فصل
وأما قول القائل: الغضب: غليان دم القلب لطلب الانتقام، فليس بصحيح في حقنا. بل الغضب قد يكون لدفع المنافي قبل وجوده، فلا يكون هناك انتقام أصلًا.
وأيضًا، فغليان دم القلب يقارنه الغضب، ليس أن مجرد الغضب هو غليان دم القلب، كما أن الحياء يقارن حُمْرَة الوجه، والوَجَل [أي: الخوف. انظر: القاموس مادة: وجل] يقارن صفرة الوجه؛ لا أنه هو. وهذا لأن النفس إذا قام بها دفع المؤذي فإن استشعرت القدرة فاض الدم إلى خارج فكان منه الغضب، وإن استشعرت العجز عاد الدم إلى داخل، فاصفر الوجه كما يصيب الحزين.
وأيضًا، فلو قدر أن هذا هو حقيقة غضبنا، لم يلزم أن يكون غضب الله تعالى مثل غضبنا، كما أن حقيقة ذات الله ليست مثل ذاتنا، فليس هو مماثلًا لنا: لا لذاتنا، ولا لأرواحنا، وصفاته كذاته.
ونحن نعلم بالاضطرار: أنا إذا قدرنا موجودين
أحدهما: عنده قوة يدفع بها الفساد
والآخر: لا فرق عنده بين الصلاح والفساد، كان الذي عنده تلك القوة أكمل.
ولهذا يذم من لا غيرة له على الفواحش كالدَّيُّوث، ويذم من لا حمية له يدفع بها الظلم عن المظلومين، ويمدح الذي له غيرة يدفع بها الفواحش،
1 / 53