قال: نعم بالطبع، الشاي درجة أولى هو الذي ينقى من الشوائب جيدا. وهذا لا يباع في السوق وإنما يرسل بناء على طلبات خاصة إلى الملوك والأباطرة ورؤساء البلاد.
سألت: والشاي درجة ثانية؟
قال: إنه الشاي الذي يخلط بأنواع أخرى من الشاي وتظل به بعض الشوائب. أما الشاي الدرجة الثالثة فهو الذي لا ينقى.
قلت: وهل هناك درجة رابعة؟
قال: نعم، ويسمى تراب الشاي، وهو التراب الذي يبقى بعد أن ينخل الشاي. وهذا هو الشاي الذي يباع في السوق المحلي بالهند.
قلت بأسى: وهذا هو ما يشربه هؤلاء الذين يزرعون الشاي والذين يصنعونه؟ قال دون أن يدرك معنى سؤالي: نعم.
وهكذا علمت أن هؤلاء النساء والرجال الذين يعملون طول النهار في مزارع الشاي ومصانعه لا يتذوقون طعم الشاي الذي يزرعونه ويصنعونه بأيديهم وعرقهم ودمهم.
في الهند لم أشعر أنني غريبة في بلد غريب، أمشي في الشوارع وأنظر إلى الوجوه والسماء والأرض والمباني والآثار فأنسى أنني في الهند وأظن أنني في مصر، بل إنني رأيت مصر في الهند أكثر مما كنت أراها وأنا في مصر، عرفت عظمة تاريخ مصر الذي لم أعرفه جيدا في مصر؛ اقترابنا من الشيء يجعلنا دائما عاجزين عن رؤيته جيدا، ولا بد من مسافة بيننا وبين الأشياء لنراها ونعرفها.
رأيت في الهند جذوري، طفولتي «ماضي وحاضري»، ولأول مرة تتلاشى غربتي مع نفسي، ويحدث نوع من الاتصال بين الحلقات المتقطعة في نفسي ووطني.
أعظم ما في الهند أنها توحي للإنسان بأفكار وأحاسيس جديدة. إنها تقوي الجزء العقلي والنفسي في الإنسان، تجعله أكثر اقترابا من نفسه الحقيقية؛ لهذا شعرت في الهند بسعادة غريبة، كالذي يكتشف نفسه من جديد، ويعثر على خصوبة جديدة في عقله وأحاسيسه، ويكتسب تلك القوة النفسية المجهولة والمعلومة التي تجعله قادرا على الخلق والابتكار.
Page inconnue