Voyage dans la pensée de Zaki Najib Mahmoud
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Genres
غير أن الدكتور حسن حنفي هنا يخرج عن الموضوع تماما، فهو يصور «هذا العائق» على أنه كان رأيا في الماضي، قالت به فرقة من المتكلمين ورفضته أخرى ...! ونسي، أو أهمل، ما بدأ به مفكرنا من أن هذا العامل المعوق ما زال قائما بيننا حتى اليوم، وربما يجهل أصحابه الفرق التي أيدت والتي عارضت في آن معا، ولو أن الأمر قد اقتصر على تراث الماضي، لما أخذنا عجب ولا كانت هناك مشكلة، لكن الخطر الحقيقي في الأمر أن هذه الفكرة ما زالت متغلغلة في ثقافتنا الحاضرة، لا فقط بين العامة، بل الأمر يجاوز هؤلاء إلى العلماء أنفسهم، وبين الأساتذة، الذين يعملون في الجامعات، ويقومون بتدريس العلوم الحديثة: الكيمياء، والفزياء، والنبات، وطبقات الأرض! فليست المشكلة «تاريخا مضى»، ولا يجوز أن نستشهد بما قالته الأشاعرة، ونتغاضى عن اعتراضات المعتزلة، بل أن العائق قائم بيننا حتى اليوم. (5) مشكلات متجددة
تلك كانت «عقبات» على الطريق اختصرها مفكرنا في ثلاث، تعوق نهضتنا وتشل حركتنا، وتمنعنا من الانطلاق، وإن كانت العقبة الأولى هي، في تصوري أخطر العقبات جميعا ...!
طهرنا الأرض من الألغام ونريد إقامة البناء، فما هو المطلوب الآن؟ علينا بادئ ذي بدء أن نسأل أنفسنا سؤالا طرحه مفكرنا مرارا، في أحاديثه الإذاعية في الكويت، ثم «في تجديد الفكر العربي»، وبعدها في مقدمة كتاب «المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري»، وهذا السؤال هو: أتكون مشكلات حياتنا اليوم هي نفسها المشكلات التي عالجها الأجداد في الماضي، وأجهدوا أنفسهم في البحث عن حلول لها ...؟! وهل نستطيع أن نفيد اليوم من هذه الحلول، أم أن هناك مشكلات انتهت وثقافة في تراثنا لا نعيشها اليوم؟ «ويجيء الجواب بالنفي القاطع لوحدة المشكلات»، فنحن نواجه مشكلات أساسية لم يعد يصلح لها ما ورثناه من قيم مبثوثة في تراثنا، لسبب بسيط هو أنها لم تكن هي نفسها المشكلات التي صادفت أسلافنا، حتى نتوقع منهم أن يضعوا لها الحلول ...»
52
فالمشكلات القديمة في أية ثقافة هي مشكلات ميتة، ومحاولة إحيائها ضرب من التغاضي عن «العقل المتطور وعود إلى البساطة الذهنية الأولى، وسعي للبحث عن ملاذ نبتعد بواسطته عن المشكلات والصعوبات القائمة، وهروب إلى الجدب والعقم»، على حد تعبير هيجل.
53
فما هي المشكلات التي نواجهها اليوم، ولم يكن يعلم أسلافنا عنها شيئا؛ أعني أنها اختلفت قليلا أو كثيرا عن مشكلاتهم؟ يعتقد مفكرنا أن على رأس هذه المشكلات «مشكلة الحرية» بمعناها السياسي، ومعناها الاجتماعي وهما المعنيان اللذان تدور حولهما أرجاء الحياة المعاصرة .
54
وسوف نتحدث فيما يلي بإيجاز عن هذه المشكلات، وعلى رأسها «مشكلة الحرية» التي كانت موضع اهتمامه في أحاديثه ومقالاته ومحاضراته وندواته. (5-1) مشكلة الحرية
الحرية التي نقصدها هنا هي الحرية السياسية، التي لم يكن أسلافنا يعرفون عنها شيئا؛ ذلك لأن فكرة الحرية في تراثنا القديم كانت تقابل «الرق»؛ فالفرد من الناس إما أن يكون حرا ذا حقوق وواجبات، وإما أن يكون عبدا لغيره، فلا حقوق له إلا ما يأذن به مولاه. أما الحرية السياسية اليوم فهي تنصرف إلى اختيار الحكومة، بانتخاب المواطنين بطريق مباشر أو غير مباشر (وكان ذلك بتأثير أوروبا وأمريكا). وما ظهر حديثا من أنظمة للحكم تكفل للمواطنين أن ينتخبوا من يمثلهم أمام من تسند إليهم مناصب الحكم، بحيث تكون السلطة في نهاية الأمر للشعب، فإذا رضي عن الحكومة أبقى عليها، وإذا سخط عمل على إزالتها في غير حاجة إلى معارك ومذابح وتعذيب وسجن وتشريد.
Page inconnue