Voyage dans le temps de la Nubie : Étude sur l'ancienne Nubie et les indicateurs de développement futur
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
Genres
ظهرت مصاحبة للدولة الحديثة في مصر، وكانت النوبة وقتها قد تمصرت تماما، وكانت هناك حالة من الازدهار، فبالرغم من أنه يبدو أن منسوب النيل قد انخفض إلى نحو منسوبه الذي كان عليه حتى آخر القرن 19م، إلا أن إدخال الشادوف إلى النوبة في ذلك العصر قد أدى إلى استزراع أراض كثيرة كانت قد أصبحت عالية بالنسبة لمنسوب النهر، كذلك اتبع ملوك الدولة الحديثة سياسة حكم مزدوج أو ذاتي بمقتضاه لم تطح مصر بالحكام النوبيين، بل حكمت من خلالهم وأرسلت أبناءهم للتعلم في مصر، وبذلك أصبحت النوبة مصرية دون حملات عسكرية، واتبع النوبيون نظام ملكية الأرض المصري من حيث تبعيتها للحكام ومساعديه والمعابد، وهنا يمكن أن نقول إن النوبيين تحولوا تماما من نظام تربية الحيوان أساسا إلى نمط ما من أنواع الزراعة الكثيفة: حبوب ونخيل ومناحل ومعاصر للأعناب، وربما وصل عدد السكان في تلك الفترة إلى نحو 20 ألفا أو يزيد.
العصر البطلمي:
لم توجد آثار تشير إلى سكن دائم في النوبة؛ مما دعا إلى وصفها بأنها كانت مهجورة أو ما يشبه ذلك، برغم أن حدود مصر الجنوبية كانت عند المحرقة - جنوب مصب وادي العلاقي بقليل - وأن ما بعد ذلك جنوبا كان داخلا في نفوذ دولة مروى، ولعل سبب قلة السكن في النوبة - أو هجرها - راجع إلى ما يلي: الدولة البطلمية أساسا دولة تشغلها مشاكل البحر المتوسط، وعاصمتها الإسكندرية بعيدة عن النوبة بالقياس إلى موقع العاصمة القديمة في طيبة. ودولة مروى تشغلها مشاكل السودان الأوسط، وعاصمتها تقع على بوابة الإقليم المداري جنوب الصحراء، وذلك على عكس موقع ناباتها المتاخم للنوبة مباشرة، ومن ثم فإن مراكز الثقل في الدولتين انزاحت شمالا وجنوبا، وأصبحت النوبة بلاد تخوم هامشية لا تجذب السكان إليها، لكن ذلك لا ينفي دور النوبة كممر للتجارة بين الدولتين، وإن كنا لا نستبعد بداية طرق القوافل عبر الصحراء الشرقية «بربر-كورسكو»، والصحراء الغربية - درب الأربعين والدروب التي تلحقه قادمة من بلاد كوش، إقليم دنقلة الذي يتصل مباشرة بكردفان ودارفور عبر طريق وادي المك - ولعله في تلك الفترة أيضا بدأ دخول الجمل إلى مصر؛ مما يسهل قطع مسافات صحراوية طويلة، بدلا من قوافل الحمير التي كانت شائعة طوال العصور السابقة.
حضارة (س) (X) :
ظهرت خلال العصر الروماني، وهناك غموض كثير يحيط بالنوبة في تلك الفترة، وقد درس الأستاذ إمري مخلفات هذه الفترة في جبانات بلانة وقسطل، وهناك أيضا آثار لها في منطقة طافا أو تيفة - قرب كلابشة - ويختلف الرأي حول نسبة هذه المجموعة إلى البليمي أو إلى النوباتي، خاصة وأن الرومان أسكنوا النوباتي في شمال النوبة المصرية في نحو القرن الثالث الميلادي، لصد هجمات البليمي المتكررة على النوبة وجنوب مصر، لكن النوباتي انتشروا وسكنوا جنوب النوبة المصرية، وفي البداية كان البليمي خاضعين لدولة مروى، ولكن سقوط مروى في نحو 300 ميلادية، قد أدى إلى انطلاق البليمي كبدو راكبي الإبل يستعملون أساليب الكر والفر، ومن ثم صعب كبح جماحهم، وفي تلك الفترة أيضا كانت الدولة الرومانية تعاني انقسامات حادة، فضلا عن بداية انتشار المسيحية في أرجاء مصر وبيزنطة في حوالي القرن الخامس الميلادي، وكل هذا أدى إلى انشغال الرومان عن حماية مصر الجنوبية، فحاولوا إقامة جماعة أو إمارة حاجزة تتولى صد هجمات البليمي، وعلى أي الحالات فإن الأمور مختلطة بشدة عن سكان مجموعة (س): هل هم البليمي، أم النوباتي، أم حدث اختلاط بين هؤلاء الذين استقروا من المجموعتين في النوبة وكونوا إمارة مستقلة؟
وقد وضح من الدراسات التي تمت أن البليمي والنوباتي في النوبة كانوا يدينون بعبادات مصرية مروية قديمة، وخاصة عبادة إيزيس، ويأخذون تمثالها الموجود في جزيرة فيلة يطوفون به بلادهم من أجل الخصب والوفرة، وكان ذلك يتم بموافقة الرومان، فلما انتقل الرومان البيزنطيون والمصريون إلى المسيحية في القرن الخامس الميلادي، أغلقت المعابد القديمة؛ مما أثار عليهم النوباتي، فغزوا جنوب مصر حتى أرمنت والواحة الخارجة في عام 429م، وقد هزمهم الرومان في 452م، لكنهم أعادوا فتح المعابد وسمحوا للنوباتي والبليمي بإقامة شعائرهم القديمة، ثم تنصر النوباتي تدريجيا وأصبح هناك سلام على الحدود المصرية الجنوبية، خاصة بعد أن انتصر «سيلكو» ملك النوباتي عام 530م، على البليمي، فلم نعد نسمع عنهم بعد ذلك (انظر خريطة 4).
وقد وجد في جبانات بلانة وقسطل الملكية أدلة على أنهم كانوا يتبعون عادة الأضاحي البشرية تصاحب وفاة الزعماء، وهو ما يدل على وصول مؤثرات بربرية من الجنوب، ولكن باستثناء ذلك فإن هناك مؤثرات مصرية قوية رصدها الأركيولوجيون، كالتيجان الفضية التي تحمل ريشة «آتف
Atef »
3
ورأس آمون رع مزدانة بأحجار شبه كريمة، كما كانت الأسلحة متطورة بحكم أنهم كانوا شعبا من المحاربين: فهناك السيوف القصيرة، والرماح الكبيرة ذات الرءوس الحديدية الثقيلة، والقسي والسهام، كذلك وجدت سروج الخيل المطعمة بالفضة، ولجام الجمال مع أجراس، وموائد مطوية، ومقاعد ومصابيح برونزية، وكئوس فضية وبرونزية، وكانت الكتابات التي وجدت مكتوبة بالخط الهيروغليفي المروي، لكنها تغيرت إلى الخط الإغريقي بعد التحول إلى المسيحية.
Page inconnue