادهما.
_________
(^١) رقم (٢٧٤٧، ٤٥٧٨).
17 / 704
على أن حديث أنس السابق هو في معنى تفسيرٍ لهذه الآية، وقد علمتَ أنه لا يأتي إلا على المعنى الثالث.
والمعنى الثاني ــ مع ما فيه من التقييد المخالف للظاهر، وكون الأدلة التي ذكرناها في ترجيح المعنى الثالث تردُّه ــ يلزم عليه مخالفةُ آيات المواريث لآية الوصية في المستحقين. وبيانه: أن الأقربين في آية الوصية وارثون، وفي آيات الميراث موروثون، فمعنى آية الوصية على المعنى الثاني: أن يوصي المحتضر للوالدين والأشخاص الذين هم أقربُ إليه عند الاحتضار. فيخرج ابن الابن إذا كان هناك ابن آخر أو بنت أو أب، فلا يكون ابن الابن على هذا مستحقًّا. ومعنى آية الميراث: للرجال نصيبٌ يَرِثُه كلٌّ منهم مما ترك والداه أو شخص أقربُ إليه ممن ترك بعده، فيدخل الجدّ في المثال المتقدّم، فيكون ابن الابن في ذلك المثال مستحقًّا. وكذلك يخرج من آية الوصية ابنُ الأخ إذا كان لعمّه المحتضر أولاد؛ لأنه ليس بأقرب إلى عمّه المحتضر، ولكنه يدخل في آيات الميراث، لأن المتوفى أقرب إليه ممن ترك بعده إذا كان ابن الأخ منقطعًا. وهناك صورٌ أخرى لا نُطيل بذكرها.
وهذا كافٍ في إبطال المعنى الثاني في آيات الوصية والميراث، لأن آية الوصية كانت قائمة مقامَ بعض التوريث عندنا، وقائمة مقام التوريث أبدًا عند الجيراجي، فيجب عدمُ مخالفتها لآيات المواريث في تعيين المستحقين.
ويحتمل أن يُورَد على المعنى الثالث أمورٌ:
منها: أن الظاهر أنه بمعنى "ذوي القربي"، لم يقصد التفضيل فيه مع أن الصيغة صيغة التفضيل.
17 / 705
ومنها: أن المعروف في المواريث أنه لو انقرضَ آلُ شافع في مثال الشافعي إلا واحدًا فمات، وعرف عصبة من الفريقين الآخرين آل علي وآل عباس، دُفِع ميراثه إليه، مع أن الآية خصَّت الأقربين.
ومنها: أنه يكون ظاهر العموم استحقاق كلِّ واحدٍ منهم ولو اجتمعوا، وهو غير مرادٍ قطعًا.
والجواب عن الأمر الأول: أنهم وإن لم يكن كل واحد منهم أقرب مطلقًا فالمجموع أقربون. بل نقول: إن كل واحدٍ أقرب أي ممن لم يدخل في المجموع، كما إذا قلنا: إن أقارب النبي ﵌ هم بنو هاشم، فإننا نقول: أبو سفيان بن الحارث أقرب من أبي سفيان بن حرب.
ومع هذا فقد ثبت ورود "الأقربين" بالمعنى الثالث كما قدَّمناه، وورد نظيره في احتمال ورود هذا الاعتراض عليه، كقولهم في تفسير "العشيرة": بنو أبيه الأدنَون بصيغة التفضيل.
وعن الأمر الثاني: بأن الآية خرجت مخرجَ الغالب، والغالب أن العشيرة لا ينقرض كلُّها.
ومع هذا فالآيات لم تنزل للتحديد المفصّل، وإنما نزلت في مقاماتٍ لا يضرُّ في مثلها الإجمال. أما في آية الوصية فلأنها كانت موكولةً إلى نظر الموصي يجتهد رأيه، وقد علم الله ﷿ أنها ليست حكمًا دائمًا، وإنما هي تدريج اقتضته الحكمة، فاغتُفِر ما يقع فيه من الجنف والإثم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وأما في آيات المواريث فلأن قوله: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ [النساء: ٣٣]، وقوله: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
17 / 706
وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ [النساء: ٧] هو مجمل على كل حال؛ لأن النصيب مجهول يحتاج إلى بيان، وبيان النصيب لابدّ أن يصحبه بيان المستحقين.
وعن الأمر الثالث: بأن تخصيص العمومات غير مستنكر، وقد قيل: ما من عامّ إلّا وقد خُصِّص. وهذا اللفظ ــ أعني "الأقربين" ــ لابدّ من تخصيصه على كل حال، حتى لو حُمِل على أحد المعنيين الأولين، وذلك في الكافر والقاتل.
وعلى المعنى الثاني لابدّ من التخصيص؛ لأنه يدخل في آيات المواريث ابنُ الأخ المنقطع وإن كان لعمّه المتوفى أولاد، وكذا يدخل الأخ للأم مع وجود الأولاد والأب، ويخرج العمّ الذي له ولد ولو لم يكن هناك وارثٌ غيره، لأن ولده أقرب إليه من الميت، وغير ذلك.
وقال الجيراجي (ص ٢٥): "والمراد بالأقرب أن لا تكون واسطة بينه وبين المورث، إما مطلقًا، أو كانت لكن انتفت قبل وفاة المورث".
فإن أراد أن هذا معنى مستقل للأقربين فممنوع، وإن أراد المعنى الثاني بعد إخراج بعض الصور بالتخصيص ففيه ما تقدم. على أنه قال في (ص ١١): "لأن قرابة بني الأعيان إلى المورث من جهتي الأب والأم معًا، فهم أقربون إليه من بني العلّات".
الظاهر أنه يريد الاستدلال بالقرآن على حَجْبِهم، فكان الصواب أن يقول: لأنه أقرب إليهم منه إلى بني العلات. وعلى كل حالٍ فهذا معنى آخر غير الذي قدَّمه، فإن هذا مبني على أن الأفضلية .... القرابة، وما تقدم مبني على الأفضلية في قرب القرابة، وهما معنيان متنافيان، فإن تلخيص الأول
17 / 707
كون الميت أقرب إلى الشخص ممن ترك بعده، وبعد التخصيص أن لا يكون بينهما واسطة الشخص ممن ترك بعده، وبعد التخصيص أن لا يكون بينهما واسطة حية، وتلخيص الثاني كون الميت أقربَ إلى الشخص منه إلى غيره. وبَنى على الأول توريثَ ابنِ الابن مع ابنٍ آخر، وعلى الثاني حَجْبَ الإخوة لأمٍّ بالأشقّاء والإخوة لأب، وحَجْبَ الإخوة لأبٍ بالأشقّاء.
وأنتَ إذا تأملتَ وجدتَ صنيعَه متناقضًا، فإن الميت وإن كان أقربَ إلى ابنِ ابنِه من سائر الناس، فإنه ــ أعني الميت ــ أقربُ إلى ابنه منه إلى ابن ابنه. والميت وإن كان أقرب إلى شقيقه منه إلى أخيه لأبيه، فهو أقرب إلى أخيه لأبيه من سائر الناس.
الحاصل أن الميت وإن كان أقربَ إلى ابنِ ابنهِ بالمعنى الأول، فليس بأقربَ إليه بالمعنى الثاني، وهو وإن لم يكن أقربَ إلى أخيه لأبيه بالمعنى الثاني، فهو أقرب إليه بالمعنى الأول. فتوريثُ الجيراجي ابنَ الابن مع ابنٍ آخر ــ مع إسقاطه الأخَ لأمٍّ بالشقيقِ أو الأخ لأبٍ، وإسقاطه الأخَ لأبٍ بالشقيقِ ــ متناقضان، واحتجاجه بالآية في الموضعين تهافُتٌ كما تراه. وعلى كلِّ حال فكلا المعنيين مردود لما قدَّمنا.
واعلم أن الأقربين بالمعنى الثالث لا يدخل فيهم الوالدان ولا الأولاد، بدليل أنك إذا قلتَ: هؤلاء أقاربُ زيدٍ تبادر إلى الذهن أنه ليس له فيهم ولد ولا والد. ووجهُ ذلك ــ والله أعلم ــ شدّةُ قرب الولد والوالد، حتى كأنهما مع الشخص شيء واحد، كما يتحصل مما مثَّل به الصحابة ﵃ في مسألة الجد والإخوة.
17 / 708
وما استدلّ به على دخولهم من حديث "الصحيحين" (^١) في إنذاره ﵌ ابنتَه ﵍ مع مَن أنذر عند نزول قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ مدفوعٌ بمثلِ ما تقدم في الجواب عن إنذاره سائرَ بطونِ قريش.
ولا ضرر في عدم دخول الوالدين والأولاد في لفظ الأقربين في آية الوصية وآيات الميراث، فإن الوالدين قد ذُكِرا نصًّا في أربعة المواضع، والأولاد في آية الوصية غير مرادٍ دخولهم، لحديث البخاري وغيره عن ابن عباس الآتي إن شاء الله تعالى، وفي آيات الميراث تُرِك ذِكرُهم لأنهم مورثون، وإثباتُ ميراث الرجال والنساء من الأقربين يُفهم منه إرثُهم من أولادهم من باب أولى.
وفي هذا نكتة حسنة، وهي أن ما يأخذه أحد الأبوين من مالِ ولده كأنه ليس بميراث استحقَّ بالموت، بل هو حقّ ثابت على كل حال، من باب "أنت ومالُك لأبيك" (^٢)، فيكون في هذا الحثُّ على البرِّ بالأبوين.
بل لا يدخل فيه أحدٌ من الأصول والفروع بدليل التبادر أيضًا، وإعطاءُ أولادِ فاطمة ﵍ من سهم ذوي القربى إنما هو لكونهم أبناءَ ابن عمِّه ﵊، ولهذا لا يُسهَم لأبناء الهاشمية من غير هاشمي من خُمُس ذوي القربى.
بل قيل: إنه لا تدخل فيه النساء، وليس في المواضع الأربعة ما يدلُّ على دخولهنَّ.
_________
(^١) سبق تخريجه قريبًا.
(^٢) أخرجه أبو داود (٣٥٣٠) وابن ماجه (٢٢٩٢) من حديث عبد الله بن عمرو، وإسناده حسن. وفي الباب عن غيره من الصحابة.
17 / 709
أما آية الوصية فيحتمل ــ بل هو الظاهر ــ أنها نزلت قبل أن يفرض الله ﷿ للنساء نصيبًا، فهي مُقِرَّةٌ لعادتهم من حِرمانِ الإناث، غايتُها أنها أثبتت للأم لمزيد استحقاقها.
وأما آيات المواريث فلأن لفظ الأقربين فيها مورثون، فالمعنى أن المرأة ترث من أمها ومن ذوي قرابتها، ولكنا نقول: لا مانعَ من أن تدخل فيه النساء تبعًا، كما يدخلن في "قوم".
ولا يدخل فيه أقارب الأم، لأن النبي ﵌ لم يُسهِم لأقاربِ أمِّه من سهم ذوي القربى.
رجعنا إلى تفسير آية الوصية:
قال تعالى: ﴿وَالْأَقْرَبِينَ﴾ قد علمتَ مما بسطناه في فصل الأقربين أن الراجح بل المتعين في تفسيره أن المراد به هنا مَن له قرابة بالمحتضر، بأن يكون من أدنى فصيلةٍ له تختصُّ باسم. وقدَّمنا أنه لا يدخل فيه أحدٌ من الأصول والفروع ولا أقارب الأم، وأيَّدنا عدم دخول الولد في آية الوصية بحديث البخاري وغيره عن ابن عباس، وسيأتي موضَّحًا في النسخ إن شاء الله تعالى.
ومع هذا فالظاهر بل المتيقن أن الوصية للأولاد وإن لم تَشمَلْها الآية كانت جائزةً أولَ الإسلام، وكان للرجل أن يُوصيَ لأولادِه ويُفضِّلَ بعضَهم على بعض، وإنما الفرق أنه لم يكن لوالديه ولقريبه شيء إلّا إن أوصى، وكان الأولاد يأخذونه وإن لم يُوصِ. والله أعلم.
17 / 710
﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾
هو ما يعرفه العقلاء ولا ينكرونه، يريد ما يقتضيه العدلُ والحكمة.
﴿حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾
ظاهر.
قال تعالى: ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ﴾ أي الإيصاء ﴿بَعْدَ مَا سَمِعَهُ﴾ عَلِمَه ﴿فَإِنَّمَا إِثْمُهُ﴾ أي إثم تبديله ﴿عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ فهو يسمع ما يقال فيما يتعلق بالوصية وتنفيذها أو تبديلها، ويعلم ما يُفعَل في ذلك، فيُجازي كلًّا بما يستحقُّ.
﴿فَمَنْ﴾ أي إنسان ﴿خَافَ﴾ عَرف، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا﴾ [النساء: ٣٥]، ﴿مِنْ مُوصٍ جَنَفًا﴾ أي ميلًا إلى مَن لا يستحق أصلًا أو لا يستحقّ الزيادة، ظنًّا من الموصي أنه مستحقّ، ﴿أَوْ إِثْمًا﴾ بإيصائه لمن لا يستحق أصلًا، أو زيادته مَن لا يستحق الزيادة، مع علم الموصي بعدم الاستحقاق، وإنما يُؤثِره محبةً له أو بُغضًا لغيره، ﴿فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ﴾ إما في حياة الموصي ليحمله على تغيير الوصية، أو بعد وفاته ليُسقِطَ بعضَهم سَهْمَه أو بعضَه عن طِيب نفسٍ، كما هو مقتضى الصلح، ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾، وإن كان إطلاق قوله: ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ﴾ يتناوله ظاهرًا؛ لأن المراد هناك: مَن بدَّله بمجرد الهوى أو بدون رضا الموصي أو الموصَى لهم، وهذا ليس كذلك. ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ يغفر للمذنب ويرحمه، فضلًا عمن لم يُذنب، والله أعلم.
17 / 711