Voyage dans le temps de la Nubie : Étude sur l'ancienne Nubie et les indicateurs de développement futur
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
Genres
وقد لاحظت أن السيف والكرباج معلقين إلى جدار الغرفة، فقد كن في غرفة البنت التي تزوجت حديثا، وهو تقليد متبع في كل أرجاء النوبة أن يدخل الزوج حاملا السيف والكرباج ليلة عرسه في إشارة إلى ضرورة طاعته، وسنعالج هذا الموضوع فيما بعد.
نجع العرب وبقايا حياة البداوة
استيقظ الجميع في السادسة والنصف وتناولنا إفطارا خفيفا، ثم جلسنا نتحدث مع بعض الأشخاص بعض الوقت عن حياتهم السابقة في القاهرة وأعمالهم، وفي العاشرة والنصف تحركنا بالقارب «لندا» لأول مرة منذ إقامتنا في قرشة، متجهين إلى نجع العرب الذي يبعد نجعين عن نجع كلدول الذي كنا فيه بالأمس، وبالمناسبة نذكر أن الناقلة «بيومي» كانت قد وصلت قبل يومين أنزلت شحنة البنزين، وقام الريس محمد بتعبئة خزانات «لندا»، والباقي تركناه في عهدة مكتب البريد لحين عودتنا من الجنوب.
وفي أثناء إبحارنا إلى نجع العرب قابلنا الباخرة «شيخ البلد» التابعة لمصلحة الآثار المصرية، متجهة جنوبا إلى أحد المواقع الأثرية في النوبة، وصلنا قبالة نجع العرب بعد نحو الساعة والربع، فوجدنا المضيفين الذين قادونا إلى السبيل المقام إلى جوار الجامع، والذي يسمونه هنا الخيمة كمصطلح حضاري يشير إلى أصولهم البدوية، والخيمة مبنية على نسق مضايف جيرانهم من الكنوز؛ أي جزء سماوي مسور وحجرة كبيرة، لكنها تختلف في أنها ذات نوافذ صغيرة وسقف مسطح من فلج النخيل والأبراش - جمع برش - وفي الداخل عدد من العنجريبات والطرابيزات مغطاة بقماش هندي وارد السودان، وجهاز راديو ألماني أيضا وارد من السودان، والعلاقة مع السودان مهمة بحكم قيام بعضهم بالسفر بإبلهم عبر الدروب الصحراوية، وسنشير إلى ذلك فيما بعد، وهناك عصى معلقة بالحبال من طرفيها تستخدم لتعليق ملابس الضيفان إذا كانوا في ضيافة طويلة.
وعلى أحد جدران الخيمة علقت قربة ماء وزمزمية وشنطة لوضع الزاد، وهي من مستلزمات الرحلة داخل أودية الجبال الشرقية، كذلك كان مقود الجمل معلقا على الجدار، وكلها تشير بوضوح إلى استمرارية التنقل والارتحال لبعض هؤلاء السكان في مواسم أو مهام معينة إلى داخل الصحراء وفي اتجاه السودان أيضا.
مصطلح «عرب» يطلقه سكان النوبة بدون تمييز على البدو الذين يعيشون في الصحراء، ويأتون في موسم الصيف إلى النوبة؛ من أجل السقاية ورعي الجمال وتقديم خدمات أخرى مقابل أجر نقدي أو عيني، ولكن هؤلاء هم في الغالب من قبائل العبابدة، وفي الأقل من قبائل البشارية، وسواء كان العبابدة من أصول عربية أو من قبائل البجة الذين استعربوا، فإنهم ينقسمون إلى أربع قبائل كبرى: ثلاث منها مستقرون في نجوع كثيرة في الحاجز (أطراف الأرض الزراعية والصحراء) بين قفط (محافظة قنا) وكورسكو (النوبة المصرية)، فضلا عن انتشاهم أيضا في منطقة بربر في شمال السودان. أما القبيلة الرابعة فغالبها تسكن الصحراء المصرية الجنوبية الشرقية، جنوب خط نظري يمتد من قنا إلى القصير، والقبائل المستقرة هي: (1) الجميلية. (2) العبودين والشناطير. (3) الفقرا والمليكاب. أما القبيلة البدوية فهي (4) العشاباب. وبعض العشاباب مستقرون نصف استقرار، وبعضهم بدو أقحاح كعشائر المحمداب في الصحراء والجريجاب بالقرب من ساحل البحر الأحمر، ولغة كل العبابدة العربية بعد أن تركوا لغة البجة القديمة منذ عدة قرون، وإن كان بعض العشاباب يتكلمون أيضا خليطا من العربية ولغة التبداوية البجاوية، قريبة الشبه بالبشارية، أما قبائل البشارية فيسكنون أساسا في جزء من منطقة حلايب وجبل علبة، وينتشر بعضهم مع وادي العلاقي وأودية أخرى حتى بلاد النوبة، ويمارس العشاباب البدو حياة رعي مشابهة للبشاريين، لدرجة أنه يصعب على الغريب التفريق بينهما، ومن هنا يحدث خلط لدى النوبيين، فهم كلهم بالنسبة لهم «عرب».
وعبابدة نجع العرب في قرشة هم من العبديناب، أحد بطون المحمداب من قبيلة العشاباب، ويبلغ عددهم في النجع حول 150 شخصا، منهم عدد كبير من المعاتيق - أي أصلا رقيق للعبابدة أعتقوا منذ فترة طويلة - وليس كل هذا العدد مقيما في النجع، فبعضهم يعمل خارج النوبة، وإن كان بنسبة أقل من الكنوز، وربما كان أكثر الأعمال خارج النوبة التي تغري العبابدة هو العمل في سلاح الهجانة، الذي يتوافق كثيرا مع طباعهم الموروثة. وحسب اتفاق محدثينا، فإن في النجع 30 من الذكور و34 من الإناث، غالبيتهم الساحقة من بيت فكاك من العمراناب من العبديناب.
كان أحد الحاضرين يربط عمامته بطريقة مغايرة لمن حوله، وتبين بعد السؤال أنه في حالة حزن؛ فقد مات ابنه في الجبل منذ فترة قصيرة، لهذا يرخى أحد أطراف العمامة إلى صدره، وقد عرفنا أن عبابدة نجع العرب يذهبون للجبال الشرقية كثيرا، وذلك على عكس عبابدة سيالة من الشناطير، الذين أصبح استقرارهم دائما من قديم، بينما ما زال نداء البادية قويا بين عبابدة قرشة والعلاقى، فالكثير من أسمائهم فيها رنين العشائرية والمرغنية؛ مثل سر الختم وفضل المولى والشويري ... إلخ، وهي أسماء لا وجود لها بين جيرانهم من الكنوز.
وحسب اتفاق الحاضرين في المضيفة أنهم قد استقروا في قرشة ونواحيها منذ ستة أجيال؛ أي ربما منذ نحو منتصف القرن 18م. أو أواخره. سلسلة نسب أحد محدثينا تجري على النحو الآتي: «عبد الله حسب الله عبد الخير علي فكاك عمران.»
فهو من العمراناب من العبديناب من الجارلاب من الشافعاب من الديداناب من الرجلاب من الفشيجاب من الفراجاب من العوضلاب من المحمداب؛ أي إن عمران يفصله عن أصوله من المحمداب والعشاباب نحو عشرة أجيال، كلها كانت تعيش حياة البادية منذ نحو القرن الرابع عشر والأغلب قبل ذلك أيضا.
Page inconnue