لكن المشكلة (كما قال لي أحد خبراء التدليك) أن بيوت التدليك يزداد عددها بمعدل أكبر من زيادة عدد السياح الأجانب، حتى أصبح عددها أكثر من عدد السياح، وزادت حدة التنافس بينها على نحو عجيب؛ إذ يستأجر كل بيت من هذه البيوت عددا من الرجال يطلق عليهم اسم «المرشدين السياحيين»، ومهمتهم بالتحديد هي: اصطياد الرجال السياح في الفنادق أو خطفهم من الشوارع!
كنت أراهم واقفين أمام أبواب الفنادق، وعند نواصي الشوارع، عيونهم الشريطية تتحرك بسرعة في كل اتجاه، وما إن يظهر سائح أجنبي حتى ينقضوا عليه: عندي لك امرأة جميلة الليلة، أسعارنا أرخص الأسعار، الخدمة تشمل كل شيء، تدليك عضلات البطن والفخذين والساقين وما بين الساقين وطرقعة مفاصل الأصابع.
الرغبة في المعرفة أو الرغبة في الاستطلاع سيطرت علي، أريد أن أرى بيتا من هذه البيوت من الداخل، لكن المرأة ممنوعة من الدخول إلا إذا كانت عاملة داخل البيت، دورها هو تقديم الخدمة أو الإنتاج فحسب، أما الاستهلاك فهو حق الرجل وحده.
وارتديت زي رجل ودخلت، إصرار على المعرفة وهتك ستار المجهول.
الظهور تنحني أمامي في خشوع، والعيون الشريطية ترمقني باحترام بالغ، لأول مرة أدرك معنى أن يكون الإنسان رجلا. إن أي حركة يمكن أن تتحول إلى شرف عظيم وإن كانت حركة الساقين في الطريق إلى وكر دعارة.
ورفعت رأسي في زهو وتصورت أنني رجل.
ثم وجدتني أقف بين صفوف الرجال ذوي الوجوه البيضاء المشربة بالحمرة، أكتافنا العريضة متلاصقة، أقدامنا متلامسة، عيوننا شاخصة إلى الأمام.
صفوف من الفتيات الجالسات أمامنا خلف لوح من الزجاج كأنما الحيوانات الصغيرة الحبيسة داخل قفص من الزجاج كالسلع المعروضة وراء نوافذ المحلات، نراهم دون أن يروننا، السيقان عارية بيضاء والنهود نافرة يعلوها رقم كأرقام المساجين داخل القفص، عيون الرجال تتسع بالحملقة، تثبت فوق النهد أو الساق أو الفخذ ثم تجري كقطع الزجاج فوق البشرة الناعمة البيضاء بلون الطباشير، كوجوه العرائس من الجبس الأبيض، وعلى كل خد دائرة حمراء كاللطعة، يرتفع الجفن لحظة وتطل النظرة خلسة، نظرة مملوءة بالفراغ يشبه الحزن، أو بالحزن يشبه الفراغ، ثم تختفي النظرة بسرعة، ينكسر الجفن وتتكسر العين وتطرق الرأس حتى تلامس الذقن طرف النهد، وتنغلق العينان تماما بما يشبه النوم أو الملل أو الإرهاق.
أجسامهن نحيلة صغيرة كأجسام الأطفال، وأحجام الرجال كبيرة ضخمة كالخراتيت أو الديناصورات، وعيونهم مفتوحة محملقة أو مبحلقة، مملوءة باليقظة والانتباه والدقة، تفحص الرأس والأنف والشفتين، ثم تهبط إلى العنق والنهدين، ثم البطن والفخذين، ثم الساقين والقدمين.
أقدامهن صغيرة دقيقة كأقدام العصافير، هل وضعوا القدم منذ الطفولة في الحذاء الحديدي مثل أهل الصين؟
Page inconnue