Le premier voyage à la recherche des sources de la mer Blanche: le Nil Blanc
الرحلة الأولى للبحث عن ينابيع البحر الأبيض: النيل الأبيض
Genres
وفي الساعة التاسعة استكشفنا بشاطئ النهر جملة أكواخ تحيط بها أشجار متفرقة، ورأينا على مسافة ميلين منه حلة كبيرة فر سكانها منها عند وصولنا. وبالنظر لنفاد حطب الوقود من عندنا دنونا من الشاطئ لأخذ ما يلزمنا منه، وكان أحد العساكر السودانيين من رجال الذهبية الثانية مريضا فتوفي في هذه الساعة. وقبل ارتحالنا اقتربت امرأة من ذهبيتنا، فأخذناها وسألناها بواسطة الترجمان محمد عن سبب فرار سكان هذه الحلة لوصولنا، فأجابته بأن سكان الغرب - أي الضفة الغربية - من قبيلة النوير وأن سكان الشرق من قبيلة الكيك وأنها من القبيلة الأولى، وأن الأكواخ القريبة من الشاطئ يسكنها أناس يتغذون بالحيوانات المائية كفرس البحر والتمساح، وأن السبب في فرارهم إنما هو الخوف، فأطلقنا سراحها بعد أن زودناها بشيء من اللحم والذرة، وأوصيناها بأن تخبر أهل قبيلتها أن الذين يحضرون منهم إلينا لا ينبغي أن يخشوا أذى ولا مكروها، وأنهم يعاملون بالمعروف ويقابلون بالحسنى وتعطى لهم الهدايا.
وضفاف النهر في هذا المكان ممتلئة بالحمصوف والبوص والخيزران. وإذ كنا بحيث نستطيع أخذ ارتفاع الشمس في هذا اليوم، فقد قمنا بهذا العمل ثم ألقينا مراسينا.
الأحد 22 شوال: ما تنفس الصبح حتى هممنا بالرحيل، فشهدنا في جهة الغرب على مقربة من النهر جملة أكواخ للنويريين تحيط بها الأشجار، وفي جهة الشرق عددا عظيما من أشجار الدلب المختلفة الأنواع، وعلى ضفة النهر أكواخا لقبيلة الكيك.
وفي الساعة الثالثة شهدنا شبه بحيرة، سبرنا عمقها فاتضح لنا أنه نصف قامة في بعض الأمكنة وقامة في غيرها، أما الماء فراكد آسن، وأبصرنا في ناحية الشرق على ضفة النهر جملة أكواخ لقبيلة الكيك لاذ أهلها بالفرار حينما وقعت أنظارهم علينا واختفوا في البوص والخيزران القريبين منهم، فأرسلت إليهم ترجماننا محمدا ليهدئ روعهم ويسكن جأشهم ويؤكد لهم بأن لا خوف عليهم من جهتنا وأن نياتنا نحوهم حميدة للغاية القصوى، فبرز ثلاثة منهم من مخابئهم وخرج من الأكواخ عشرة أطفال أقبلوا نحونا، فسألناهم من أية قبيلة هم فأجابوا بأنهم من قبيلة الكيك وأنهم يعيشون من صيد الأسماك وأفراس البحر والتماسيح، ثم وجهنا إليهم أسئلة قصدنا بها إلى استقصاء الأخبار في جهتهم فأجابوا بأن النيل الأبيض تحف به على مقربة منهم جبال ذات هضاب في غاية الخصوبة، وأن فيما يلي هذه الجبال قبيلة الكلكور التي يتغذى أهلها بلحوم الإنسان، وأن على مقربة من هذه القبيلة تعيش قبائل النوفهون والباطلية والبحور، فأخلينا سبيلهم بعد أن أتحفناهم بهدايا من المصنوعات الزجاجية، وأوصيناهم ألا يخشوا أحدا منا وأن يخبروا بذلك أهل القبائل الأخرى وأنهم إذا جاءوا إلينا أتحفناهم بالهدايا.
واستكشفنا بعد ذلك جملة أكواخ يتغذى معظم ساكنيها بالذرة الخاصة بتلك البلاد والذرة الشامية الكثيرة الانتشار فيها والأسماك.
وإذ كانت سرعة التيار في هذا المكان ميلين، فقد استحال علينا تسيير القوارب بجر اللبان أو بالمجاديف، دع أن النهر فيه كثير المنعرجات والمنعطفات. وفي الساعة الحادية عشرة ألقينا المراسي وبتنا حيث وقفنا.
الاثنين 23 شوال: بكرنا بالارتحال، واضطررنا إلى جر القوارب باللبان بسبب الكردة واستعملنا المجاديف لاجتيازها، وتخلف قاربان من قواربنا. وفي الساعة السادسة (الزوال) لمحنا أربعة زوارق لقبيلة الكيك تتجه نحونا ويرشقنا راكبوها بالنبال، فأمرنا بعض العساكر بإطلاق النار فقتل اثنان منهم وغاص الآخرون في الماء طلبا للفرار. على أننا لم يسعنا إلا الدهشة من جرأة هؤلاء الناس وإقدامهم على مهاجمتنا جهارا نهارا بما عندهم من الوسائل الضعيفة. هذا، والجانب الشرقي من النيل الأبيض يحتوي بعض الغابات، أما الضفتان فنبات الحمصوف والخيزران، والبوص فيهما كثير. وقد ألقينا مراسينا لقضاء الليل.
الثلاثاء 24 شوال: لم نقطع من الطريق إلا مسافة قصيرة بالرغم من تبكيرنا بالرحيل، والسبب في ذلك أن ذهبيتنا الخامسة نفذ الماء منها فأصاب بعض الذرة وخمسة صناديق من الذخيرة، وبالنظر لارتفاع ضفتي النهر في هذا المكان وتكاثف الحمصوف والخيزران والبوص فيهما، فقد تعذر علينا إنزال الصناديق إلى البر لتجفيفها. على أننا اهتممنا منذ اليوم التالي بسد الثقب الذي نفذ الماء منه، ونجحنا في إصابة هذا الغرض نجاحا باهرا. وقد قطعنا حتى الساعة العاشرة مسافة قصيرة بسبب الكردة من جهة وشدة الريح من جهة أخرى.
وفي تلك الساعة شهدنا على مقربة من الشاطئ بعض أكواخ لقبيلة الكيك، فألقينا مراسينا في هذا المكان لقضاء الليلة به.
الأربعاء 25 شوال: كان الجو في ساعة رحيلنا صباحا متلبدا بالغيوم والريح مختلفة. وفي الساعة الثالثة رأينا في ناحية الشرق على مقربة من الشاطئ جملة أكواخ وأشجار دلب كثيرة وعددا وافرا من أشجار أخرى. وفي الساعة الرابعة اشتدت الرياح مخالفة لنا، فتخلف البعض من قواربنا. وفي الساعة السادسة وقع نظرنا على جملة من رجال الكيك يبدون إشارات العداء والتهديد لنا ويلقون في الماء عجلا وثورا، فأمرت بإطلاق النار عليهم فلم يكن منهم إلا أن ألقوا ما كان بأيديهم من الرماح والنبال وولوا الأدبار. وقد استعنا على المسير حتى الساعة التاسعة باللبان والشراع والمجاديف. وفي الساعة الحادية عشرة لفت نظرنا اجتماع عدد عظيم من الفيلة في جهة الشرق، وعلى مقربة من الضفة الشرقية للنهر بعض الأشجار، وتصاعد الدخان إلى عنان السماء. ويحف بالنهر من الجانبين في هذا المكان الكثير من نبات الحمصوف والبوص والخيزران. وقد ألقينا مراسينا لقضاء الليلة.
Page inconnue