ذلك الوقت يعيش في الدرجة الأولى على خدمات رجل يدعى سيد هندي ، كان في يوم من الأيام من أصحاب الزوارق (بلام) لكنه أصبح في الأيام الأخيرة من اللائذين المفيدين بالمقيمية البريطانية. إذ كان هذا الرجل يجلب يوما إلى سمو الباشا وجبة واحدة من الرز ويأخذ لقاءها قطعة من النقود عادة. وهكذا كان سيد الثلاثين ألف جندي السابق يعتاش في أيام محنته وإهماله على يد رجل فقير من أصحاب الزوارق ، وأصبح الآن مدينا بحياته والقيام بأوده خلال العذاب والمرض لشخص متواضع من أصحاب الدكاكين.
على أن مكان اختفاء داود قد أصبح معروفا لدى صالح (1) بك ، الذي شاع في بغداد أنه كان يطمح بكرسي الوزارة نفسه ، فبعث أناسا يأتون بالباشا المعزول إلى حضرته ، غير أن صاحب البيت والنساء اقترحوا على الباشا ، وهم يتخوفون من عواقب تسليمه ، أن يفر هاربا من باب في الدار تطل على شارع آخر وعرضوا عليه مساعدتهم في هذا الشأن كذلك. لكن الحياة وقد طالت مرارتها عليه بتأثير المعاناة الشخصية والشعور بالخسارة الجسيمة وضرورة التخفي المستمر ، قد أصبحت في نظر داود المنحوس الطالع عديمة القيمة بحيث لا تستحق أي مقدار آخر من النضال والمقاومة. فرد المقترح بقوله : «كلا ، إن المقاومة أو الهرب قد فات أوانهما ، وسأذهب إلى أي مكان أدعى إليه وإلى أي مصير يكون». فأركب على حصان لأنه لم يكن يقوى على السير ، وأخذ إلى دار (2) صالح بك التي يشغلها الآن المقيم البريطاني وأقيم فيها أنا
Page 125