نعم إن النخاسة قد ألغيت من مصر من سنين عديدة، ولكن أحمد شفيق بك أخذ على نفسه أن لا يبقي للاسترقاق فيها رسما ولا اسما، غير أنه آلى على نفسه أن يبتدئ بدحض ما شاع في أوربا من أن الديانة الإسلامية تساعد على النخاسة، فوفى هذا العمل حقه من العناية والدقة في مؤلفه الذي نشير إليه.
وذلك لأنه ابتدأ بذكر خلاصة تاريخية على الاسترقاق عند جميع الأمم، وفي جميع الأعصار، ثم دخل في الموضوع فأثبت أن الديانة المحمدية لا تقر على هذه العادة، بل تسعى في إلغائها مرة واحدة، ولذلك سرد الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، ثم الحوادث التاريخية، ومنها ينتج أن «الديانة الإسلامية قد حصرت من غير شك ولا مراء حدود الاسترقاق، وعملت على إنضاب منبعه؛ إذ حتمت شروطا وفرضت قيودا لا بد منها لوقوع الاسترقاق، وبينت الطرق، وأوضحت الوسائل التي بها يكون الخلاص من ربقته».
ثم قال: «فإن شريعتنا المحمدية قد سعت في تقويض دعائم الاسترقاق وتدمير معالمه ... وهل كان من الموافق المبادرة بتحريم أمر امتزجت به عادات العالم كله منذ ما وجد الاجتماع الإنساني وتوالت عليه الأيام والأعوام والشهور والدهور؟ ألا إن ذلك كان يجر وراءه بلا شك انقلابا عظيما في نظام الاجتماع، وفتنة كبيرة في نفوس الأقوام، فلهذا جاءت شريعة الإسلام بهذه الغاية من طريق آخر تزول أمامه الصعوبات، وتتذلل العقبات، بدلا من تهييج العقول، وإثارة الخواطر والأفكار بإلغاء الاسترقاق مرة واحدة، فخوطب المسلمون بأن يتقربوا إلى الله تعالى بعتق العبيد المساكين في ظروف كثيرة وأحوال متنوعة.
وحث النبي
صلى الله عليه وسلم
كثيرا على السعي في نيل هذه الغاية الجليلة، ولذلك جاءت قواعده في العتق في غاية السعة ونهاية اليسر، بحيث يتسنى دائما للرقيق أن يجد فيها طريقا يساعده على الخلاص من الاستعباد إذا طلب ذلك، بل ولو لم يطلبه.»
ونحن نعد أنفسنا من السعداء لقولنا وإثباتنا أن ديانة غير ديانتنا تنظر إلى هذه المسألة التي تشغلنا الآن بمثل العين التي ننظرها نحن بها، وهذه السطور القليلة التي أتينا على سردها تجعلنا نتعشم أن يكون لنا في المسلمين عضد ونصير لا خصم خصيم.
وفضلا عن ذلك، فإن ما قاله حضرة أحمد شفيق بك يؤيده كتاب القبطان بانجر على الديانة الإسلامية، وقد ظهر هذا الكتاب حديثا، فقد روى هذا السائح المقدام ما يدحض ظن الظانين بأن تعصب المسلمين هو العائق الأكبر للمسيحيين عن افتتاح أفريقيا، ويؤكد أنه في جملة مرار أصاب منهم مساعدة وعناية يشكرون عليها.
ولذلك فإنا نهنئ من صميم الفؤاد حضرة أحمد شفيق بك على البيانات والإيضاحات التي أوردها، ونعضده على المهمة الجليلة التي أخذ فيها.
موريس بوتري
Page inconnue