Voyage dans le temps de la Nubie : Étude sur l'ancienne Nubie et les indicateurs de développement futur
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
Genres
أنقذونا ... الحقونا ...
يتذكر د. رياض تجربة أول تحرك للقارب «لندا» وما صادف ذلك من شيء أشبه بالمغامرة على سطح النيل. ***
بعد أن وضعنا كل أمتعتنا داخل «لندا» حضر إلى الشاطئ شخصان، حسبناهما من سكان النجع الذي كنا نراه على بعد عال فوق حافة صخرية، لكن اتضح أنهما من العبابدة يرعون إبلهم، ويبدو أن توقف «عمدا» ونزولنا منها قد أثار فضول سكان النجع، كان الريس محمد علي شاجة أحد سكان النجع، وهو البحار المكلف بحراسة القارب، وكنا نأمل في حضوره فور توقفنا؛ ليعرف ما الخبر، وما الذي يريده هؤلاء الغرباء من القارب، ولماذا وضعوا فيه حاجياتهم.
ولما طال صمتهم سألناهم هل الريس محمد موجود بالنجع، فقال أحدهم إنه متغيب منذ الصباح؛ فقد خرج بقاربه الشراعي وسوف يأتي عما قريب، وقد فتح الحديث عن الريس محمد شهيتهم للحديث والتساؤل: من نحن، ولماذا جئنا، وماذا نبغي، وماذا نفعل بالقارب. وأشبعنا فضولهم المنطقي، أخبرناهم أننا سنأخذ القارب في رحلة طويلة، فاعترضوا وقالوا إن ذلك غير ممكن بدون وجود الريس محمد، وطمأناهم أننا ما جئنا لنأخذ القارب بدون إذن الريس محمد فقط، بل إنه سيرافقنا في الرحلة ملاحا ومرشدا.
وفي تلك الأثناء كان عدد من الأطفال والسيدات قد حضروا إلى المكان، اقترب الأطفال في حين ظلت البنات والنساء على مبعدة غير يسيرة، ولكي تتجنب زوجتي الحر الشديد الذي يرتفع إلى أقصاه في الثالثة والرابعة بعد الظهر، وقد كنا كذلك، فقد ذهبت إلى البنات والسيدات لتتجاذب معهن أطراف الحديث، وتركت كل شيء معنا، وأخذت أنا وأسعد نديم نرتب أمورنا داخل القارب.
لقد حضر الأستاذ أسعد نديم معنا لأسباب؛ فإلى جانب معرفتي الوثيقة به كطالب دراسات عليا في معهد الدراسات الأفريقية الذي أحاضر فيه، فقد حضر من قبل مركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية، الذي يعمل به باحثا، لكي يعرفنا بأهل دهميت التي سبقت له زيارتها، وعلى وجه خاص بالحاج شاهين عبد اللطيف الذي يستأجر منه مركز البحوث بيتا يخزنون فيه حاجيات معسكر البحث المقام هناك، وبالتالي التحدث مع الريس محمد أن يذهب ويعود معنا نظير مقابل ندفعه له.
على أنه كان هناك سبب جوهري آخر لتفضل أسعد الحضور معنا، فلقد سبق له أن تعرف على هذه القوارب حينما بنيت في القاهرة لحساب مركز البحوث، وقاد بنفسه أحد القوارب الثلاثة في النيل أثناء التجربة، ولما لم أكن أعرف شيئا عن هذه القوارب، فقد كان أسعد هو وسيلتي لتعلم قيادتها والقيام برحلتنا، لكن خبرة أسعد - كما أخبرني قبل قيامنا من القاهرة - خبرة محدودة بساعة زمن أو نحوها، وإن كان قد أكد لي أن قيادة القارب وتشغيله من الأمور غير العويصة، وزيادة في الحيطة أحضر أسعد كتاب تشغيل المحركات، وأخذ يقرؤه بعناية لكي يتذكر إجراءات التشغيل.
وعلى الشاطئ أخذت أرقب أسعد وأعاونه؛ كي أستطيع أن أؤدي العمل بعد أن يتركنا ويعود للقاهرة، بدأنا بخزانات الوقود فتعرفنا على طريقة اتصالها بالخراطيم التي تذهب بالبنزين إلى المحرك، ولكل محرك خزان، وكان هناك أيضا خزانان إضافيان في باطن القارب، ثم رفعنا الخزانات الأربعة، وكان باثنين منهم بعض البنزين، فأفرغناه في خزان واحد، وأشار المؤشر إلى أن به حوالي النصف أو أقل قليلا، واستخرج أسعد من القارب كيس العدد والمفاتيح اللازمة للصيانة السريعة، وفتحنا الصفائح الأربعة التي أحضرناها معنا في «عمدا»، وسكبنا الزيت بمقدار جالون لكل صفيحة، ثم ملأنا الخزانات الأربعة بهذا الوقود المختلط، كل هذا تحت سمع وبصر الرجال والأطفال حولنا.
وكان الحر الشديد والشمس اللاذعة قد أخذت منا كل مأخذ، فدخلنا القارب ومددنا السقف القماش على أعمدته الصغيرة، فلم يعد بالإمكان أن يقف الشخص بطول قامته، بل عليه الانحناء قليلا حسب طول قامته؛ لتجنب ضرب الرأس في العوارض الخشبية التي ينزلق عليها القماش .
وفي ظل السقيفة هذه بدأنا نمعن القراءة في كتاب إدارة المحرك، ونروح ونجيء بين عجلة القيادة ومفاتيح البنزين ومحول السرعة «الفيتيس»، وكلها موجودة في المقدمة، وبين المحركات المثبتة في خلف القارب، ونتحسس الأسلاك والخراطيم وما إلى ذلك، حتى اعتقدنا أننا قرأنا ما يكفي للبدء في إدارة المحرك للتجربة، وتدار مثل هذه المحركات المائية بواسطة حبل قوي ذي يد مصنوعة من المطاط، وعلى الإنسان أن يأخذ اليد المطاطية في راحة يده ويقبض عليها بأصابعه، ثم يجذبها تجاهه بكل قوة لكي يبدأ المحرك في الدوران.
Page inconnue